كيف أصبحت المعارضة خيانة في أميركا؟
في ضوء أزمة عام 1798 الأميركية المنسية، تظهر مذكرة أمن قومي رئاسية، وقعها دونالد ترامب مؤخرًا، أن أميركا تدخل منطقة خطر الاستبداد ذاتها مجددًا.
-
جمهورية رجال يعتقدون أنهم الدولة.
لوحة خشبية منقوشة بالأبيض والأسود على الطراز الكولونيالي، تصوّر بنجامين فرانكلين بايتش عام 1797 يتعرض لاعتداء مجموعة من السادة الفيدراليين خارج مطبعته بفيلادلفيا، حيث تحمل لافتة خشبية تقول "ب. ف. بايتش - مطبعة"، وتظهر قمعًا سياسيًا سبق قوانين "ترحيل الأجانب" و"إثارة الفتنة".
يقول الكاتب والضابط الأميركي السابق، ديك داوديل، عندما وقع ترامب مذكرة الأمن القومي الرئاسية الرقم 7 (NSPM-7)، لمكافحة الإرهاب المحلي والعنف السياسي المنظّم، وتخوّل السلطات الفيدرالية استهداف أفراد يُعتبرون "غير موالين" أو "مخربين" أو "معادين لمصالح الولايات المتحدة"، جرى تبرير ذلك كمسألة أمن قومي. لكن المذكرة لم تتناول عقيدة الأمن، بل عقيدة الولاء. فقد شهدت البلاد هذا السيناريو سابقًا.
في عام 1798، قام الرئيس جون آدامز وأنصاره الفيدراليون بالخطوة نفسها، فأقروا قوانين "ترحيل الأجانب" و"إثارة الفتنة"، وطمسوا الخط الفاصل بين انتقاد الحكومة ومهاجمة الأمة نفسها. مذكرة ترامب هذه ليست خروجًا عن التاريخ الأميركي، بل هي ارتداد لأقدم رد فعل استبدادي فيه. فكلما اقتنع فصيل حاكم بأنه وحده يمثل الجمهورية، يصبح الاختلاف "فتنة" والمعارضة "خيانة"، وتصبح آلة سلطة الدولة سلاحًا للحفاظ على السلطة بدلاً من الحكم.
عندما واجهت أميركا هذه المشكلة مبكرًا، انتهى الأمر بضرب محرري الصحف في الشوارع على أيدي رجال "محترمين"، وترحيل المهاجرين من دون محاكمة، وسجن أعضاء في الكونغرس، مثل ماثيو ليون، لانتقادهم الرئيس. السؤال الآن ليس إن كان التاريخ يعيد نفسه – بل إن كان الأميركيون يدركون نمط الاستبداد في الوقت المناسب لوقف دورته قبل اشتدادها؟!
جمهورية رجال يعتقدون أنهم الدولة
في ربيع 1797، تم سحب بنيامين فرانكلين بايتش، صاحب مطبعة بفيلادلفيا، حفيد بنيامين فرانكلين أحد الآباء المؤسسين وواضعي الدستور، من مطبعته وضربه في الشارع. لم تكن جريمته خيانة أو تجسسًا أو تحريضًا. كانت جريمته طباعة صحيفة تنتقد الرئيس جون آدامز. ولم يكن الذين لطّخوه بدمائه مجرمي شوارع أو غوغاء؛ بل من أركان المؤسسة الفيدرالية الحاكمة وحلفاء الرئيس: كانوا تجارًا ومصرفيين ومحامين. كانوا رجالاً محترمين اعتقدوا أنهم يدافعون عن الجمهورية ضد التخريب.
بحسب داوديل، لم يحاكَم أحد ولا إدانة رسمية للاعتداءات! فبالنسبة إليهم، لم يكن هذا عنفًا؛ بل هو حفاظ على "الاستقرار". وكانت مفتتح حالة ذعر سياسي اتسمت بها نهاية تسعينيات القرن 18. نميل عادة إلى ترديد مقرر التاريخ الأميركي المبكر بالمدارس: رجال الدستور ذوي شعر مستعار، واختلافات نبيلة، وخطابات أنيقة حول الحرية؛ لكن القصة الحقيقية لذلك العقد تبدو معاصرةً جدًا. إنها قصة ما يحدث عندما يقتنع فصيل بأن المعارضة ليست اختلافًا في الرأي بل خيانة يجب قمعها.
