الولايات المتحدة خلف تركيا في مواجهة روسيا:من القوقاز إلى سوريا
صفقات الطاقة الجديدة مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تعمل على تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، تضعف نفوذ موسكو وتزيد من قوة أنقرة.
-
هل تتحوّل سوريا من حليف لروسيا إلى شريك للولايات المتحدة؟
حدّدت اتفاقية السلام التي توسّطت فيها الولايات المتحدة، والمُوقّعة في آب/أغسطس 2025، خطةً لـ"مسار ترامب للسلام والازدهار الدوليّين" (TRIPP). منحت الاتفاقية شركةً أميركيةً خاصة حقوق تطوير البنية التحتية، جوهر الاتفاق على مسار ترامب، المعروف سابقاً باسم ممرّ زانغيزور.
بالنسبة لأذربيجان سيتمّ تأمين ممرّ بري مباشر يمرّ بمنطقة سيونيك الأرمينية وصولاً إلى جمهورية نخجوان المتمتعة بالحكم الذاتي، وبالتالي إلى تركيا. ويهدف هذا المسار إلى تجنّب الاعتماد على الأراضي الإيرانية أو الروسية للنقل.
تهدف أذربيجان إلى الاستفادة من الممرّ الجديد لتعزيز مكانتها كمركز عبور حيوي للسلع والطاقة المتدفّقة بين أوروبا وآسيا الوسطى وخارجها، مما يعزّز أهميتها الاقتصادية والجيوسياسية. ويتماشى هذا مع خطط توسيع ميناء باكو ودمج الطريق مع شبكة النقل الأوسع للممرّ الأوسط.
يُنظر إلى الاتفاقية، التي توسّطت فيها الولايات المتحدة، كفرصة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، بما في ذلك في مجالات أمن الطاقة، والتعاون الدفاعي، وإمكانية إلغاء القيود الأميركية طويلة الأمد على المساعدات (المادة 907 من قانون دعم الحرية).
كما تهدف إلى تسهيل تطبيع العلاقات بين تركيا وأرمينيا، مما من شأنه أن يُخفّف تجميد الحدود ويُعزّز التواصل الإقليمي لجميع الأطراف. من خلال إشراك الولايات المتحدة في دور الوساطة المركزي وإنشاء طريق عبور تمّ تطويره في الغرب يتجاوز أراضيها، تسعى أذربيجان إلى تقليل نفوذ روسيا وإيران في جنوب القوقاز، وهو هدف مشترك مع الإدارة الأميركية.
يريد علييف إقامة رابط عبور آمن ومعترف به دولياً مع تركيا، ووضع بلاده كقوة مركزية ومركز رئيسي للتجارة والطاقة في منطقة جنوب القوقاز المتكاملة حديثاً، كلّ ذلك في حين يتحالف بشكل أوثق مع الشركاء الغربيين، فهل استغلّ علييف انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا؟ أم أنها خطة إردوغان للوصول إلى آسيا الوسطى؟ أم أنه تطويق غربي لروسيا من القوقاز؟
أصبحت أذربيجان شريكاً رئيسياً في مجال الطاقة لأوروبا في إطار سعيها للتخلّي عن الغاز الروسي، الأمر الذي قد يكون مرتبطاً بـ"طرق" أو ممرات جديدة. وترى الولايات المتحدة أنّ المنطقة حلقة وصل أساسية في "طريق أوراسيا" جديد.
تعزيز مكانة تركيا
تسعى أذربيجان إلى تعزيز مكانتها كمركز لوجستي، وتنويع الطاقة، وزيادة النفوذ ضدّ روسيا، وكلّ ذلك مدعوم بالعلاقات القوية بين الولايات المتحدة وتركيا في ظلّ نهج ترامب، على الرغم من أنّ هذا يتحدّى نفوذ روسيا في فنائها الخلفي.
هذا الطريق، الذي يربط بين أرمينيا وأذربيجان، يعزّز الدور الاقتصادي والجيوسياسي لتركيا في أوراسيا، ويوفّر الاستقلال عن الطرق التي تهيمن عليها روسيا، ولكنه يدعو أيضاً إلى المقاومة الروسية.
يوفّر الممرّ التجاري الجديد TRIPP رابطاً بديلاً حيوياً بين الشرق والغرب، متجاوزاً الطرق القديمة، مما يجعل تركيا مركزاً لوجستياً رئيسياً يربط الصين بأوروبا.
يعِد الممر بفوائد اقتصادية كبيرة، وذلك من خلال الاستفادة من موقع تركيا عند مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا الذي يعزّ صفقات الطاقة الجديدة مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تعمل على تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، مما يضعف نفوذ موسكو ويزيد من قوة أنقرة.
