آيال زامير: بين إعادة بناء "الجيش" وترسيخ النفوذ السياسي
التحديات التي تواجه زامير لا تقتصر فقط على إعادة بناء "الجيش"، بل تمتد إلى تحديد شكل العلاقة بين المؤسسة العسكرية والقيادة السياسية. فهل سيكون مستقلاً وقادراً على فرض رؤيته؟
تم تعيين الجنرال آيال زامير الرئيس الـ 24 لأركان "الجيش" الإسرائيلي، ورغم أن هذا التعيين كان متوقعاً، فإن هذه الخطوة تحمل أبعاداً سياسية وعسكرية واضحة، وذات تأثير استراتيجي على المؤسسة العسكرية وتوازنات القوى بينها وبين المستوى السياسي داخل "إسرائيل" في المستقبل، إذ لم يكن الاختيار قائماً على الاعتبارات العسكرية فحسب، بل جاء مدعوماً بعلاقات زامير القوية مع القيادة السياسية، ولا سيما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وبالرغم من خسارته أمام هرتسي هليفي في المنافسة على منصب رئيس الأركان عام 2023م، أصرّ وزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بدعم من نتنياهو، على تعيينه مديراً عاماً لوزارة الدفاع بعد سقوط حكومة غانتس، وعودة نتنياهو إلى الحكم كانت تمهيداً واضحاً لهذه اللحظة. حتى بعد استقالته من الوزارة عقب إقالة غالانت، طُلب منه البقاء في منصبه حتى إيجاد بديل، وهي خطوة أظهرت تنسيقاً سياسياً عالي المستوى بين نتنياهو والوزير الجديد إسرائيل كاتس، لتجهيز زامير لهذا الدور.
الجانب السياسي في تعيين زامير لا يقلّ أهمية عن الجانب العسكري، بل ربما يكون أكثر حساسية. أحد أكبر التحديات التي تواجه المؤسسة العسكرية حالياً قضية تجنيد الحريديم، التي تهدد استقرار الائتلاف الحاكم. "الجيش" الإسرائيلي كان واضحاً في موقفه الرافض لأي إعفاءات موسّعة للحريديم من الخدمة العسكرية، لكن زامير سيكون مطالباً بإيجاد حلول وسط توازن بين المتطلبات الأمنية والضرورات السياسية التي يفرضها نتنياهو. إضافة إلى ذلك، فإن تعيينه يمنح نتنياهو نفوذاً أكبر في إعادة تشكيل القيادة العسكرية، إذ يتوقّع أن يكون لزامير دور رئيسي في تصعيد جنرالات ذوي توجّهات يمينية واستيطانية إلى مناصب قيادية داخل "الجيش"، ما يعزّز سيطرة الحكومة على المؤسسة العسكرية ويقلّل من استقلاليتها التقليدية.
إلى جانب البعد السياسي، فإن علاقات زامير القوية مع الإدارة الأميركية والمؤسسات العسكرية وشركات السلاح في واشنطن لعبت دوراً كبيراً في اختياره. خلال الحرب الأخيرة على غزة، كان المسؤول عن تأمين الإمدادات العسكرية عبر الجسور الجوية والبحرية، وهو ما عزّز من مكانته كشخصية قادرة على ضمان استمرار الدعم العسكري الأميركي. هذا الدور سيكون أكثر أهمية في ظل أي توتر محتمل بين حكومة نتنياهو والإدارة الأميركية الجديدة، إذ سيكون زامير نقطة الاتصال الأساسية لضمان استمرار تدفق الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية إلى "إسرائيل".
على المستوى العسكري، فإن تعيين زامير يأتي في مرحلة حساسة بعد كارثة السابع من أكتوبر، حيث تعرض "الجيش" الإسرائيلي لضربة قاسية أظهرت ثغرات كبيرة في الأداء العملياتي والاستخباري. زامير، الذي لم يكن في الخدمة خلال هذه الفترة، يدخل المنصب من دون أن يتحمّل مسؤولية هذا الفشل، ما يمنحه فرصة لإعادة بناء "الجيش" من دون ضغوط سياسية أو عسكرية مباشرة. أحد أهم الملفات التي يتوقّع أن يركز عليها هو تعزيز سلاح البر والمدرّعات، خصوصاً بعد الأداء المتعثر لـ"الجيش" في الحرب الأخيرة. سيعمل على تأمين أسلحة ومعدات متطورة سواء عبر التصنيع المحلي أو من الولايات المتحدة، لضمان تفوّق "الجيش" الإسرائيلي في أي مواجهة مستقبلية.
التحديات التي تواجه زامير لا تقتصر فقط على إعادة بناء "الجيش"، بل تمتد إلى تحديد شكل العلاقة بين المؤسسة العسكرية والقيادة السياسية. فهل سيكون مستقلاً وقادراً على فرض رؤيته المهنية، أم أنه سيكون مجرد منفّذ لرغبات نتنياهو، ما يحوّل "الجيش" إلى أداة سياسية بيد الحكومة؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، لكنها بالتأكيد ستحدّد ملامح العلاقة بين "الجيش" والسياسة في "إسرائيل" لسنوات قادمة.