لم يرَ الفيدراليون أنفسهم حزبًا، بل رأوا أنهم الدولة. لقد كتبوا الدستور، وبنوا المؤسسات، وشكلوا المحاكم، وشغلوا جميع المناصب تقريبًا في عهد الرئيس المؤسس جورج واشنطن. واعتقدوا أنهم اكتسبوا حق الوصاية الدائمة على الحكومة. في أذهانهم، لم يكن تداول السلطة ديمقراطية – بل زعزعة للاستقرار.
يقول داوديل، بمجرد أن تضع نفسك مكانهم، يبدأ أن كل ما تلا ذلك يصبح منطقيًا.
الذعر المقنّع بالوطنية
لعبت الثورة الفرنسية دورا محفزًا. كان الديمقراطيون-الجمهوريون، حزب توماس جيفرسون الناشئ، متعاطفين مع فرنسا، لا لأنهم أيدوا إراقة الدماء، بل لأنهم اعتقدوا أن الفرنسيين كانوا يحملون الروح التي حركت الثورة الأميركية عام 1776. لكن رأى الفيدراليون شيئًا مختلفًا تمامًا: حكم الغوغاء، والفوضى، وخطر ظهور حق الاقتراع الديمقراطي المنفصل عن الملكية والمكانة الوراثية. لقد أقنعوا أنفسهم بأنهم ينقذون البلاد من مصير باريس، وهذا الاقتناع منحهم حق معاملة المعارضة باعتبارها فتنة.
بحلول أواخر تسعينيات القرن 18، كان الفيدراليون قد طمسوا الخط الفاصل بين الحكومة والحزب تمامًا لدرجة أن قوتهم وبقاء الجمهورية أصبحا لا يتمايزان في أذهانهم. إذا فقدوا السيطرة، فستسقط البلاد – أو هكذا اعتقدوا. لذلك لا يمكن أن تكون المعارضة "موالية"، بل يجب أن تكون خيانة.
بمجرد استقرار هذه المعادلة في أذهانهم، لا يصبح القمع فشلاً أخلاقيًا، بل يصبح واجبًا مدنيًا.
هكذا هاجم رجال "محترمون" فيدراليون مطابع الصحف. وبدورهم، رجال الشرطة الفيدرالية لم يحموا المعارضين، بل راقبوهم وهددوهم. لم تتشكل الحشود تلقائيًا؛ بل كانت تحظى بإقرار ضمني. سبق العنف صدور قوانين ستبرره لاحقًا. فقد جاء العقاب أولاً، ثم التخريج القانوني.
فالمستبدون لا يبدأون أبدًا بالمراسيم، بل بافتراض الحصانة من العقاب.
قوانين إثارة الفتنة سلاحًا للدولة
بحلول عام 1798، سيطر الفيدراليون على الكونغرس والرئاسة. وتم لهم في النهاية تقنين خوفهم من فقدان ما اعتبروه مكانتهم الشرعية على رأس الدولة على شكل قوانين. لم تكن قوانين "ترحيل الأجانب" و"إثارة الفتنة" خروجًا عن منطقهم، بل تجسيدًا له.
لقد أطالوا فترة الإقامة اللازمة للحصول على الجنسية لا لأجل الأمن القومي، بل لمنع مشاركة ناخبين مهاجرين – متعاطفين مع توماس جيفرسون – في الانتخابات. ومنحوا الرئيس سلطة أحادية لترحيل غير المواطنين من دون محاكمة. وفي أكثر البنود صراحةً، جرّم قانون "إثارة الفتنة" انتقاد الرئيس أو الكونغرس.
وليس صدفة أنه استثنى من الحصانة نائب الرئيس، توماس جيفرسون، لأن القانون لم يكن مصممًا للدفاع عن المؤسسات، بل لإسكات فصيل معين.
