القمة الروسية العربية الأولى. التعاون من أجل السلام والاستقرار والأمن
التطوّرات الجيوسياسية في دول الخليج في السنوات الأخيرة قد هيّأت مناخاً دبلوماسياً مواتياً لتعزيز العلاقات بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي.
-
علاقات قوية تربط بين روسيا والعالم العربي على مدى التاريخ (أرشيف).
تهدف القمة العربية الروسية إلى تحديد وتأسيس مبادئ توجيهية جديدة للتعاون البنّاء في مختلف المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والإنسانية بين روسيا ومختلف الدول العربية الصديقة.
كما ستناقش القضايا الراهنة المتعلّقة بصيانة الأمن الدولي والإقليمي، ووضع الحلول للمشكلات القائمة على أساس مبادئ احترام السيادة والاستقلال. وقد دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سابقاً القادة العرب إلى القمة، التي ستُعقد في موسكو في 15 تشرين الأول/أكتوبر.
علاقات قوية تربط بين روسيا والعالم العربي على مدى التاريخ
أولى الاتحاد السوفياتي اهتماماً بالغاً بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، ساهم الاتحاد السوفياتي في تأسيس الدول العربية بعد انتهاء الاستعمار. بدأت روسيا بالتفاعل مع دول الخليج منذ عام 1932، عندما أصبح الاتحاد السوفياتي من أوائل الدول التي اعترفت رسمياً بالمملكة العربية السعودية وأقامت علاقات دبلوماسية معها.
حيث كان مدافعاً عن تطوير القطاعات الاقتصادية الحيوية، وتعزيز القطاع العام، ومعالجة القضايا الاجتماعية، وتحسين جودة الرعاية الصحية والتعليم. وبما أنّ روسيا من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم، وأكبر مُصدّر للنفط خارج منظّمة أوبك.
فهي تسعى جاهدةً للحفاظ على أسعار الطاقة مرتفعة رغم التوترات والصراعات في الشرق الأوسط، فالعلاقات الروسية مع أصدقائها في دول الخليج تشهد تطوّراً ملحوظاً. ويجري الحفاظ على تنسيق وثيق في السياسة الخارجية بشأن القضايا الدولية والإقليمية الملحّة.
وتؤكد روسيا والدول العربية باستمرار ضرورة تعزيز الاستقرار والأمن والتعاون ذي المنفعة المتبادلة في منطقة الشرق الأوسط.
يشهد حجم التبادل التجاري حالياً نمواً ملحوظاً مع عدد من دول جامعة الدول العربية، وتشمل مجالات التعاون الرئيسية الطاقة والزراعة والتعليم. وقد أُنشئت آليات اللجان الحكومية الثنائية ومجالس الأعمال بفعّالية. يُحدَّد مسار وديناميكيات التوسّع المستمر للعلاقات بين روسيا والدول الأعضاء في جامعة الدول العربية من خلال المفاوضات رفيعة المستوى ومفاوضات القمة مع الشركاء الإقليميين. ويحافظ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اتصالات منتظمة مع نظرائه العرب، ويتجلّى ذلك في تواتر اللقاءات الشخصية والمحادثات الهاتفية معهم. وفي هذا العام وحده، قام رؤساء قطر (17 نيسان/أبريل)، وسلطنة عمان (22 نيسان/أبريل)، ومصر (9 أيار/مايو)، وفلسطين (10 أيار/مايو)، واليمن (28 أيار/مايو)، والإمارات العربية المتحدة (7 أب/أغسطس) بزيارات ثنائية إلى روسيا. وحضر عدد من القادة العرب فعّاليات موسكو التذكارية بمناسبة الذكرى الثمانين للنصر في الحرب الوطنية العظمى.
