إشكاليات من التجربة السياسية في لبنان
انبثقت سلطة سياسية خلال مرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وجاءت لتعبّر عن التوجهات الغربية عمومًا والأميركية خصوصًا، أو لتتماشى وتتماهى معها على الأقل.
-
إشكالية الخلل في التمثيل السياسي في لبنان.
ثمة إشكاليات عدة، لا بدّ من الإضاءة والاطلاع عليها، في سياق الإحاطة بالتجربة السياسية اللبنانية ومسارها التاريخي، وكذلك مثالبها، البنيوية والهيكلية، كما الحركية والسلوكية والوظيفية.
هي تتصل بكل من: الشرعية الوطنية أولًا، التوازن الوطني ثانيًا، والمسؤولية الوطنية ثالثًا، على صعيد الخطاب السياسي، وعلى صعيد الممارسة السياسية أيضًا.
إشكالية الخلل في التمثيل السياسي في لبنان
ليس الخلل في التمثيل السياسي أو الشعبي بلبنان هرطقة سياسية، ولا حتى دستورية. وهي ليست أطروحة سوريالية أو سفسطائية، كما يدّعي البعض ويفترض.
هذه المزاعم وهذه الادعاءات كلها غير دقيقة وغير صحيحة. هي مردودة على أصحابها لدى محاولة البحث عن الحقيقة أو الكشف عن الواقع كما هما، أي الواقع والحقيقة، في بلد مركب ومعقد. فقوانين الانتخابات كلها غير متجانسة وغير متماسكة، أو لنقل إنها غير متناسقة، كما أنها حتمًا وحكمًا غير دستورية، لمخالفتها نص الدستور وأحكامه، كما وثيقة الوفاق الوطني.
كذلك، هناك كتل نيابية تبدو منتفخة، من حيث الحجم والوزن والدور، في مقابل اختزال أحجام وأوزان وأدوار قوى أخرى وكتل أخرى، هما أكبر، من حيث التمثيل الشعبي والقاعدة الشعبية أو الحيثية الشعبية. إن هذا الخلل في التمثيل السياسي، لا سيما التمثيل الشعبي، يجعل مسألة الشرعية السياسية، لا سيما الشرعية الشعبية، في مهب الريح، ومشكوكاً فيها، وكذلك أيضًا المشروعية القانونية والدستورية.
إشكالية الإخلال بالتوازن السياسي في لبنان
من البديهي أن يقود الخلل في التمثيل الشعبي في البلد إلى الإخلال أيضًا بالتوازن السياسي فيه بالتأكيد وبطبيعة الحال. وعليه، تكمن المشكلة هنا في أن تركيبة السلطة السياسية تصبح غير متوازنة، بمعنى أن ميزان الترتيبات والمعادلات والتوازنات السياسية يصبح غير متكافئ في تأمين المشاركة أو المساهمة، بطريقة عادلة ومنصفة، من قبل القوى السياسية من المكونات والجماعات والاتجاهات في العملية السياسية، كما في الحياة السياسية. إن هذا التوصيف ينطبق على تركيبة السلطة القائمة، مؤخرًا وراهنًا، في البلد، وحتى إشعار آخر.
فقد انبثقت هذه السلطة السياسية خلال مرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وجاءت لتعبّر عن التوجهات الغربية عمومًا والأميركية خصوصًا، أو لتتماشى وتتماهى معها على الأقل، كما الضغوط والشروط والإملاءات ذات الصلة، بصرف النظر عن الهواجس والتطلعات لدى أحد أبرز المكونات الأساسية في البلد، وربما الأكبر أيضًا.
إشكالية الاختلال في الاتزان السياسي في لبنان
عندما تكون السلطة السياسية غير متوازنة في تكوينها وتركيبها، فهي تصبح غير متزنة في أدائها. إن هذا الاستدلال العقلي هو واقعي ومنطقي. وهو ينطبق أيضًا على السلطة السياسية القائمة في البلد.
فانعدام التوازن السياسي فيها يجعل منها سلطة فئوية أو سلطة جهوية، قد تكون منحازة، أو قد تصبح كذلك، ذلك أنها ليست بالضرورة متوازنة بين الجميع، وهي، بالتالي، غير متزنة بينهم أيضًا. مما يعني أنها قد تنحرف في ممارستها لحساب القوى السياسية والكتل النيابية والفاعلين الداخليين والخارجيين، الذين يدورون في الفلك السياسي للقوى الدولية والإقليمية، المهيمنة أو الضالعة بالشؤون الداخلية اللبنانية.
وقد يجعل كل من الإخلال بالتوازن السياسي بالتكوين والتركيب، ثم الاختلال بالاتزان السياسي بالأداء والممارسة، جماعة السلطة أكثر قابلية للخضوع أو الرضوخ أو الخنوع للتدخلات والإرادات الخارجية والأجنبية، أو استجابة لها بالحد الأدنى، على حساب القوى والكتل والفاعلين الآخرين من جماعة المقاومة.
كان لا بد من الإدلاء بهذه الملاحظات وتدوينها، مهما تكن الحسابات والتقديرات والاعتبارات والمصالح السياسية وغير السياسية. لا يجوز الصمت في مثل هذه الظروف والأوضاع والأحوال الراهنة في البلد.
لا بد من مواجهة الواقع والحقيقة، ومن ثم العمل على معالجة الأزمات، كما المشكلات. الحل لا يكون بالمكابرة، ولا المراوغة، ولا المماطلة. فقد يؤدي ذلك إلى تضييع المزيد من الوقت وتفويت الكثير من الفرص.