نجح ذلك أحيانًا. فأُغلقت الصحف. وحوكم المحررون لانتقادهم إدارة الرئيس. فرّ البعض، والتزم آخرون الصمت. تُوفي بايتش نفسه بالحمى الصفراء بعد فترة وجيزة من توجيه الاتهام إليه، واستمرت أرملته في النشر تحت تهديد مستمر. كانت الرسالة واضحة: سيقرر من هم في السلطة أي الأصوات تُعتبر "أميركية".
عندما يعتقد فصيل أو حزب أنه وحده يمثل الجمهورية، يصبح القانون ليس إطارًا محايدًا بل سلاحًا، يحذّر داوديل.
الاستبداد لا يصحح نفسه
لم تأتِ نقطة التحول من المحاكم، التي كانت في أيدي الفيدراليين. ولم تأتِ من مناشدات مبدئية مهذبة، فقد تم تجاهلها. بل جاءت من التنظيم والمثابرة ورفض الاستسلام.
واصلت مارغريت بايتش طباعة صحيفة "أورورا". أعيد انتخاب ماثيو ليون من داخل زنزانته في السجن. صاغ جيفرسون وماديسون قرارات كنتاكي وفيرجينيا، لا لأن تلك الوثائق كانت تتمتع بسلطة قانونية، بل لأنها منحت مقاومة المعارضة لغة دستورية عندما كان الدستور الفيدرالي يُستخدم كهراوة غليظة.
في عام 1800، انقلب الناخبون – أو على الأقل فئة مالكي الأراضي البيض الذين شكلوا "هيئة الناخبين" – بشدة ضد الفيدراليين. لم يتعافَ الحزب الفيدرالي أبدًا. بل اختفى من الحياة لاحقًا. غادر آدامز منصبه. وعفا جيفرسون عن جميع السجناء المدانين بموجب قانون "إثارة الفتنة". كان الدرس واضحًا آنذاك كما هو الآن: نادرًا ما يُصحح الاستبداد نفسه بنفسه، بل يجب إزالته.
ما أشبه الليلة بالبارحة
التشابه القائم ليس خفياً: فكما اعتقد الفيدراليون أنهم أميركا، يعتقد فصيل ترامب أن حركة "أميركا عظيمة مجددًا" (MAGA) هي أميركا. وكما رأى الفيدراليون المعارضة تخريبًا، يرى نظام ترامب المعارضة غير شرعية، بل يجب قمعها أو معاقبتها أو استبعادها.
تتغير الأدوات ظاهريًا: مداهمات سلطة الهجرة والجمارك اليوم بدلاً من الشرطة الفيدرالية آنذاك، ومضايقات اللوائح التنظيمية بدل الملاحقات القضائية، والتطهير الإداري بجانب قوائم الترحيل. لكن البنية هي ذاتها. فصيل يسيطر على آليات الدولة ويسخرها أداة إنفاذ حزبية، بينما يقنع ذاته بأنه يحمي الأمة من "أعداء بالداخل".
هذا ليس انحرافاً عن التاريخ - إنه التاريخ يعيد نفسه بالطريقة الوحيدة التي يعود بها دائماً، عبر السلوك البشري تحت الضغط.
دروس للمقاومة
يستخلص داوديل خمسة دروس دائمة الصلاحية تنطبق الآن مباشرةً كما في عام 1798:
– توثيق كل شيء،
– إنشاء مؤسسات بديلة،
– استخدام كل أداة مدنية قانونية وغير قانونية متاحة،
– حماية الفئات الأكثر ضعفًا أولاً،
– النضال لأجل السيطرة على الآليات الديمقراطية المتبقية قبل إغلاقها.
"الاعتدال" ليس حالة نهائية طبيعية متوقعة لحركة تُعرّف نفسها بإقصاء الآخرين، بل هو التصعيد. صعّد الفيدراليون استبدادهم حتى فقدوا السلطة. لم يتراجعوا أبداً عن حافة الهاوية طواعية.
من أخطر أساطير الحياة المدنية الأميركية الاعتقاد بأن تهديدات الاستبداد تأتي دائمًا من الغوغاء – من أشخاص خارج "المجتمع المحترم". في الواقع، بدأ معظم القمع في الولايات المتحدة بأيدي أشخاص يعتبرون أنفسهم حُماتَه.