قمة "أبيك" في كوريا الجنوبية... فرصة لتعزيز السلام في عالم مضطرب
نجاح قمة "أبيك" وعقد اللقاءات بين قادة الدول الكبرى وإدارة النزاعات من شأنه أن يعزّز مكانة الرئيس الكوري الجنوبي داخلياً وخارجياً، وسيُظهر قوة سيؤول إقليمياً وعالمياً.
-
تشكّل قمّة "أبيك" منصة لتعزيز السلام في عالم يشهد تحدّيات كبيرة.
بعد التوترات السياسية التي شهدتها كوريا الجنوبية على خلفيّة إعلان الرئيس الكوري الجنوبي المعزول يون سوك يول الأحكام العرفية، وإجراء انتخابات رئاسية أسفرت عن فوز رئيس الحزب الديمقراطي الليبرالي، لي جاي ميونغ، من المقرّر أن يستضيف هذا البلد الآسيوي قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك) أواخر الشهر الجاري في مدينة جيونجو حيث سيجتمع قادة 21 دولة أعضاء لمناقشة التحدّيات العالمية ولا سيما الاقتصادية والتكنولوجية والمناخية.
تستضيف كوريا الجنوبية قمة "أبيك" للمرة الثانية إذ سبق أن استضافتها في العام 2005 في مدينة بوسان، خلال عهد الرئيس روه مو هيون. أما اليوم فهناك تحدّيات وعقبات كبيرة تواجه الرئيس الكوري الجنوبي الحالي ولا سيما محاولة إحراز تقدّم في المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة الأميركية على الرغم من أنه قد تمّ التوصّل إلى اتفاق تجاري بين البلدين، ولكن لم يتمّ التوقيع عليه بعد، إذ إنّ الخلاف ما زال قائماً حول استثمار سيؤول 350 مليار دولار أميركي في الولايات المتحدة الأميركية.
حظيت قمة "أبيك" باهتمام المجتمع الدولي خاصة بعد تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب زيارته إلى كوريا الجنوبية في 29 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، ومن المتوقّع أن يحضر قمة أعمال "أبيك" التي ستضمّ قادة أعمال عالميين.
تشكّل قمّة "أبيك" منصة لتعزيز السلام في عالم يشهد تحدّيات كبيرة. فمع حضور الرئيس الأميركي من المحتمل أن يعقد قمة مع الرئيس الكوري الجنوبي لكسر الجمود بين البلدين. فعلى الرغم من أنّ واشنطن وسيؤول توصّلتا إلى اتفاق وافقت فيه الإدارة الأميركية على خفض الرسوم الجمركية على كوريا الجنوبية من 25% إلى 15% مقابل التزام سيؤول باستثمار 350 مليار دولار أميركي في الولايات المتحدة الأميركية، إلّا أنّ الخلاف لا يزال قائماً حول شروط التزام كوريا الجنوبية بهذا الاستثمار لأنها تعتبر أنّ مبلغ 350 مليار دولار أميركي أكبر من قدرة الخزينة الكورية، وأنّ المبلغ يعادل 84% من احتياطاتها من النقد الأجنبي، وبالتالي فإنّ الوفاء بالتزاماتها سيؤدّي إلى إفلاس الاقتصاد الكوري، ما لم تحصل على ضمانات قروض واتفاقية مبادلة عملات مع الولايات المتحدة الأميركية. وقد صرّح الرئيس الكوري الجنوبي بأنّ اقتصاد بلاده قد يواجه أزمات تعادل انهياره عام 1997 في حال قبلت حكومته بالمطالب الأميركية الحالية من دون ضمانات.
ومما عكّر أكثر صفو العلاقات بين البلدين مداهمة إدارة الهجرة والجمارك الأميركية لمصنع بطاريات هيونداي أل جي للسيارات الكهربائية في جورجيا وترحيل أكثر من 300 عامل.
