بعد 26 عاماً.. هل يصبح أوج الان مانديلا ثانياً؟
استنفر إردوغان كل إمكاناته لضمان الاعتراف الأميركي له بالوصاية على القضية الكردية سورياً وعراقياً بانعكاسات ذلك على الواقع الداخلي بما في ذلك التخلص من أنواع المعارضة السياسية كافة.
-
هل يصبح أوج الان مانديلا ثانياً؟
بعد عام ونيف من خطابه الذي دعا فيه في 22 أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوج الان إلى أن يأتي إلى البرلمان ويشارك في اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب، قال زعيم حزب الحركة القومية دولت باخشالي الثلاثاء إنه لن يتردد في الذهاب إلى سجن جزيرة ايمرالي ولقاء أوج آلان الموجود هناك منذ 26 عاماً.
كلام باخشالي هذا تهرّب الرئيس إردوغان من التعليق عليه مباشرة إلا أنه كان كافياً بالنسبة للجنة البرلمانية التي تأسست في 5 آب/ أغسطس لاتخاذ قرارها المفاجئ لانتداب 4 من أعضائها كي يلتقوا أوج آلان في زنزانته ويبحثوا وإياه مستقبل الحوار بينه وبين الدولة التركية للتوصل إلى حل نهائي للمشكلة الكردية في تركيا.
اللجنة التي اجتمعت حتى الآن 17 مرة أثارت بقرارها هذا المدعوم من إردوغان وباخشالي نقاشاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية التي تعترض معظمها على مثل هذا اللقاء، الذي سيعني رضوخ الدولة لمطالب أوج الان بعد أن أصدر في 26 شباط/ فبراير الماضي تعليماته لقيادات الحزب في شمال العراق لوقف العمل المسلح والانسحاب من تركيا وبالتالي حل الحزب بشكل نهائي.
وعاد أوج الان ووجّه ندائه الثاني في9 تموز/ يوليو عبر فيديو مصور أكد فيه ضرورة الحوار المشترك لحل المشكلة الكردية سياسياً وسلمياً وديمقراطياً. وهو الحل الذي بحث تفاصيله وفد من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب مع أوج الان والتقى به أعضاء الوفد في جزيرة إيمرالي حتى الآن تسع مرات، كما التقى أعضاء الوفد ثلاث مرات بالرئيس إردوغان بحضور رئيس جهاز المخابرات ابراهيم كالين.
وأكّد أعضاء الوفد أكثر من مرة أن مفتاح الحل بيد أوج آلان، الذي أشار إلى أهمية الوضع في شمال شرق سوريا، وقال "لا حل للمشكلة الكردية في تركيا إلا بالتوصل إلى صيغة تضمن المكاسب التي حققها الكرد في سوريا".
وهو الموضوع الأهم الذي سيقرر مصير المسار الحالي في الحوار بين أوج الان والدولة التركية، التي ترى بدورها في الملف الكردي في سوريا الموضوع الأهم في مجمل حساباتها الخاصة بسوريا، وعبرها في المنطقة، عموماً باعتبار أن الواقع شرق الفرات بعد اتفاق 10 مارس/ آذار بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي سيقرر مصير سوريا.
كل هذه التطورات ذكًرت الأوساط السياسية بالمناضل الأفريقي نلسون مانديلا الذي قضى 26 عاماً من عمره في السجن في جزيرة روبن ليخرج ويصبح رئيساً لجمهورية جنوب أفريقيا التي كانت قبل ذلك حليفاً استراتيجياً للكيان العبري.
وكان هذا الكيان يرى آنذاك في تركيا وإيران وإثيوبيا "الرئة التي يتنفس عبرها في محيط مليء بالأعداء" على حد قول ديفيد بن غوريون في الخمسينات من القرن الماضي.
ومع أن مانديلا حصل على جائزة نوبل للسلام وأصبح رئيساً للبلاد، إلا أن معطيات تركيا لن تسمح بتكرار تجربة مانديلا مع أوج الان الذي يعيش في سجن إيمرالي منذ 26 عاماً بعد أن اختطفته الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية من نيروبي وسلّمته لتركيا في شباط/ فبراير 1999.
