الكرد في سوريا.. الكل يساوم عليهم

من المتوقع أن يبحث ترامب مع حكام الخليج، بالإضافة إلى صفقة الدولارات، مستقبل سوريا بانعكاسات ذلك على المشاريع والمخططات الإسرائيلية.

0:00
  •  لا يزال الغموض يخيّم على مستقبل المنطقة الكردية في سوريا.
    لا يزال الغموض يخيّم على مستقبل المنطقة الكردية في سوريا.

مع استمرار مساعي أنقرة لتحقيق المصالحة مع الكرد بشقّيهم التركي والسوري، لا يزال الغموض يخيّم على مستقبل المنطقة الكردية في سوريا، على الرغم من الاتفاق الذي وقّع عليه الرئيس المؤقت أحمد الشرع  مع مظلوم  عبدي، القائد  العسكري لقوات "قسد"، في 10 مارس/ آذار الماضي بإشراف أميركي - فرنسي مشترك.

وفقد الاتفاق الكثير من معانيه بعد مؤتمر الأحزاب والقوى الكردية السورية في القامشلي في 25 نيسان/ أبريل الماضي، إذ أكّدت ضرورة الاعتراف دستورياً للكرد في سوريا بحكم ذاتي أو فدرالي.

وكما هي الحال في شمال العراق منذ الإعلان عن منطقة الحظر الجوي شمال خط العرض 36، عام 1991 حيث جاءت القوات الأميركية ومعها الفرنسية والبريطانية والألمانية تركيا لحماية هذه المنطقة، التي كان الرئيس الراحل تورغوت أوزال يخطط لضمّها إلى تركيا.

وهي الخطة التي يقال إن الرئيس إردوغان يسعى لإحيائها، لكن هذه المرة بضمّ الشمال السوري أيضاً إلى هذا المشروع، بعد أن نجحت أنقرة في إسقاط نظام الأسد في دمشق التي يسيطر عليها الآن حلفاء تركيا باعتراف الرئيس ترامب.

ويتمنى الرئيس إردوغان أن يساعده الرئيس ترامب على تحقيق أحلامه، ليس فقط في الشمال السوري والعراقي،  بل في المنطقة عموماً، في ظل الوجود العسكري التركي الكبير في عموم سوريا والعمق العراقي لمسافة 100 كم ومعهما في ليبيا وقطر والصومال وتشاد والسودان  ودول أخرى. 

ومن دون أن يكون واضحاً كيف سيكون الموقف الأميركي في هذا الموضوع الذي بحثه الرئيس ترامب هاتفياً الاثنين 5 أبريل/ نيسان مع الرئيس إردوغان الذي قال إنه "دعا ترامب إلى زيارة تركيا، وتمنى الآخر أن يلتقي به في البيت الأبيض في أقرب فرصة، وربما بعد لقاء ترامب  زعماء دول الخليج  في الرياض 13 الشهر الجاري وبعدها سيزور "تل أبيب" والقاهرة.

ومن المتوقع أن يبحث ترامب مع حكام الخليج، بالإضافة إلى صفقة الدولارات، مستقبل سوريا بانعكاسات ذلك على المشاريع والمخططات الإسرائيلية ومعها التركية، وكلاهما يؤثران ويتأثران بالسياسات الإقليمية والدولية الخاصة بالعراق وإيران، وسيبحثها زعماء الدول العربية في قمتهم 17 الشهر الجاري في بغداد.

ومع انتظار مخرجات هذه القمة "الفاشلة" التي ستنعقد بعد يوم من عودة ترامب إلى واشنطن،  لا تفوّت "تل أبيب" أي فرصة لترسيخ وجودها العسكري والاستخباري في سوريا التي يقصفها الطيران الإسرائيلي يومياً.

وذلك بغياب أي رد فعل جدي وعملي من أنقرة  والدول العربية التي تستعد لدعم الرئيس محمد عباس في مخططاته للتخلص من حماس، وذلك بالتنسيق والتعاون مع حكومة الكيان العبري التي أقرت خطتها الجديدة لاجتياح غزة واحتلالها من جديد.

