مآلات تصاعد التوتر على الجبهة اللبنانية
تشهد الجبهة اللبنانية تصاعُداً ملحوظاً في وتيرة العدوان الإسرائيلي، وتقدر الحكومة الإسرائيلية أن المقاومة اللبنانية تلقت فعلاً ضربة قاسية، لكن لا يزال لديها القدرة والدافعية على مهاجمة "إسرائيل "
-
المقاومة اللبنانية لن تقبل نزع سلاحها مهما كلفها هذا الموقف من ثمن.
عكست تصريحات الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، الواقع المتوتر على الجبهة اللبنانية، التي لم تهدأ أساساً، بسبب استمرار "إسرائيل" في عدوانها واستهدافها لكوادر المقاومة اللبنانية وما تعدّه أهدافاً لها.
وفي المقابل، لم ترد المقاومة اللبنانية بالمثل والتزمت بكامل بنود وقف إطلاق النار، بيد أن الطرف الأميركي، كعادته، تبنى الموقف الإسرائيلي بالكامل ومنحه الشرعية لمواصلة عدوانه، حتى إخضاع المقاومة اللبنانية للشروط الإسرائيلية، ومعها يتم دفع لبنان لمسار دبلوماسي يفضي إلى انضمامه إلى قطار التطبيع مع "إسرائيل ".
وهو الهدف الذي لم يخفِه توم براك، المبعوث الأميركي الخاص في سوريا ولبنان، حينما قال في مؤتمر للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الذي عقد مؤخراً في المنامة: "الدولة الوحيدة التي لا تتكيف مع التغيرات في الشرق الأوسط هي لبنان... لا يوجد للبنان وقت ليضيعه، يجب عليه أن يسارع إلى تفكيك سلاح حزب الله". وردّ عليه نعيم قاسم بأن المبعوث الأميركي "توم برّاك" صرّح علنًا بأنه يريد تسليح الجيش اللبناني ليواجه شعبه المقاوم، فكيف ترتضي الحكومة بذلك؟
"نحن في حزب الله نقول إن اتفاق وقف إطلاق النار يخصّ فقط جنوب الليطاني، وعلى "إسرائيل" أن تخرج من لبنان وتُطلِق سراح الأسرى، ولا خطر على المستوطنات الشمالية، ولا استبدال للاتفاق ولا إبراء لذمة الاحتلال باتفاقٍ جديد، ويجب تنفيذ الاتفاق أولًا، وبعدها تكون كل السبل مفتوحة لنقاشٍ داخلي حول قوة لبنان وسيادته، ولا علاقة للخارج بهذا النقاش". وقال:
*"لا يمكن أن يستمر الوضع على ما هو عليه ولكل شيء حد*... *التهويل والضغط لن يغيرا موقفنا وسندافع عن أرضنا وأهلنا وكرامتنا، ولن نترك مستقبل أجيالنا للمستكبرين والعملاء، لن نتخلى عن سلاحنا*..."
بلا شك أن الموقف الأميركي الأخير يناقض اتفاق وقف إطلاق النار في ديسمبر/كانون الأول 2024، كما أن الضغط المتزايد للولايات المتحدة من أجل إنهاء وتسريع عملية نزع سلاح المقاومة اللبنانية، يشير إلى تهيئة المسرح بالسماح لـ"إسرائيل" توسيع نطاق عدوانها على لبنان مع هامش من المخاطرة باستئناف الحرب، وربما توسعها، الأمر الذي لم يرفع من سقف خطاب المقاومة اللبنانية وحسب، بل وربما رفع مستوى الجاهزية والاستعداد.
تستخدم الإدارة الأميركية بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية، مختلف الأوراق والأدوات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، في الضغط على الحكومة اللبنانية من أجل إجبارها على إجراء مفاوضات مباشرة مع "إسرائيل"، وبدأت في توسيع اللجنة التي تشرف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، لتشمل أيضاً مدنيين، بهدف الانتقال من المفاوضات العسكرية إلى السياسية، ما يعني تقريب المسافات للاعتراف بـ"إسرائيل".
