ممر زنغزور: التحدي الجيوسياسي الذي يواجه إيران في القوقاز

الصراع حول ممر زنغزور سيحدد، لا فقط مصير العلاقات الإيرانية مع جيرانها، بل أيضاً موقع إيران في النظام الدولي الجديد الذي يتشكل في ظل تنافس القوى الكبرى على مناطق النفوذ التقليدية.

  • البعد الاقتصادي والبعد الجيوسياسي لممر زنغزور (أرشيف).
    البعد الاقتصادي والبعد الجيوسياسي لممر زنغزور (أرشيف).

ممر زنغزور، ذلك الشريط الجغرافي الضيق في جنوب أرمينيا الذي لا يتجاوز طوله 43 كيلومتراً، تحول إلى بؤرة صراع جيوسياسي بين القوى الإقليمية والدولية، مع توقيع اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان، برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في آب 2025.

وضع هذا الاتفاق حداً لأطول نزاع عرفته منطقة القوقاز منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991، وقد انبثقت عنه إقامة ممر يربط بين أذربيجان وجيب نخجوان عبر الأراضي الأرمينية محاذٍ للحدود الشمالية الغربية لإيران، وتتولى الولايات المتحدة الأميركية عبر شركة خاصة إقامة هذا الممر بالتنسيق مع أرمينيا، وبذلك تكون أذربيجان وأرمينيا قد سمحتا بالوجود الأميركي على الحدود الإيرانية، وبالتالي لم يعد هذا الممر مجرد طريق تجاري لنقل السلع والبضائع، بل أصبح أداة استراتيجية في لعبة السيطرة، تهدد بإعادة رسم خريطة النفوذ في منطقة القوقاز، وتشكل تحدياً وجودياً للأمن القومي الإيراني.

يمثل ممر زنغزور حلقة وصل حيوية في شبكة التجارة الدولية، حيث يمكن أن يصبح جزءاً من طريق تجاري ضخم يمتد من لندن إلى بكين، بقيمة تقدر بتريليونات الدولارات. المشروع متعدد الوسائط، يشمل إنشاء طريق سريعة وخط سكة حديد وكابلات ألياف بصرية وخطوط أنابيب للطاقة، ما يجعله محوراً لوجستياً متكاملاً، لكن الأهمية الحقيقية للممر تتجاوز الجوانب الاقتصادية إلى أبعاد ومكاسب جيوسياسية لكل من أميركا (حلف الناتو) وتركيا وأذربيجان، وتهديد جيوسياسي لإيران وتهميش لروسيا.  

البعد الاقتصادي والبعد الجيوسياسي لممر زنغزور

- يربط هذا الممر تركيا بالدول الناطقة باللغة التركية من الأناضول إلى قلب آسيا الوسطى، حيث يجسد فكرة الفضاء التركي التي تسعى أنقرة إلى تعزيزها عبر مجلس الدول التركية، ويوفر منصة عملية لترجمة الروابط اللغوية والثقافية إلى نفوذ اقتصادي وسياسي.

- يشكل هذا الممر طريقاً برياً لحلف الناتو للوصول إلى بحر قزوين، وأيضاً يتيح للناتو تعزيز وجوده العسكري في القوقاز وإنشاء جسر بري وبحري نحو آسيا الوسطى.

- بالنسبة إلى إيران فإن هذا الممر يؤدي إلى قطع طريقها البري إلى أوروبا عبر أرمينيا، ما يزيد من عزلتها عن كامل منطقة جنوب القوقاز، فضلاً عن فقدانها دورها كممر عبور استراتيجي في المنطقة.

- بالنسبة إلى روسيا يشكل ممر زنغزور فقدانها لجانب مهم من نفوذها جنوب القوقاز، بسبب مواقفها المترددة من الصراع بين أرمينيا وأذربيجان وتدهور العلاقات بينهما وانشغالها بالحرب الأوكرانية.

التأثيرات على إيران: تحديات متعددة الأبعاد: فقدان الممرات، يعني العزلة الجغرافية: تعتبر إيران ممر زنغزور تهديداً مباشراً لمصالحها الاستراتيجية، حيث إن تنفيذه سيفصلها جغرافياً عن أرمينيا، وهي النافذة الوحيدة لإيران نحو أوروبا عبر القوقاز. هذا يعني فقدان طهران لأحد أهم المسارات البرية المستقلة التي تتيح لها الوصول إلى القوقاز وأوروبا من دون المرور عبر أراضي تركيا أو أذربيجان أو روسيا.

وفقاً للخبراء، فإن قطع هذا الطريق سيحرم إيران عائدات اقتصادية مهمة ويقلص من أهميتها كممر تجاري بين آسيا الوسطى والقوقاز وتركيا، ما يضعها في طوق جغرافي خانق من الشمال الغربي.

التهديدات الأمنية والعسكرية: يشكل تعزيز الحضور الأميركي في منطقة القوقاز، بالتوازي مع وجود قواعد أطلسية وإسرائيلية في أذربيجان، خطراً كبيراً على الأمن الإيراني. المنطقة تقع على حدود إقليمين مضطربين في إيران هما: أذربيجان الشرقية ذات الغالبية التركية الشيعية، وإقليم مهاباد ذات الغالبية الكردية السنية.

كما أن إشراف شركات أميركية على تنفيذ المشروع يمنح واشنطن موطئ قدم استراتيجياً على مقربة من الحدود الإيرانية الشمالية، ما يمكن أن يتحول إلى منصة لعمليات استخبارية أو عسكرية ضد إيران.  

التحالفات الإقليمية والدولية 

تبحث إيران عن تحالفات لمواجهة التحدي الذي يمثله ممر زنغزور حيث: 

- تعمل على تعزيز التعاون مع روسيا التي ترى في الممر تهديداً لنفوذها في القوقاز.

- تسعى لتنسيق المواقف مع الصين لحماية مصالحها في مبادرة الحزام والطريق.

- تحاول دعم أرمينيا سياسياً واقتصادياً للحفاظ على علاقتها مع يريفان.

البدائل الاقتصادية واللوجستية

تعمل طهران على تطوير مشاريع بديلة مثل: 

- خط سكة حديد جلفا-أصلاندور

- ربط ممر الشمال-الجنوب بميناء تشابهار

مشروع ممر أرس البديل 

التحركات العسكرية الإيرانية الردعية

- إجراء مناورات عسكرية على ضفاف نهر أرس 

- تعزيز وجودها العسكري قرب الحدود الأرمينية 

- تحذير أذربيجان وأرمينيا من عواقب جلب الناتو إلى حدودهما

وبالتالي فإن ممر زنغزور يمثل اختباراً لإيران في حفاظها على نفوذها الإقليمي ومصالحها الاستراتيجية. فبينما تسعى القوى الغربية وتركيا وأذربيجان إلى تحويل هذا الممر إلى واقع جيوسياسي جديد، تدرك طهران أن الموافقة عليه تعني خسارة أحد أهم أوراقها في لعبة القوى الكبرى.

الموقف الإيراني، يعكس إدراكاً عميقاً بأن المعركة  حول زنغزور ليست مجرد صراع على طريق تجاري، بل هي معركة مصيرية لتحديد من سيسيطر على قلب القوقاز في العقود المقبلة.

إن الصراع حول ممر زنغزور سيحدد، لا فقط مصير العلاقات الإيرانية مع جيرانها، بل أيضاً موقع إيران في النظام الدولي الجديد، الذي يتشكل في ظل تنافس القوى الكبرى على مناطق النفوذ التقليدية.