ومن دون أن تكون كل هذه المعطيات كافية لإنهاء الخلافات الكردية -الكردية، ليس فقط في سوريا وتركيا، بل في العراق أيضاً، حيث المنافسة التقليدية بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة عائلة البارزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة عائلة الطلباني، ويبدو أن واشنطن ومعها البعض من العواصم الغربية قد ترجح عليهما حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وهو الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني التركي المؤثر حتى بين كرد إيران.

وتفسر ذلك مساعي أنقرة لتحقيق المصالحة بينها وبين حزب العمال الكردستاني التركي في إطار صفقة تهدف إلى إبعاد هذا الحزب وجناحه السياسي حزب المساواة وديمقراطية الشعوب عن حزب الشعب الجمهوري الذي يقود حملة معارضة شرسة للتخلص من الرئيس إردوغان في أول انتخابات مبكرة يتوقعها المراقبون، على الرغم من اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام إوغلو، المنافس الأقوى لإردوغان الذي قال قبل أيام "إنه سيتم إتلاف (تصفية)  كل من يفكر في تحدّيه شخصياً".

وهو التهديد الذي تقول المعارضة إنه قد شجع أحد المواطنين المجرمين أن يهاجم الأحد (٤ أيار/ مايو)  اوزكور اوزال، زعيم حزب الشعب الجمهوري ويصفعه، كما صفع مواطن قبل ثلاث سنوات الزعيم السابق للحزب كمال  كليجدار أوغلو، ومن دون أن يلقى أي عقاب جدي.

في وقت يعرف الجميع أن الرئيس إردوغان يخطط  لمنع الكرد من المشاركة في انتفاضة شعبية متوقعه في أي لحظة مع استمرار التظاهرات والاعتصامات التي يشارك فيها الملايين، ويتبناها حزب الشعب الجمهوري وحلفاؤه.

وتثبت جميع استطلاعات الرأي أن مرشح المعارضة لانتخابات الرئاسة، سواء كان إمام أوغلو أو رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، سيحظى في أول انتخابات قادمة بتأييد ما لا  يقل عن 60% من أصوات الناخبين.

ويسعى الرئيس إردوغان من خلال حواره مع العمال الكردستاني  لمنع الكرد من دعم إمام أوغلو أو ياواش، مقابل الإفراج عن زعيم الحزب عبد الله أوجلان المعتقل منذ شباط/ فبراير 1999 .

كما يتمنى الرئيس إردوغان لمثل هذا الحوار مع العمال الكردستاني أن يدعمه في مساعيه لتغيير الدستور، وضمان انتخابه لولاية رابعة، وهو ما يمنعه الدستور الحالي.

كما يعرف الجميع أن كل ما يهدف إليه الرئيس إردوغان أو يسعى من أجله يحتاج إلى دعم من واشنطن والعواصم الأوروبية، وبشكل خاص، باريس ولندن وبرلين التي تأخذ دائماً حسابات "تل أبيب" في الاعتبار، فيما الأنظمة العربية تفتقر إلى  إرادة  موحدة تساعدها على تقرير مصير الورقة الكردية في البلدين العربيين (سوريا والعراق) وعبرهما في تركيا ثم إيران، الهدف الأهم في مخططات الكيان  العبري ومشاريعه، والذي فعل وما زال يفعل كل شيء  لتضييق الحصار على إيران التي لولاها منذ ثورة الإمام الخميني لكانت المنطقة الآن تحت رحمة الصهاينة، ليس فقط سياسياً و اقتصادياً، بل أيضاً عقائدياً ودينياً ونفسياً.

وفي جميع الحالات، ومع استمرار العدوان الصهيوني على سوريا ولبنان وغزة واليمن، يبقى التركيز على حجم التآمر الصهيو/أميركي على المنطقة بالورقة الكردية التي سلمها أصحابها الكرد لواشنطن التي ستلوّح بها ضد كل من يعترض على مشاريعها ومخططاتها، التي عانى ويعاني منها الجميع في المنطقة  منذ أكثر من مئة عام، ويبدو أن أحداً لم يستخلص منها أي درس، وإلا وكما قال كاتب النشيد الوطني التركي محمد عاكف "لما كرر التاريخ نفسه " !