إيال زامير، الانصياع أو الإقالة..!
مشكلة رئيس الأركان زامير أنه وضع مرآة أمام نتنياهو والوزراء، وواجههم بالوقائع وحذّرهم من مضاعفات خطيرة لاحتلال القطاع، فلم يُعجب هذا الأمر نتنياهو وزمرته.
-
مشكلة رئيس الأركان زامير أنه وضع مرآة أمام نتنياهو والوزراء.
يستمر الصراع بين المستويين العسكري والسياسي في "إسرائيل" في التصاعد ويبلغ ذروته بدعوة وزير الأمن القومي، إيتامار بن غفير، رئيس الوزراء نتنياهو، إلى إقالة زامير "واستبداله فوراً بمرشح يسعى للنصر" بعد أن هاجم بشدة سلوك رئيس الأركان، قائلاً: "عندما ترى من هم المقربون منه، يتضح سبب وقوفه مكتوف الأيدي أمام خطتنا لاحتلال غزة، فرئيس الأركان مُحاط بقادة الاستسلام، ويتصرف وفقاً لمبادئهم".
تكشفت الأزمة بين رئيس الأركان، إيال زامير، والقيادة السياسية الإسرائيلية بكامل شدتها، مع كشف النقاب عن تلقي زامير بانتظام "استشارات من شخصيات من خارج المؤسسة العسكرية"، وإجراء الجيش إحاطات إعلامية مخالفة للإجراءات، ومحاولته فرض تعيينات كبار ضباط قادة الجيش من دون علم كاتس.
وفقاً لتقرير نشرته قناة "كان نيوز"، يتلقى زامير استشارات متكررة من مسؤولين كبار سابقين ليسوا جزءاً من الهيكل التنظيمي للجيش الإسرائيلي، كما تضمّن التقرير الكشف عن أن مساعد زامير، المقدم ألون لانيادو، على تواصل منتظم مع الصحافيين ويُطلعهم على آخر المستجدات، وهي خطوة تتعارض مع الإجراءات التي تنص "على أن المتحدث باسم الجيش هو الجهة الوحيدة المخولة ذلك". ومع تفاقم التوترات بين زامير ونتنياهو، بلغ الصراع على قائمة التعيينات في الجيش ذروته، عندما بدأ الجيش الإسرائيلي بتسريب قائمة التعيينات من دون تصديق وزير الحرب كاتس عليها وفق الإجراءات المتبعة.
وفقاً لـ "قانون أساس الجيش"، فإن "الجيش يخضع لسلطة الحكومة، والوزير المعيّن من قبل الحكومة هو وزير الدفاع؛ والمستوى القيادي الأعلى في الجيش هو رئيس الأركان، الذي يخضع لسلطة الحكومة وتحت إمرة وزير الدفاع". أما تعليمات القيادة العليا بشأن الضباط في الجيش الإسرائيلي، مبادئ الترقية، (أمر قيادة الأركان بشأن تعيين الضباط الصادر عام 1992، وتحديثاته عام 2020)، فقد حددت "أن رئيس الأركان هو السلطة التي تُعيّن الضباط برتبة عقيد فما فوق، وأن وزير الدفاع هو السلطة التي تُصادق على هذه التعيينات".
في ضوء المواجهة، اتهم الوزير كاتس رئيس الأركان بـإلحاق ضرر غير مبرر بضباط الجيش، وادعى "أن محاولة تغيير الإجراءات المتبعة، ربما بناءً على نصيحة مجموعة من المستشارين المناهضين للحكومة الذين يُثيرون المشاكل، لن تنجح".
تكشف المواجهة بين زامير وكاتس عن فجوة عميقة أوسع في تصور الطرفين للحملة العسكرية على غزة التي أقرها الكابينت السياسي الأمني الأسبوع الماضي. وتُظهر المواجهة بينهما كذلك، الإحباط الذي يشعر به الجيش الإسرائيلي من الجمود السياسي منذ عملية "عربات جدعون"، وغياب إجابة واضحة عن سؤال ماذا سيحدث بعد السيطرة على غزة؟. للمرة الأولى، منذ تولي رئيس الأركان زامير منصبه، تجاوزت التوترات بينه وبين رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الحرب كاتس حدود الغُرف المغلقة. حتى الآن، كانت الخلافات العلنية محصورة بشكل رئيسي بين زامير وأعضاء مجلس الوزراء، لكن النقاش الذي عُقد الخميس الماضي والذي قرر فيه نتنياهو "احتلال غزة"، دفع بالخلاف إلى السطح، حيث وصف مسؤول عسكري رفيع المستوى النقاش حول خطة احتلال القطاع بأنه "مرة أخرى بلا استراتيجية".
قبل الاجتماع المذكور أعلن رئيس الأركان معارضته العلنية لاحتلال القطاع وقدم خطة بديلة لمواصلة القتال باستخدام أسلوب "الحصار والتطويق"، تسنتد إلى "قيام الجيش بتطويق مناطق مختلفة في قطاع غزة وتنفيذ عمليات مُحدّدة وقصيرة المدى في المناطق التي لم تُنفّذ فيها عمليات من قبل". حاول زامير إقناع المستوى السياسي أنه "بهذه الطريقة فقط، لن نقع في الفخاخ التي تُعدّها لنا حماس، وأن أي خيار آخر، سيتيح لحماس بأن تكون الصياد، وأن نصبح نحن الفريسة، هذا فضلاً عن احتمال إيذاء الرهائن الإسرائيليين واستنزاف قوات الجيش".