تأسيس عالم جديد على يد روسيا ودول الخليج
تشكّل العلاقات مع دول الخليج إحدى الأولويات الاستراتيجية لموسكو، نظراً لوضع المنطقة كشريك مهم وفعّال. لهذا تُولي روسيا اليوم أهمية خاصة لتعزيز شراكتها مع دول الخليج، نظراً للضرورات الاستراتيجية والمصالح الأمنية التي تُشكل سياستها الخارجية. وفي مقدّمة هذه الضرورات ضرورة ترسيخ مكانة روسيا كقوة عالمية كبرى (وهي كذلك بالفعل)، قادرة على الدفاع عن مصالحها وأمنها القومي ومجالاتها الجيوسياسية، وكسر حلقة الحصار الغربي المفروض عليها، وخاصة العقوبات الغربية التي توسّعت وتسارعت بشكل غير مسبوق منذ بدء الحرب بتحريض غربي في أوكرانيا.
ومن الجدير بالذكر أنّ حجم التجارة بين روسيا ودول الخليج بلغ 11 مليار دولار في عام 2018، مقارنة بـ 7.6 مليارات دولار في أحدث الإحصاءات لعام 2021. وهذا يجعل هذه الشراكة بالغة الأهمية من منظور روسيا، بالنظر إلى الصراع الذي تخوضه حالياً مع الغرب، والذي يؤثّر سلباً بشكل خطير على الاقتصاد الروسي.
تتماشى هذه الاتفاقيات أيضاً مع جهود روسيا لتعزيز دورها في النظام العالمي متعدّد الأقطاب، والحفاظ على استقرارها الاستراتيجي، وإقامة شراكات مع أكبر عدد ممكن من الدول.
كما تسعى موسكو إلى بناء تحالفات سلمية لمواجهة سياسات الغرب العدوانية الهادفة إلى إضعاف روسيا وإخراجها من معادلة القوة، ومنعها من ممارسة نفوذها كقوة عظمى عالمية.
بناءً على هذه الرؤى الاستراتيجية، تُعدّ العلاقات مع دول الخليج إحدى الأولويات الاستراتيجية لموسكو، نظراً لمكانة المنطقة كشريك مهم وفعّال لروسيا على الصعيدين السياسي والاقتصادي. علاوة على ذلك، لا شكّ أنّ المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج الأخرى أدّت دوراً دبلوماسياً هاماً، وحظيت بثقة روسيا. وهذا بدوره قد يُمكّن دول الخليج من تأدية دور الوسيط في دفع عجلة الحلول السياسية، مستفيدةً من نجاح جهود الرياض وأبو ظبي السابقة، والتي أثمرت إنجازات مثل تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وروسيا في أوكرانيا، وجهود التخفيف من بعض جوانب الأزمات الإنسانية في المنطقة.
تشارك دول الخليج روسيا اهتمامها بتوسيع شراكاتها وتعزيز مصالحها المتبادلة، وذلك لعدة عوامل. من أبرزها المشاركة الروسية النشطة في القضايا الإقليمية على مدى العقد الماضي، وحضورها السياسي والعسكري المتنامي في الشرق الأوسط، بما في ذلك انخراطها في الأزمة السورية، التي وفّرت لبحريتها قاعدة في مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة؛ وانخراطها المكثّف في النزاعات والقضايا الإقليمية. وقد أدى ذلك إلى أن تصبح روسيا لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط، الذي تتجه إليه الآن القوى الإقليمية، بما فيها دول الخليج.
علاوة على ذلك، تبنّت دول الخليج، بقيادة المملكة العربية السعودية، سياسة خارجية قائمة على تنويع الشراكات مع القوى العالمية الرائدة، مستغلّةً تحوّلات النظام العالمي لإعادة تموضعها وتوسيع نطاق استقلالها الاستراتيجي. ولا شك أنّ هذه الدول تدعم بنشاط مبادرة بوتين المتنامية لإنشاء عالم متعدّد الأقطاب، حيث يمكنها تأدية دور حاسم في تحقيق مصالحها الخاصة، بدلاً من مجرّد إرضاء المصالح الأنانية للغرب، بقيادة الولايات المتحدة. إنّ السياسة القديمة للعالم أحادي القطب تنهار أمام أعيننا، مُفسحة المجال لأفكار وسياسات جديدة.
