اليونيفيل: بين الحاجة الإسرائيلية والتضليل السياسي
اليونيفيل لم تحقق الهدف الذي أنشئت من أجله، بل باتت جزءًا من منظومة مراقبة إقليمية تخدم "إسرائيل" أكثر من لبنان.
-
اليونيفيل لم تحقق الهدف الذي أنشئت من أجله.
منذ وصول قوات اليونيفيل إلى جنوب لبنان، تفاوتت الأدوار التي أدّتها، بين ما يسمى حفظ السلام المفترض وضبط الأوضاع الأمنية وفق أجندات غير معلنة.
ومع تصاعد الحديث عن عدم رغبة "إسرائيل" في التجديد لهذه القوات، تُطرح تساؤلات جوهرية حول صحة هذه الادعاءات، خاصة في ظل مؤشرات تفيد بأن وجود اليونيفيل يشكل حاجة استراتيجية غير معلنة لـ"إسرائيل"، وليس مجرد بعثة دولية تهدف إلى إرساء الأمن والاستقرار.
وبينما تزعم الدوائر السياسية والإعلامية الأميركية والإسرائيلية أن "إسرائيل" ترغب في إنهاء مهمة اليونيفيل، فإن الوقائع الميدانية تفيد بالعكس.
إذ لم تتمكن هذه القوات منذ انتشارها في لبنان من منع أي انتهاك إسرائيلي، بدءًا من الخروقات الجوية اليومية، إلى عمليات خطف المواطنين، وصولًا إلى الاجتياحات العسكرية والقضم التدريجي للأراضي الحدودية.
إضافة إلى ذلك، تؤدي اليونيفيل دورًا محوريًا في مراقبة التحركات داخل الجنوب اللبناني، حيث تشير شهادات المواطنين إلى أن هذه القوات تتابع بدقة التطورات العسكرية والميدانية، بما يخدم الاحتلال الإسرائيلي أكثر من كونه إجراءً لضمان الاستقرار الحيادي في المنطقة. فاليونيفيل، وفقًا لهذه المعطيات، ليست قوة محايدة بقدر ما هي عنصر ضبط لمصلحة "إسرائيل"، من دون أن تكون لها القدرة على منع اعتداءاتها أو فرض التزامات عليها.
المفارقة الكبرى في دور اليونيفيل أنها تركز على مراقبة الجانب اللبناني المعتدى عليه، بينما تكتفي بتسجيل الاعتداءات الإسرائيلية من دون اتخاذ أي إجراءات ردعية. فالاحتلال الإسرائيلي يجتاح، ويقصف، وينتهك السيادة اللبنانية انطلاقًا من داخل الأراضي المحتلة، بينما تكتفي اليونيفيل بتدوين هذه الخروقات من دون أي تدخل فعلي.
ولا ينسى اللبنانيون مجزرة قانا التي ارتكبتها آلة الحرب الإسرائيلية في أحد مراكز اليونيفيل، من دون أن يكون لذلك أي ردع أو حماية للشعب اللبناني. كما أن هناك العديد من الحوادث التي امتنعت اليونيفيل عن إدانتها، خصوصًا في حالات استهداف الصحافيين، ما يعزز التساؤلات حول حقيقة دورها.
وفي المقابل، يواجه المواطنون اللبنانيون يوميًا إشكالات مع قوات اليونيفيل، حيث يشعرون بأن تحركاتها داخل القرى والمناطق الحدودية مشبوهة، وكأنها تهدف إلى الكشف عن مواقع معينة بناءً على طلب إسرائيلي. هذه الشكوك ليست مجرد تكهنات، بل تؤكدها وقائع ميدانية تُظهر أن اليونيفيل تتحرك في بعض الأحيان وفق أجندة تخدم الاحتلال أكثر مما تخدم الاستقرار.
ليس خافيًا أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" تستخدمان ملف اليونيفيل كورقة ضغط سياسية على لبنان، حيث يُسوَّق لفكرة أن إنهاء مهمتها سيؤدي إلى تصعيد عسكري غير مرغوب فيه، بينما يُتجاهل أن وجودها لم يمنع العدوان الإسرائيلي في السابق ولم يحفظ السيادة اللبنانية.
فالتهديد بعدم التجديد ليس إلا محاولة لفرض شروط سياسية وأمنية جديدة على لبنان تحت غطاء دبلوماسي، وهو ما يجب التعامل معه بحذر شديد. بدلًا من خضوع الدولة اللبنانية للابتزاز السياسي الذي تمارسه واشنطن بحجة عدم التجديد، يجب أن يكون المطلب اللبناني واضحًا: إما انتشار قوات اليونيفيل على طرفي الحدود، أو لا حاجة لها إطلاقًا. فاستمرار وجودها بهذه الصيغة الأحادية يخدم "إسرائيل" أكثر مما يخدم لبنان، ويجعلها أداة لضبط المقاومة بدلًا من أن تكون قوة لما يسمى حفظ السلام.
اليونيفيل لم تحقق الهدف الذي أنشئت من أجله، بل باتت جزءًا من منظومة مراقبة إقليمية تخدم "إسرائيل" أكثر من لبنان. لذا، فإن التلويح بعدم التجديد ليس موقفًا إسرائيليًا حقيقيًا، بل هو شكل من أشكال الابتزاز السياسي الذي يجب فهمه بحقيقته لا بحساباته الدعائية. إذا كانت الولايات المتحدة و"إسرائيل" تريان أن إنهاء وجود اليونيفيل سيضر بمصالحهما، فإن الموقف اللبناني يجب أن يكون قائمًا على الوعي بهذه الحسابات، وليس على الانجرار وراء سرديات مضللة تستخدم الأمن كذريعة لتحقيق أهداف سياسية خفية.