وكان الرئيس اللبناني جوزاف عون أعرب عن استعداده الضمني للتفاوض مع "إسرائيل"، عندما قال: "لا يمكن أن تقتصر المفاوضات على طرف واحد بعد أن رحّب الطرف الآخر (إسرائيل) بنا بهجمات إضافية".
وعقّب توم براك على تصريحات عون قائلاً: "إذا كان اللبنانيون يريدون إجراء مفاوضات (مباشرة) كهذه فنحن سنساعدهم، وسنضغط على إسرائيل لتكون نزيهة".
الموقف الإسرائيلي يهدف إلى إجبار لبنان على بدء مسار وتصميم واضحين على نزع سلاح المقاومة اللبنانية تماماً، وبعد ذلك سيكون بالإمكان مناقشة الانسحاب ووقف الهجمات على لبنان.
على الرغم من تماهي الإدارة الأميركية مع الموقف الإسرائيلي، بيد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يسعى إلى تحقيق إنجاز سياسي آخر، على غرار إنجازه الأبرز حتى الآن على صعيد السياسة الخارجية، وهو وقف الحرب على غزة وتبادل الأسرى، وقد يكون غير معني بأن يفتح مرة أخرى جبهة القتال في لبنان، الأمر الذي يتطلب منه خطوات ضغط على الطرفين اللبناني والإسرائيلي، على غرار اتفاق غزة، بيد أن النجاح الأميركي على الجبهة الفلسطينية لا يعني أنه سيتكرر على الجبهة اللبنانية، باعتبار أن مساحة وعمق التدخل الأميركي في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بعد الحرب أكبر وأوسع منه في الصراع بين لبنان و"إسرائيل".
المقاومة اللبنانية لن تقبل نزع سلاحها مهما كلفها هذا الموقف من ثمن، بيد أنها يمكن أن تتعامل مع مفاهيم أخرى لها علاقة باستخدام السلاح وليس تجريده.
الطرف الأميركي يريد أن تتحوّل العملية برمتها إلى مسار سياسي يفضي إلى دخول لبنان في مفاوضات مباشرة مع "إسرائيل" حول ترتيبات وقف إطلاق النار وحتى اتفاق سياسي، بيد أن الهدف الأميركي لا يزال بعيد المنال، الأمر الذي سيمنح "إسرائيل " الذريعة لتوسيع العدوان على لبنان.
تشهد الجبهة اللبنانية تصاعُداً ملحوظاً في وتيرة العدوان الإسرائيلي، وتقدر الحكومة الإسرائيلية أن المقاومة اللبنانية تلقت فعلاً ضربة قاسية، لكن لا يزال لديها القدرة والدافعية على مهاجمة "إسرائيل" وأنها لا تزال تمتلك عشرات آلاف المقاتلين والصواريخ، كما أن المقاومة تسارع الخطى في ترميم قدراتها.
في المقابل، تتسارع الخطى الأميركية والإسرائيلية من أجل تحقيق أهدافهما في لبنان بدمج أدوات الضغط كافة قبل اتخاذ قرار توسيع وتعميق العدوان الإسرائيلي على لبنان، والعودة إلى ما قبل اتفاق كانون الأول/ديسمبر 2024، واستئناف الحرب.
على الرغم من انعكاسات قرار استئناف الحرب على لبنان على الجبهة الداخلية الإسرائيلية وعودة سيناريو تهجير المستوطنين من شمال فلسطين المحتلة، وتهديد العمق الإسرائيلي واستئناف انطلاق الصواريخ اليمنية، بيد أن أقطاب اليمين الفاشي الإسرائيلي تعتقد أن المهمة في لبنان لم تستكمل بعد، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد تعزيز فرصه في الانتخابات القادمة عبر حشد قواعد اليمين الصهيوني حول كتلته، ما يعني أن سيناريو استئناف الحرب الواسعة على لبنان غير مستبعد.