في زمن العدوان.. تنتصر الشعوب بوحدتها
العدوان لم يعُد يُخاض بالطائرات فحسب، بل بالكلمات أيضاً.
-
ما يجري اليوم هو معركة على العقل الجمعي.
في زمن المحن... تُختبر الشعوب، لا الأنظمة فقط. واليوم، يقف الشعب الإيراني أمام لحظة مصيريّة تفرض عليه أن يسمو فوق الجراح، ويُحبط كلّ محاولة لزرع الانقسام. فالمعركة لم تعد سياسية فقط، ولا حتى أمنية أو عسكرية، بل باتت معركة على الوعي نفسه. معركة يُراد فيها للمواطن الإيراني أن يشكّ في ذاته، في تاريخه، وفي شرعيّة دفاعه عن أرضه.
من الخارج، تتكالب الضغوط
تهديدات إسرائيلية متصاعدة، حملات إعلامية ضخمة، عقوبات اقتصادية خانقة، وحصار نفسي يهدف إلى تأكّل الداخل من دون طلقة. تتوالى الرسائل الغربية "الضعف من الداخل لا من الخارج"، وكأنّ المطلوب هو أن تتولّى الشعوب مهمّة إسقاط نفسها بأيديها.
العدوان الإسرائيلي: أكثر من قصف
العدوان لم يعُد يُخاض بالطائرات فحسب، بل بالكلمات أيضاً. مشروع الاحتلال لا يهاب السلاح، بقدر ما يخشى تماسك الشعوب. الضربات، المباشرة وغير المباشرة، لا تستهدف مؤسسة بعينها، بل تُصوّب نحو الهوية الجماعية التي صمدت لعقود. وفي هذا السياق، جاءت تصريحات السيد علي خامنئي، اليوم، بمثابة إعادة تأكيد مركزيّة الصمود الشعبي، إذ شدّد على أنّ: "إسرائيل والولايات المتحدة تحاولان خوض حرب استسلام عبر الإعلام والتهويل والضغط، لكن لا خيار أمام إيران إلّا المواجهة. الصمود الداخلي هو الضمانة الوحيدة لاستمرار الثورة، ولا يجوز أن نُخدع بسرديات التفكيك التي يروّج لها العدو." تصريح يعكس بوضوح أنّ الرهان الحقيقي للعدو لم يعُد عسكرياً فحسب، بل نفسيّاً ومعنويّاً.
حين يخاطب ترامب الداخل الإيراني
حين يُصرّح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنّ القيادة الإيرانية "تدفع البلاد نحو الدمار"، لا يتحدّث بلغة دبلوماسية، بل يُروّج لسردية الانهيار الداخلي. كأنه يقول: "التغيير لا يأتي منكم، بل منّا". وكأنّه يُرسل رسالة بأنّ الخلاص لا يأتي من الوعي الشعبي، بل من الخارج وبشروطه. لكنّ الشعوب التي تملك ذاكرة مقاومة، لا تمنح أعداءها فرصة كتابة التاريخ بالنيابة عنها.
المعارضة التي لم تُخطئ العنوان
وسط هذا الضجيج، جاءت تغريدة المعارض الإيراني المعروف صادق زيباكلام، كصفعة على وجه السردية المفبركة:
"لطالما كنت من أكثر من انتقد هذا النظام. لكن معارضة النظام من خلال التعاون مع أعداء إيران أمر لن أفعله أبداً. هذا ليس نضالاً، بل هو تجاوز للخط الأحمر الوطني".
هذا الموقف لا يُقاس فقط بالكلمات، بل بالموقع الأخلاقي الذي اختاره صاحبه. معارضة مسؤولة، لا تُبرّر التدخّل، ولا تبرّر تدمير الوطن تحت شعار التغيير. إنها المعارضة التي تختلف، لا التي تتواطأ.
المستهدَف الحقيقي: الوعي الشعبي
ما يجري اليوم هو معركة على العقل الجمعي. مشروع التفكيك لا يطلب إعلان تأييد للعدو، بل حياداً قاتلاً. يراهن على الصمت، على اللايقين، على تحويل الوطن من فكرة جامعة إلى كيان مشكوك فيه. كلّ سردية تُسوّق أنّ الانقسام خلاص، وكلّ حملة تُلمّح بأنّ الاحتلال بديل معقول، ليست سوى جزء من ماكينة هدم الوعي الوطني.
كما قال المرشد الأعلى السيد علي خامنئي اليوم: "المؤامرة الحقيقية لا تسقط من السماء، بل تُزرع في العقول. إذا سقطت إرادة الشعب، تسقط الدولة، ولو بقيت كلّ مؤسساتها قائمة."
الشعب الإيراني: ذاكرة لا تتأكّل
هذا الشعب لم يكن يوماً مجرّد تابع. يثور حين يشعر بالخطر، ويفكّر حين يُراد له أن ينقسم. وحين يشتدّ الحصار، لا يُلقي بنفسه في أحضان من يروّج لانهياره.
وقد أثبت التاريخ الإيراني ـــــ من الثورة إلى الحرب إلى العقوبات ـــــ أنّ العدو يَسقط حين تفشل محاولاته لاختراق البيت من الداخل.
الخط الفاصل بات أوضح من أيّ وقت مضى
من جهة، أصوات ترى في الانقسام خلاصاً، ومن جهة أخرى، وعي جمعي يرى أنّ التفكّك أخطر من أيّ عدو خارجي.
والرهان اليوم ليس على الأنظمة، بل على الشعوب التي تقرأ ما بين السطور.
لا وطن تحت الطلب
الوطن ليس وجهة نظر، ولا نظاماً سياسياً، ولا حزباً في الحكم أو خارجه. الوطن ذاكرة جماعية وهوية تُصان في اللحظات الحرجة. وما يُبنى على الانقسام لا يُثمر حرية، بل يُنتج فراغاً تملؤه مشاريع الهيمنة. الخطاب الذي يُروّج للسقوط الداخلي لا يحمل خلاصاً، بل يُعيد إنتاج الكارثة. وكما جرى في دول أُخرى ـــــ حيث تحوّلت الدعوات للتغيير إلى صراعات مفتوحة ـــــ فإنّ الدرس واضح: لا استقرار بلا وحدة داخلية. ولا حرية بلا وعي وطني يرفض الارتهان. إيران ليست مجرّد خريطة، بل شعب يعرف كيف يحفظ ذاكرته، ويدفع ثمن حريته بكرامة. وما دامت تلك الذاكرة حيّة، لا سقوط يُمنّى له أن يتمّ.