كما قد يفتح لقاء الرئيس الكوري مع ترامب الباب لعقد قمة بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية ولا سيما أنّ الرئيس ترامب منفتح على الحوار مع كوريا الشمالية من دون شروط مسبقة حتى أنّ زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون قال مؤخّراً إنه يحتفظ بذكريات جميلة عن الرئيس الأميركي، وإنّ بيونغ يانغ منفتحة على الحوار مع واشنطن إذا تخلّت عن مطلبها بنزح السلاح النووي لبلاده. وحتى في خطابه خلال العرض العسكري بمناسبة الذكرى الـ 80 لتأسيس حزب العمال الحاكم في كوريا الشمالية، دعا كيم إلى أنّ يستمر جيش بلاده في التطوّر إلى قوة لا تقهر تقضي على جميع التهديدات، إلّا أنه لم يذكر واشنطن أو سيؤول بشكل مباشر وهو ما يشير إلى تخفيض نبرة التصريحات تمهيداً لعقد لقاء بين كيم وترامب في المستقبل.
قد يتمكّن الرئيس الكوري الجنوبي في حال اجتمع بالرئيس ترامب من إحداث خرق في العلاقات التي تشهد فتوراً بالرغم من استمرار إجراء المناورات العسكرية المشتركة بينهما. فخلال قمة "أبيك" التي عقدت عام 2005 في بوسان أصدر رئيس كوريا الجنوبية وقتها روه مو هيون والرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش الإعلان المشترك بشأن التحالف والسلام في شبه الجزيرة الكورية.
ومن ناحية أخرى، تعقد الآمال على قمة "أبيك" بهدف عقد اجتماع بين الرئيسين الأميركي ترامب والصيني شي جين بينغ إذ يجري العمل على أن يلتقي الزعيمان في كوريا الجنوبية على هامش قمة "أبيك"، ولكنّ الصين لم تؤكّد حضور الرئيس الصيني بعد، ومن جهة أخرى أدّى توتر العلاقات مؤخّراً بين واشنطن وبكين على خلفيّة قيام الأخيرة بتشديد القيود على المعادن الأرضية النادرة إلى إثارة غضب ترامب الذي فرض رسوماً جمركية على السلع الصينية بنسبة 100% على أن تسري بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر أي بعد الاجتماع المحتمل للزعيمين، ومن المرجّح إذا تمّ التفاهم بينهما أن يلغي ترامب الرسوم الجمركية.
قد يساهم عقد اجتماع بين الزعيمين الصيني والأميركي في تمهيد الطريق لعقد اجتماعات مستقبلية بين واشنطن وبكين إذ يحتاج كلا الجانبين إلى قنوات رسمية وغير رسمية لمعالجة قضايا رئيسية مثل التعريفات الجمركية، النزاعات التجارية، سلاسل التوريد، تايوان. وسيكون أول حوار مباشر بين ترامب وشي منذ أكثر من ست سنوات عقب لقائهما في قمة مجموعة العشرين في أوساكا عام 2019، وسيكون أول اجتماع من نوعه منذ بدء ولاية ترامب الثانية. ومن المرجّح أن تكون كوريا الجنوبية تعمل على إنجاح عقد الاجتماع بين الرئيسين نظراً لأهمية هذا اللقاء في تخفيف التوترات بين البلدين وتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد.
وسيتيح حضور الرئيس الصيني منتدى " أبيك" عقد قمة مع الرئيس الكوري الجنوبي لتكون المرة الأولى التي يلتقي فيها الزعيمان مباشرة، ومن شأن هذا الاجتماع أن يعزّز العلاقات بين البلدين والتي تدهورت في عهد الرئيس المعزول يون سوك يول إذ يسعى الرئيس لي إلى موازنة علاقاته مع كلّ من واشنطن وبكين وعدم استفزاز أيّ منهما، وربما الاتصالات واللقاءات التي تمّت بين وزيري خارجية البلدين تهدف إلى التنسيق والتحضير للقاء الزعيمين.
وفي مجال آخر تسعى كوريا الجنوبية إلى إظهار مكانتها الرائدة في مجال التكنولوجيا إذ تعتزم شركة التكنولوجيا العملاقة سامسونغ للإعلان عن أول هاتف ذكي قابل للطي ثلاثي، سيتمّ عرضه في معرض يقام على هامش قمة "أبيك".
نجاح قمة "أبيك" وعقد اللقاءات بين قادة الدول الكبرى وإدارة النزاعات من شأنه أن يعزّز مكانة الرئيس الكوري الجنوبي داخلياً وخارجياً، وسيُظهر قوة سيؤول إقليمياً وعالمياً، وستكون لاعباً أساسياً في تعزيز السلام في عالم يشهد اضطرابات وتغيّرات جيوسياسية.