مواجهة الصين والفلبين.. بحر الصين الجنوبي نحو التصعيد

الاحتكاك المتوتر المتزايد بين الصين والفلبين مرشح للتصاعد في ضوء ثبات السياسة الصينية تجاه السيادة على كامل بحر الصين الجنوبي، وكذلك التحالف الفلبيني الأميركي.

  • سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تقترب بسرعة من سفينة تابعة لخفر السواحل الفلبيني في بحر الصين الجنوبي (أرشيفية)
    سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تقترب بسرعة من سفينة تابعة لخفر السواحل الفلبيني في بحر الصين الجنوبي (أرشيفية)

في بحر الصين الجنوبي يتزايد الاحتكاك الصيني الفلبيني، منذراً بتوتر جيوسياسي أكبر في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بعد إعلان الصين مؤخراً إنشاء محمية وطنية في منطقة "سكاربورو شول"، واندلاع مواجهات بحرية مباشرة بين الطرفين، في المساحات المتنازع عليها، حرص خفر السواحل الفلبيني على نشر مقاطع تصوّرها، ترويجاً لمطالب الفلبين في المجتمع الدولي.

وفي الخلفية يبرز احتمال تدحرج الموقف إلى الأسوأ، بفعل الترقّب الأميركي تجاه الصين، وتوفّر المبرّر السياسي للأخيرة للتصعيد مع الولايات المتحدة، حليف الفلبين الرسمي، في مواجهة الاستهداف بالتعريفات الجمركية، وما تطلق عليه "التنمّر" من الجانب الأميركي. وقد تعايشت طويلاً مع القواعد الأميركية حولها، وتشرع منذ سنوات في بسط السيطرة على منطقة بحر الصين الجنوبي.

وقال الإعلام الصيني إن مجلس الدولة وافق على إنشاء محمية طبيعية وطنية، باسم محمية جزيرة "هوانغيان: الجديدة، على جزيرة "هوانغيان داو" الواقعة في بحر الصين الجنوبي، بهدف "حماية التنوّع الحيوي واستقرار واستدامة النظام البيئي حول الجزيرة".

وتتمتع المنطقة، التي تسمّيها الصين "هوانغيان"، وأعلنت مساحة 3,524 هكتاراً، تشمل الجزء الشمالي الشرقي منها، محمية طبيعية، بموقع استراتيجي هام، مع غناها بمصايد الأسماك، قرب مسار خطوط تجارية بحرية، تتجاوز قيمة ما تنقله 3 تريليونات دولار سنوياً.

وفي المقابل لوّحت الفلبين باللجوء إلى التحكيم الدولي، وسعت طويلاً لإثبات المنطقة بصفتها منطقة اقتصادية خالصة لها، استناداً إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار "UNCLOS"، مع اعتماديتها، بصفتها دولة جزرية، على حقوقها السيادية تلك لاستخراج الموارد. 

رفعت الفلبين دعوى ضد الصين أمام المحكمة الدولية الدائمة في لاهاي عام 2013، عقب سيطرة الصين عملياً على سكاربورو شول عام 2012. ليصدر الحكم عام 2016، بتأييد المحكمة مطالب الفلبين نسبياً، من دون اعتراف بسيادتها الكاملة على المنطقة، واعتبار أنّ حقوق الصين التاريخية أُبطلت بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار "UNCLOS". لكن الصين رفضت التحكيم، واعتبرت المحكمة فاقدة للاختصاص في القضية، وأعادت تأكيد ما تعتبره حقوقها في السيادة على أغلب بحر الصين الجنوبي، مستندةً إلى خرائط ووثائق وسجلات رسمية تاريخية. مع تواصل إنشائها الجزر الصناعية الصغيرة في البحر، التي بلغ إجمالي مساحتها نحو 13 كيلومتراً مربّعاً، وتشمل تجهيزات عسكرية بحرية ورادارات ومدارج طائرات حربية، ومواظبة خفر السواحل الصيني على إقامة دوريات مراقبة في كامل المنطقة.