التحالف القوي بين الولايات المتحدة وتركيا في عهد ترامب يعزّز مكانة تركيا الاستراتيجية في جنوب القوقاز وسوريا وليبيا. يتجاوز برنامج TRIPP بشكل مباشر الطرق التي تسيطر عليها روسيا، مما يقطع المجال التقليدي لنفوذ موسكو في أوراسيا.
تنظر روسيا إلى هذا التطوّر بعين ناقدة، مما قد يؤدّي إلى زيادة التوترات، على الرغم من أنّ تركيا تسعى إلى التوافق مع المصالح الأميركية والروسية حيثما أمكن.
نهج ترامب الذي يركّز على الأعمال التجارية يخلق مشاركة مباشرة وتوافقاً مع تركيا بشأن القضايا الرئيسية، مما يعود بالنفع على كلا البلدين ويعزّز العلاقات.
وهو ما يتجلّى في الجهود المبذولة في سوريا وجنوب القوقاز. تستفيد تركيا من الشراكة المتجددة مع الولايات المتحدة لخلق مسارات اقتصادية واستراتيجية جديدة، مما يقلّل الاعتماد على روسيا ويعزّز قوتها الإقليمية، على الرغم من الاحتكاك الجيوسياسي المتأصّل الذي يسبّبه هذا مع موسكو.
أما بوتين فيحاول الاحتفاظ بالسيطرة في جنوب القوقاز، في حين يواجه تركيا وأذربيجان، والدفع نحو تكامل أعمق في آسيا الوسطى، وربما البحث عن شركاء جدد في الشرق الأوسط، كلّ هذا في حين يتعامل مع القيود من أوكرانيا والقضايا الداخلية.
ستكافح روسيا من أجل منع ظهور منطقة القوقاز متعدّدة الأقطاب. زيادة المنافسة مع تركيا والاتحاد الأوروبي والغرب على النفوذ في جميع أنحاء أوراسيا.
سوريا والتدهور في العلاقات مع تركيا
تُمثّل زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى البيت الأبيض في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 تحوّلاً جيوسياسياً كبيراً، إذ تُدخل سوريا إلى فلك الولايات المتحدة بعد عقود من العزلة والتحالف مع روسيا وإيران.
ومن المتوقّع أن يُسبّب هذا توتراً في العلاقة المعقّدة أصلاً بين تركيا وروسيا، وذلك لعدة أسباب رئيسية: كانت روسيا الداعم العسكري والسياسي الرئيسي لنظام الأسد السابق.
ومع تولّي الشرع وسعيه للشراكة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك اتفاقية للانضمام إلى التحالف الدولي ضدّ "داعش"، تراجع نفوذ موسكو في سوريا بشكل ملحوظ.
تُعدّ خسارة روسيا لموطئ قدم استراتيجي في الشرق الأوسط انتكاسة كبيرة لها. سوريا أبوابها أمام الوجود العسكري الأميركي المحتمل وتبادل المعلومات الاستخباراتية، مما يُوازن النفوذ الروسي في المنطقة بشكل مباشر.
تركيا، التي دعمت المعارضة السورية ضد بشار الأسد، أصبحت الآن في وضع يسمح لها بالاستفادة من الواقع الجيوسياسي الجديد.
وقد شارك وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في مناقشات البيت الأبيض، ساعياً إلى ضمان وحدة الأراضي السورية وإدارة القضايا الإقليمية بحذر. ومن المرجّح أن تستغلّ تركيا هذا التحوّل لتعزيز نفوذها في سوريا المتحالفة مع الولايات المتحدة، والتي تُشكّل منافسة مباشرة لمصالح روسيا المتبقّية.
تسعى الولايات المتحدة إلى دمج سوريا الجديدة في نظام إقليمي متحالف مع الغرب، وهو ما يُشكّل تحدّياً جوهرياً للمكانة الاستراتيجية الراسخة لروسيا في الشرق الأوسط.
وبينما لتركيا وروسيا مصالح اقتصادية قائمة، وتتعاملان مع المشكلات في مناطق مثل ليبيا من خلال خفض التصعيد، يُمثّل هذا التغيير الجذري في موقف سوريا نقطة خلاف رئيسية قد لا تكفي الروابط الاقتصادية لتجاوزها.
في جوهرها، تُشير زيارة البيت الأبيض إلى تحوّل سوريا من حليف لروسيا إلى شريك للولايات المتحدة، مما يُزيل ركيزة أساسية من ركائز سياسة روسيا في الشرق الأوسط، ويُحدث تضارباً مباشراً في المصالح مع تنامي دور تركيا في الحكومة السورية الجديدة.
وسيعتمد مدى التدهور على مدى قوة روسيا في الحفاظ على نفوذها، ومدى نجاح الولايات المتحدة وتركيا في العمل على استقرار الحكومة السورية الجديدة.