العراق.. حروب الظل الرقمية تقرر مصير البرلمان السادس
النتيجة الاستراتيجية لمرحلة ما بعد الانتخابات أن العراق سيقف أمام امتحان حقيقي: إما أن تُضبط قواعد الدعاية الرقمية بقوانين وإجراءات رصينة، أو يتحوّل الفضاء الافتراضي إلى ساحة مفتوحة.
-
العراق سيقف أمام امتحان حقيقي.
مرة أخرى، يستفيد الفاعل السياسي من مسلسل صناعة الأزمات بقوالب ونوافذ تتحكم بنسبة التأثير والتأثر في عملية تغيير مزاجية الناخب، وبخاصة بعد نجاح عروض توطين هجرة الجمهور الرقمي على مقاسات الاحتكار السياسي في دائرة صنع القرار، في وقت أصبحت المقاطعة بين الشتات والضعف، فبات لا يعرف كيف ومن يختار ليمثله تحت قبة المجلس النيابي، لأنها لم تطرح بديلاً ناضجاً يبني الناخب ولا يحطم آماله في إصلاح المنظومة السياسية.
فقبل أن نصل إلى لحظة الحسم الوطني في تحقيق المصير من خلال صناديق الاقتراع؛ تعود بنا عِبرة أرقام الأمس لتُذكر من يذهب للمشاركة أن يَعي جيداً حجم الدور الكبير الذي يُلقى على عاتقه. فإذا بدأنا من تقارير المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق التي تشير إلى أن الانتخابات النيابية لعام 2021 شهدت تسجيل أكثر من 21 مليون ناخب مؤهل لكن نسبة المشاركة لم تتجاوز 41%، وهو أدنى مستوى منذ 2005. هذه النسبة المنخفضة ارتبطت بشكل مباشر بحالة فقدان الثقة في #الخطاب السياسي التقليدي، غير أن معطيات جديدة برزت على الساحة، أبرزها تصاعد دور الدعاية الرقمية. فقد رصدت منظمة "أنترناشيونال آيديا" في تقريرها الصادر عام 2022 أن أكثر من 65% من الحملات الانتخابية التي قادتها الأحزاب العراقية؛ استندت إلى أدوات التواصل الاجتماعي، مقابل أقل من 35% اعتمدت على الحملات الميدانية المباشرة.
ففي انتخابات 2021 وثّق مركز "بحوث الإعلام الرقمي" في بغداد أن أكثر من 9 آلاف صفحة وحساب على فيسبوك وانستغرام وتويتر كانت تنشط يومياً في الأسابيع التي سبقت الاقتراع، بينما أُنشئت ما يقارب 2,300 صفحة بديلة خلال فترة قصيرة بسبب حملات الإبلاغ والتسقيط، وهو ما يؤكد ظاهرة "الهجرة الرقمية" التي أصبحت استراتيجية ثابتة لتفادي الحظر أو كشف مصادر التمويل. في حين تذهب تقارير المراقبة الدولية لانتخابات 2023 المحلية إلى استمرار الظاهرة مع تحولات نوعية، إذ صارت المنصات الأسرع نمواً مثل تيك توك وتليغرام تشكل القاعدة الأساسية للتأثير، وبخاصة في أوساط الشباب الذين يشكلون أكثر من 60% من القاعدة الناخبة. أما تقرير "مرصد الإعلام الاجتماعي في الشرق الأوسط" فيقول إن أكثر من 72% من المحتوى السياسي الموجّه في العراق خلال 2023 اتخذ طابعاً غير مباشر، أي مقاطع ترفيهية أو دينية أو تعليمية تحتوي رسائل سياسية مبطنة، ما يعيد إنتاج أسلوب الاختراق الثقافي والسياسي في صيغة رقمية أكثر تعقيداً.
وإذ نحن على أعتاب أيام العد التنازلي لانتخابات 2025 تكشف هذه الأرقام أن الإعلانات الانتخابية لم تكن معركة برامج أو شعارات بقدر ما هي صراع #سرديات رقمية تتحرك بين المنصات، وتستعين بالوجوه المؤثرة وصناع المحتوى المموّلين، ودليل ذلك أن المعركة على وعيّ الناخب أُديرت من وراء الشاشات لا من على منصات الخطب. وإذا كانت نسب المشاركة المتدنية عام 2021 قد أضعفت التمثيل السياسي، فإن الاستمرار بالاعتماد على الدعاية الرقمية المضللة قد يؤدي إلى نتائج أكثر خطورة، مثل مزيد من العزوف أو خيارات عاطفية مبنية على مقاطع عابرة بدلاً من تقييم موضوعي لـلبرامج الانتخابية.
إن النتيجة الاستراتيجية لمرحلة ما بعد الانتخابات في 11 تشرين الثاني أن العراق سيقف أمام امتحان حقيقي: إما أن تُضبط قواعد الدعاية الرقمية بقوانين وإجراءات رصينة، أو يتحوّل الفضاء الافتراضي إلى ساحة مفتوحة لحروب الظل التي تقرر مصير البرلمان المقبل بعيداً عن الرقابة والشفافية.