الهند لاعب محوري: شريك لروسيا وحليف لأميركا في معادلة عالمية معقدة

تسير الهند اليوم على حبل مشدود، فهي تريد أن تثبت موقعها كقوة عالمية تسعى إلى نظام متعدد الأقطاب وتبحث عن مصالحها، سواء مع موسكو أو مع واشنطن، لكنها لا تقبل أن تفرض عليها الأخيرة ما تريد.

  • تسير الهند اليوم على حبل مشدود.
    تسير الهند اليوم على حبل مشدود.

عندما زار رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي روسيا العام الماضي، استقبله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأحضان، في مشهد أثار استفزاز الدول الغربية التي كانت تحاول عزل الرئيس بوتين بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.

المشهد نفسه يتكرر مع زيارة الرئيس بوتين إلى الهند يومي 4 و5 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، لعقد القمة الهندية الروسية السنوية الثالثة والعشرين، حيث سيستقبله مودي بحفاوة بالغة، وسيصف روسيا بأنها أفضل صديق للهند أو ما شابه من عبارات.

تأتي زيارة الرئيس الروسي إلى الهند بعد أربع سنوات من آخر زيارة له عام 2021 ، والمرة الأولى بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ولكنَّ الزعيمين التقيا مرات عدة على هامش العديد من القمم، آخرها في الصين على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون، ووصف بوتين مودي بأنه صديقه العزيز، وجلسا معاً في سيارة الليموزين الخاصة بالرئيس بوتين.

وتأتي الزيارة بعد الاجتماع الذي عقد بين الرئيس بوتين والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف من أجل التباحث حول خطة ترامب المكونة من 28 بنداً لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أبدت روسيا انفتاحاً لمناقشتها، وبعد العقوبات الأميركية على أكبر شركتي نفط روسيتين "لوك أويل" و"روسنفت"، مع التهديد بين الحين والآخر بفرض مزيد من العقوبات الأميركية على روسيا والدول التي تستورد النفط الروسي.

أما الهند، فقد تدهورت علاقاتها بالولايات المتحدة الأميركية منذ مجيء الرئيس دونالد ترامب إلى الرئاسة في ولايته الثانية، إذ قام بفرض رسوم جمركية على السلع الهندية بقيمة 25%، وأضاف 25% من الرسوم الجمركية عليها بسبب استيراد النفط الروسي وتمويل الحرب الأوكرانية، فضلاً عن تقرب الولايات المتحدة الأميركية من باكستان واستضافتها مسؤولين باكستانيين وتوقيع اتفاقيات مع إسلام آباد. وما أثار استياء ترامب من نيودلهي هو رفضها ادعاءاته بأنه من أوقف الاشتباكات التي اندلعت بين باكستان والهند في شهر مايو/ أيار الماضي.

من شأن زيارة الرئيس بوتين إلى الهند أن تساهم في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في مختلف المجالات، ولا سيما في مجالي الدفاع والطاقة الذين يشكلان ركيزتي العلاقات الهندية الروسية.

على الصعيد الدفاعي، تتطلع الهند إلى الحصول على المزيد من منظومات الدفاع الجوي أس 400 التي أثبت فعاليتها في الاشتباكات التي دارت بين الهند وباكستان، إذ تمكنت هذه الصواريخ من إسقاط طائرة باكستانية وتحييد العديد منها.

تمتلك الهند أكثر من 200 طائرة مقاتلة روسية وعدة بطاريات من منظومة الدفاع الجوي أس 400، ويعاني الجيش الهندي من نقص في المقاتلات. لذلك، طلب من الحكومة شراء المزيد من الطائرات المقاتلة الروسية المتطورة لسد هذه الفجوة.

لدى روسيا والهند صفقة شراء منظومات صواريخ أس 400 بقيمة 5,43 مليار دولار، لشراء 5 أفواج من هذه الصواريخ، وقد تم تسليم الهند ثلاثة منها، ومن المقرر تسليم الفوجين المتبقيين عام 2026.  لذلك، من المتوقع أن تتناول المناقشات الالتزام بجداول التسليم، وتعزيز خدمات ما بعد البيع، وشراء المزيد من صواريخ أس 400.

ومن المحتمل أيضاً أن يناقش الزعيمان شراء الهند لطائرات سوخوي 57 من الجيل الخامس، وربما شراء هذه الطائرات يتوقف على استكمال المباحثات الهندية الأميركية لشراء طائرات F-35، حيث كانت المشاورات تجري بين البلدين لحصول الهند على هذا النوع من الطائرات الأميركية، ولكن المناقشات، كما يبدو، توقفت بسبب التوترات التي اعترت العلاقات بين البلدين. 

وحالياً بعد موافقة ترامب على حصول السعودية على طائرات F-35، وبعد اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان، ربما تضغط الهند للحصول على مقاتلات F-35. وفي حال فشل المفاوضات، حينها تتجه دلهي نحو شراء طائرات سوخوي 57 الروسية وتصنيعها محلياً. وبطبيعة الحال، ستكون هناك ضغوطات أميركية على الهند لعدم شراء الطائرات الروسية.

لعقود ظلت الهند تعتمد على روسيا في مجال الأسلحة، ولكن، خلال السنوات الماضية، انخفضت وارداتها من الأسلحة الروسية لتصل إلى 36% من إجمالي وارداتها خلال السنوات الأربع الماضية مقارنة بنسبة 72% بين عامي 2010 و2014. أتى ذلك في إطار السياسة التي تنتهجها نيودلهي في تنويع الموردين لها دون الاعتماد على مورد واحد، لذلك بدأت تزيد من شرائها الأسلحة الأميركية والأوروبية.