يُعدّ موقف المملكة العربية السعودية من تخفيضات إنتاج النفط ضمن أوبك+، وتطوير العلاقات الاستراتيجية مع الصين، وتبنّيها موقفاً متوازناً بشأن الحرب في أوكرانيا، أبرز الأمثلة في هذا الصدد.
وقد خفّفت هذه التطوّرات بدورها من مخاوف موسكو التاريخية تجاه دول الخليج. وبالمثل، أدّى نهج موسكو المتوازن تجاه القضايا الإقليمية دوراً إيجابياً في تشجيع دول الخليج على تعزيز علاقاتها مع روسيا، التي نجحت في تقديم نفسها للمنطقة كشريك موثوق. تتجلّى فوائد هذه العلاقة الإيجابية في موقف دول الخليج المتوازن بشأن الحرب في أوكرانيا، وكذلك في التنسيق رفيع المستوى مع روسيا داخل أوبك+، والذي يرتكز فقط على المصالح الروسية والسعودية. كما عمل الجانبان معاً لتحقيق التوازن بين المنتجين والمستهلكين في أسواق الطاقة، مما ساهم في النمو الاقتصادي العالمي.
من المؤكّد أيضاً أنّ التطوّرات الجيوسياسية في دول الخليج في السنوات الأخيرة قد هيّأت مناخاً دبلوماسياً مواتياً لتعزيز العلاقات بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي.
وفي إطار سياستها الخارجية الجديدة، فتحت المملكة العربية السعودية الباب أمام الصين لتأدية دور مهم في المنطقة. وفي ظلّ المنافسة مع الولايات المتحدة، يُمثّل الوجود الاستراتيجي للصين في المنطقة نموذجاً تحتذي به روسيا في تعميق شراكتها القوية مع دول الخليج.
وحول هذا الموضوع يقول أليكسي مالاخوفسكي، أستاذ مشارك في قسم نظرية وتاريخ الصحافة في جامعة باتريس لومومبا للصداقة بين الشعوب في روسيا، إنّ "هناك تقليداً في الخريف أن يتمّ جني النتائج وحصد المحصولّّّّّّ".
ويبدو لي أنّ الروس والدول العربية تراكم لديهم ما يكفي من رأس المال السياسي والاقتصادي.
وكذلك القضايا السياسية التي يجب حلّها على طاولة مستديرة.
ويبدو أنه تمّ عمل إجراء دبلوماسي كبير من أجل إتمام هذه القمة، وهذا هيّأ التربة لجمع قادة الدول العربية وروسيا. والواضح أنّ هناك اهتماماً متبادلاً من روسيا والدول العربية لأنّ العلاقات الدولية تمرّ بمرحلة صعبة للغاية. ونشهد جميعاً على الأزمات المتتالية في مختلف مناطق العالم.
نرى أنّ الحرب الروسية الأوكرانية ما زالت مستمرة، وأنّ أوروبا التي بدأت الحربين الأولى والثّانية، قد تبدأ حرباً عالمية ثالثة. وفي الوقت نفسه نشهد تطوّراً للعلاقات بين روسيا ودول الخليج في المجالات السياسية والاقتصادية والإنسانية، والتي قد تؤثّر على الأوضاع في العالم العربي"
وترى الباحثة في قسم الدراسات الاقتصادية بمعهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إلميرا إيمانكولييفا أنّ "توجّه روسيا نحو الشرق أصبح أكثر تنوّعاً، إذ لم يعد يشمل الصين فحسب، بل يشمل أيضاً الشرق الأوسط. وتُعدّ الخدمات اللوجستية، والغذاء، والتعاون العلمي والتقني جوانب أساسية لهذا التعاون.
إلّا أنّ الأساس يكمن في تدريب الكوادر العلمية والتقنية وتنفيذ المشاريع المشتركة. وفي هذا السياق، تشكّل القمة استمراراً منطقياً للمسار الاستراتيجي نحو التقارب".