لم يترك زامير مجالاً للشك أن القيادة السياسية تُكلّف "الجيش" الإسرائيلي مجدداً بمهمة، ثم تتراجع خطوة إلى الوراء، فخلف هذا العنوان الكبير "احتلال غزة"، تكمن جداول زمنية مرنة وأهداف يُشكك الجيش في إمكانية تحقيقها؛ "فتحريك حوالى مليون غزي ودفعهم نحو جنوب القطاع لن يكونا مهمة سهلة خاصة مع السماح بدخول إمدادات الغذاء إلى شمال قطاع غزة، إذ من غير المرجح أن يدفع الجوع الغزيين جنوباً".
والانطباع السائد لدى "الجيش" أن نتنياهو اتخذ قراراً يسمح له بمواصلة المناورة وكسب الوقت، فمن جهة لم يُعلن عن انتهاء الحرب بل يفترض أنها ستشتد، وبهذه الطريقة ينجح في تحييد تهديدات سموتريتش وبن غفير، ومن جهة أخرى، هو يمنح غالبية المجتمع الإسرائيلي والمعارضة الإسرائيلية والمجتمع الدولي، المعارضين لاحتلال القطاع، جداول زمنية مرنة ليدعي بأنه لم يغلق الباب أمام تسوية سياسية تأتي وفق شروطه. والخلاصة هي أن نتنياهو سينعم بالهدوء السياسي لما بعد الأعياد الإسرائيلية، وحينها، وفي حال فشلت الخطط التي أعدها للقطاع، فإن لديه مُذنباً جاهزاً ليتهمه بالفشل.
إذاً، زامير على المحك، فالحكومة تبحث عن مذنب، والحملة التي تُشن عليه بدءاً من هجوم سموتريتش وبن غفير عليه مروراً بتصريح سارة نتنياهو الأسبوع الماضي بأنها لم تكن تريده رئيساً للأركان إطلاقًا، لأنها "خشيت ألا يصمد أمام ضغط الإعلام"، تلاه كلام يائير نجلها عن "محاولة انقلاب"، وانتهاءً بتصريح الصحافي يعقوب باردوغو، أحد المقربين من نتنياهو "أنه يتوقع استقالة رئيس الأركان"، تُشكل مجتمعة خلفية لفهم المواجهة المحتدمة بين وزير الحرب كاتس ورئيس الأركان زامير بشأن التعيينات في الجيش الإسرائيلي، وهي خطوة أخرى تهدف إلى إضعاف موقف زامير وإخضاعه.
ومع أن زامير اختير قبل خمسة أشهر، وفق مقاييس اليمين الحاكم، وأشاد به نتنياهو وكاتس وقيل بأنه يتمتع "بروح هجومية" خلافاً لهرتسي هليفي، إلا أنه مع تولي رئاسة الأركان سرعان ما بدأت التساؤلات تطفو على السطح. فـ "إسرائيل" ما تزال عالقة في غزة بعد أكثر من عام وعشرة أشهر ولم تَهزم حماس ولم تُعد الأسرى، واضطرت، أي "إسرائيل"، للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، زد على ذلك موجة تسونامي سياسية تجتاح العالم ضد "إسرائيل"، من تظاهرات واحتجاجات وعقوبات، وتعلن دولة تلو الأخرى أنها ستعترف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر المقبل.
لكن حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر، فالأهم بالنسبة إلى الحكومة الإسرائيلية بعد خروج غانتس وآيزنكوت من الائتلاف وإقالة وزير الحرب السابق يوآف غالانت، وطرد رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي، وإجبار رئيس الشاباك السابق رونين بار على الرحيل، أن تعثر على مذنب لإلقاء اللوم عليه في عدم انهيار حماس وعدم عودة الأسرى، ورئيس الأركان زامير هو المُرشح الأفضل!.
إن مشكلة رئيس الأركان زامير أنه وضع مرآة أمام نتنياهو والوزراء، وواجههم بالوقائع وحذّرهم من مضاعفات خطيرة لاحتلال القطاع، فلم يُعجب هذا الأمر نتنياهو وزمرته فقرروا إثارة موجة من التحريض بدافع الإخضاع أو الدفع لاتهامه بالفشل ومن ثم إرغامه على الاستقالة.
والخلاصة أن رئيس الأركان يتعرض لضغوط شديدة ويخسر تدريجياً في إدارته لصراعه مع نتنياهو وكاتس أو داخل الكابينت. وتشير المعطيات إلى أن زامير يختار الانصياع على الاستقالة، وبالتالي تنفيذ خطط نتنياهو المتعلقة بغزة، ففي خضمّ هذا الخلاف المتصاعد، عقد زامير صباح الأمس (الأربعاء) نقاشاً مع هيئة الأركان العامة وممثلي جهاز الأمن العام (الشاباك) وقادة آخرين، حول الخطة لمواصلة العمل في قطاع غزة وأقرّ "الفكرة المركزية" لاحتلال غزة "وفقاً لتوجيهات القيادة السياسية".