وعلى الرغم من توتر العلاقات بين نيودلهي وواشنطن، فقد وافقت الأخيرة  الشهر الماضي على بيع أسلحة للهند بقيمة 92,8 مليون دولار. أتت هذه الخطوة في الوقت الذي تسعى الهند إلى تنويع مصادر إمدادات الأسلحة وسط تقارير تفيد بأن ترامب حثها على شراء المزيد من الأسلحة الأميركية الصنع.

ومع ذلك، فإن مناقشة الهند وروسيا لنظام أس 400 وطائرات سو 57 يشير إلى أن الهند لم تستجب لضغوطات ترامب بتقليل اعتماد الهند على الأسلحة الروسية، بل تحاول الهند أن توازن في علاقاتها بين موسكو وواشنطن.

إضافة إلى الاحتياجات العسكرية والأمنية، تعد روسيا مصدراً مهماً للنفط الرخيص للهند. وقد تعرضت دلهي لضغوطات أميركية بهدف تقليل اعتمادها على النفط الروسي، ووصل الأمر إلى فرض رسوم جمركية عليها دون غيرها من الدول التي ما زالت تستورد النفط الروسي، كالصين وتركيا.

من غير المرجح أن توقف الهند وارداتها النفطية من روسيا، وسيسعى الرئيس بوتين إلى إغراء الهند بمزيد من خفض أسعار النفط، وسيجري مباحثات مع مودي حول سبل الالتفاف على العقوبات الأميركية بهدف الحفاظ على تدفق النفط الروسي إلى الهند.

في المقابل، تسعى الهند إلى شراء المزيد من النفط الأميركي. وعلى مدار الأسابيع الماضية، ارتفعت واردات الهند من النفط الأميركي، ووقعت شركات النفط الهندية المملوكة للدولة عقداً لمدة عام واحد لاستيراد نحو 2,2 مليون طن سنوياً من الغاز المسال من الولايات المتحدة، أي ما يقارب 10% من واردات الهند السنوية من الغاز المسال.

على الصعيد التجاري، ارتفع حجم التبادل التجاري بشكل كبير بين البلدين من 13 مليار دولار في السنة المالية 2021-2022 إلى 68,7 مليار دولار في السنة المالية 2024-2025، ما أثار أمل المسؤولين في تحقيق هدف جديد قدره 100 مليار دولار في المستقبل القريب.

ومن المرجح أن يناقش الرئيس مودي اختلال الميزان التجاري بين البلدين، إذ استوردت الهند 63,84 مليار دولار، وصدرت 4,88 مليار دولار العام الماضي، والدفع بروسيا نحو شراء المزيد من المنتجات الهندية. 

وبطبيعة الحال، ستكون الحرب الأوكرانية الروسية محور المناقشات أيضاً بين الزعيمين الهندي والروسي، في وقت تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى إنهاء الحرب وعقد المباحثات مع موسكو مع استياء أوروبي، إذ وجد الأوروبيون أنفسهم مستبعدين عن طاولة المفاوضات.

إضافة إلى ملفات الدفاع والطاقة والتجارة، من المحتمل أن يستعرض الطرفان مجالات تعاون أخرى، كالتعاون الثقافي والتكنولوجي وزيادة الاستثمارات في كلا البلدين مع نقل التكنولوجيا الروسية إلى الهند والتعاون الثنائي في مجال الطاقة النووية، ولا سيما التعاون في محطة كودانكولام للطاقة النووية؛ المشروع الرائد بين الهند وروسيا في مجال الطاقة النووية.

وستكون زيارة الرئيس بوتين والاتفاقيات التي سيتم توقيعها محط أنظار الرئيس ترامب، وخصوصاً أن المفاوضات جارية حالياً للتوصل إلى اتفاق تجاري بين الهند والولايات المتحدة الأميركية، ناهيك بأن العلاقات تبدو متوترة بين ترامب ومودي، والدليل على ذلك تغيب الأخير عن حضور قمة أبيك في كوريا الجنوبية لتجنب اللقاء بالرئيس ترامب، وحضوره قمة العشرين في جنوب أفريقيا التي تغيب عنها ترامب، والحديث عن عدم حضور الرئيس الأميركي قمة الكواد التي كان من المقرر أن تعقد في الهند قبل نهاية هذا العام.

تسير الهند اليوم على حبل مشدود، فهي تريد أن تثبت موقعها كقوة عالمية تسعى إلى نظام متعدد الأقطاب بعيداً عن الهيمنة الأميركية وتبحث عن مصالحها، سواء مع روسيا أو مع الولايات المتحدة الأميركية، لكنها لا تقبل أن تفرض عليها واشنطن ما تريد.

 أثناء وجود الرئيسين بوتين ومودي لحضور قمة شنغهاي للتعاون في الصين، أظهرت الصور التي التقطت لهما تشابكهما بالأيدي مع ابتسامات عريضة؛ فمودي لن يتخلى عن روسيا بالرغم من الضغوطات الأميركية التي يتعرض لها، فكما أن الرئيس ترامب يحمل شعار "أميركا أولاً"، كذلك الرئيس مودي يعمل تحت شعار "الهند أولاً".