تعود مطالبة الصين بالسيادة على بحر الصين الجنوبي إلى عام 1947 حين طالبت حكومة "جمهورية الصين" بالسيادة على المنطقة، ثم تبنّت "جمهورية الصين الشعبية" المبدأ نفسه عند تأسيسها عام 1949، وهو يضع خطوطاً تحدّد مجال السيادة الصينية تعرف بـ "الشَرطات التسع"، على خريطة المنطقة، لتجعل نحو 80% من مياه البحر امتداداً تاريخياً للصين. ويطالب الموقف الصيني الرسمي الفلبين بـ"وقف التواطؤ مع دول أخرى لتأجيج التوترات البحرية"، منتقداً التعاون العسكري الفلبيني - الأميركي، وتمديد معاهدة الدفاع المشترك لتشمل بحر الصين الجنوبي، وبناء قواعد عسكرية مشتركة ونشر صواريخ متوسطة المدى في المنطقة.

وفق مقال نشرته وكالة رويترز عام 2015، سبقت الفلبين وفيتنام الصين في سياسة بناء الجزر الصناعية، والبناء على الجزر الطبيعية، لعقود خلت في بحر الصين الجنوبي، ونشرتا قوات على بعض الجزر، وكانت الصين "آخر المنضمّين"، لكنها في 18 شهراً- قبل نشر المقال، بنت جزراً صناعية بمساحة أكبر من الجزر الأخرى مجتمعة، وأقامت تجهيزات عسكرية على بعضها.

والأكثر أهمية امتلاك الصين عدداً كبيراً من السفن العسكرية الحديثة "تغطّي" خطواتها، أي بناء الجزر الصناعية وبسط السيادة. وفي أيار/مايو 2024، شكّلت الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والفلبين رسمياً مجموعة "السكواد"، وأطلقت دوريات بحرية مشتركة ضمن المنطقة الاقتصادية الفلبينية، وأقامت الفلبين شراكة مع "الحوار الأمني الرباعي" الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا، وكثّفت اليابان توريد مدمّرات من طراز "أبوكاما" إلى الفلبين، بهدف تحقيق ردع للصين.

في نيسان/أبريل 2024، عقدت الفلبين قمة ثلاثية مع اليابان والولايات المتحدة، على عهد الرئيس بايدن، أُعلنت فيها خطط "لضمان الأمن وحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي"، ووقّع الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس في العام نفسه حزمة اتفاقيات لتسهيل وصول القوات الأميركية، وتكثيف التدريب المشترك.

لكن في الأشهر الماضية أفادت تقارير بأنّ الصين "أبعدت" سفينة حربية أميركية، قرب سكاربورو شول، ووضعت أخرى، هي "يو أس أس سينسيناتي"، قيد المراقبة. ويبدو أنّ التصعيد الصيني الجديد يسعى بالفعل إلى إثبات عدم جدوى أو كفاية ضمانات الولايات المتحدة، وتحالفها العسكري الاستراتيجي مع الفلبين، مع الأهمية الفائقة للمنطقة إجمالاً من منظور الصين، من عدة زوايا، منها الجبهة التايوانية، التي تسهّل السيطرة على القطاع الشرقي للبحر الجنوبي.

الصراع، القديم تاريخياً ومتعدّد الفصول، مرشّح للتصاعد في ضوء عاملين أساسيين: ثبات السياسة الصينية تجاه السيادة على كامل بحر الصين الجنوبي، واتخاذها خطوات عملية منتظمة لتحقيقها، والثاني التحالف الفلبيني الأميركي، الذي كرّسته اتفاقية "التعاون الدفاعي المعزَّز" EDCA الموقّعة عام 2014، الذي لم ينتج استجابة حقيقية، حتى الآن، لواقع السيادة الصينية على المنطقة. إنما تتمتع الصين بهامش حركة ميداني كبير تجاه تايوان، النقطة الأكثر اشتعالاً للصراع مع الغرب، وفي بحر الصين الجنوبي، ويرى محلّلون أنّ الصين تعتبر الفلبين أضعف حلقات "التحالف الأميركي" حولها، في المحيطين الهندي والهادئ، وتحاكي نمط الخطوات الروسية في جورجيا وأوكرانيا قبل عام 2022، أي إنجاز تحرّكات دون مستوى الحرب ولا تثير مواجهة مسلحة، والمراكمة عليها نحو فرض السيادة.

اقرأ أيضاً: الصين: اعترضنا أكثر من 10 سفن فلبينية تسلّلت إلى جزيرة هوانغيان بشكل غير قانوني

اخترنا لك