إلا أن المعطيات الحالية قد تفتح الأبواب أمام خروج أوج آلان من السجن ويصبح زعيماً للحزب الكردي الجديد الذي سيحل محل العمال الكردستاني وجناحه السياسي حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، وبالتالي يدخل البرلمان ثم يصبح نائباً لرئيس الجمهورية، إذا سارت الأمور في الاتجاه الذي حدده الرئيس إردوغان.
وهو ما تحدث عنه دولت باخشالي بشكل غير مباشر عندما تساءل "لماذا لا يكون كردياً وآخر علوياً نائبين لرئيس الجمهورية".
وهو الموضوع الذي سيقرّره الرئيس إردوغان بعد أن يتأكد من أن الأمور تسير وفق حساباته الداخلية والخارجية . فهو يسعى لتغيير الدستور بدعم الناخبين الكرد كي يتسنى له الترشح لفترة أو فترات رئاسية جديدة في الانتخابات المقبلة صيف 2028 أو قبل ذلك.
واستنفر إردوغان أيضاً كل إمكاناته لضمان الاعتراف الأميركي له بالوصاية على القضية الكردية سورياً وعراقياً، بانعكاسات ذلك على الواقع الداخلي، بما في ذلك التخلص من كل أنواع المعارضة السياسية منها والإعلامية، بعد أن أحكم سيطرته على مؤسسات الدولة كافة وأهمها الجيش والمخابرات والأمن والقضاء .
وجاء حديث السفير توم باراك الذي قال الشهر الماضي "نحن الذين منحنا إردوغان الشرعية السياسية "ليثبت الدعم الأميركي لسياسات أنقرة داخلياً وإقليمياً، بما في ذلك مساعي الوساطة التي تبذلها واشنطن بين أنقرة ومظلوم عبدي من جهة، والوساطة الكردية العراقية بمباركة أميركية بين عبدي وأنقرة، التي لها علاقات مميزة مع عائلتي البرزاني والطالباني اللتين تحكمان شمال العراق.
ومع انتظار مسار التطورات على الصعيدين الداخلي والخارجي بعد لقاء الوفد البرلماني مع أوج، بات واضحاً أن أوج الآن هو الذي سيقرر مصير ومستقبل مسار الحل للمشكلة الكردية تركياً و سورياً وإقليمياً.
وتتوقع معلومات الحكومة أن تسمح لعبد الله أوج الان ( تعني باللغة التركية المنتقم) بالتواصل مع الإعلاميين واستقبال الزوار من داخل تركيا وخارجها.
على أن تكون الخطوة التالية هي إصدار عفو عام عنه وعن قيادات ومسلحي العمال الكردستاني، وبعد أن يتجاوب أوج الان مع أنقرة في كل مساعيها للتحكم بعناصر القضية الكردية إقليمياً وبضوء أخضر من واشنطن.
ويعرف الجميع أنها هي التي أوصت وربما طلبت من زعيم حزب الحركة القومية دولت باخشالي القومي التركي العنصري المتطرف والأكثر عداءً للكرد، والذي كان يطالب بإعدام أوج آلان أن يطلق مبادرته للحوار مع أوج الان في 22 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي وقبل 45 يوماً من إسقاط نظام الأسد.
وهو ما تحقق بفضل التدخل التركي المباشر وبالتنسيق والتعاون الأميركي - الإسرائيلي - الروسي بحسب اعترافات الرئيس ترامب اللاحقة، والتي أكّدها عدد من المسؤولين الأميركيين والأتراك والإسرائيليين، بل حتى الرئيس السوري أحمد الشرع.
ويبدو أن إردوغان قد استبقها بالمصالحة مع أوج الان وتقديم كل التنازلات التي يطلبها الآن ولاحقاً مقابل أن يضمن له كل ذلك بقاء سوريا تحت الوصاية التركية، التي لا ولن يضمنها أحد سوى الرئيس ترامب.
ولكن من دون أن يكون واضحاً ما الذي سيطلبه الأميركيون من إردوغان، ليس فقط مقابل ذلك بل مقابل ضمان بقائه في السلطة إلى الأبد، ومهما كلّف ذلك تركيا على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، التي "أوصلت البلاد إلى نهاية النفق المظلم" وفق كلام زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزكور أوزال.