لبنان في مواجهة "التفوق التصعيدي"

يتعامل لبنان اليوم مع محاولة إسرائيلية واضحة لجرّه إلى حرب شاملة، وهذه ليست حربًا يمكن للبنان أن يخوضها في ظل غياب توازن القوى، وفقدان الردع.

0:00
  •  لبنان يجب ألا ينزلق إلى المواجهة في توقيت لا يناسبه.
    لبنان يجب ألا ينزلق إلى المواجهة في توقيت لا يناسبه.

بعد قيام "إسرائيل" باغتيال القيادي في حزب الله السيد هيثم الطبطبائي، يتعقد المشهد الحالي في لبنان، ويواجه لبنان استراتيجية إسرائيلية تهدف الى جرّه الى مواجهة شاملة، في ظل غياب توازن القوى، وفي ظل رغبة اليمين الإسرائيلي وعلى رأسه نتنياهو باستمرار التصعيد في المنطقة – أقلّه- حتى الانتخابات الإسرائيلية المقبلة في خريف عام 2026.

حالياً، تمتلك "إسرائيل" ما يسمّى "الهيمنة التصعيدية"،  أو "التفوق التصعيد" escalation dominance  أي أنها الطرف الأقوى القادر على إظهار قدرة فائقة على زيادة حدة الصراع أو نطاقه إلى مستوى لا يستطيع الخصم مواجهته أو رفضه، وأنها تمتلك اليد العليا في القوة العسكرية، وزيادة مستوى التصعيد وتكبيد لبنان خسائر كبيرة، حتى من دون أن تذهب إلى حرب شاملة.

لذا فإن أفضل ما يمكن أن تحصل عليه حالياً هو القدرة على ممارسة تصعيد تمارس فيه توحشها على اللبنانيين في مشهد يشبه يوم 23 أيلول 2024، الذي لم يرَ اللبنانيون مثله، حتى أولئك الذين عاشوا حروب "إسرائيل" على لبنان منذ عام 1978.

- إحياء عقيدة جابوتنسكي

تعود "إسرائيل" اليوم إلى عقيدة جابوتنسكي، حول الجدار الحديدي، والتي تعني أن "إسرائيل" يجب أن تكون محاطة بجدار من الحديد الصلب (بصورة مجازية)، أي أنها يجب أن تتمتع بالقوة العسكرية الفائقة، بحيث إن من يحاول مقاومتها يضرب رأسه بجدار من الحديد الصلب ويفشل.هذه القوة تسهم في الحرب النفسية والإعلامية التي تزرع في قلوب العرب والفلسطينيين فكرة أن "إسرائيل لا تقهر"، وبالتالي على كل عربي أن يذعن لما تريده "إسرائيل" لأنه أضعف وأعجز عن هزيمتها وعن تغيير الواقع.

وعلى هذا الأساس، تتحرك "إسرائيل" اليوم وفق ثلاثية واضحة:

1. جرّ لبنان إلى مواجهة واسعة

كي تُعيد فرض موازين قوى جديدة، تجعل لبنان أشبه بالضفة الغربية، أو الجنوب السوري، حيث تتوغل ساعة تشاء، تقضم الجغرافيا وتقيم مناطق عازلة.

2.    نسف المسارات العربية–الإقليمية
التي تبحث عن تفاوض ووقف لإطلاق النار، لأن أولوية نتنياهو والقادة الإسرائيليين هي استمرار الصراع، واستمرار التوتر – أقله- حتى الانتخابات الإسرائيلية العام المقبل.

3.  إظهار حزب الله كقوة مكشوفة عبر ما يلي:

أ‌- عمليات "نوعية" أو "مدروسة" تهدف إلى الإيحاء بأن "إسرائيل" قادرة على النفاذ إلى عمق البنية الأمنية.

ب‌- تغيير قواعد اللعبة بالكامل، ليس فقط احتواء السلاح، بل فرض حدود لدوره وإرسال رسالة بعدم جدوى حمل السلاح. 

ت‌- تصوير الحزب كعاجز، وزرع الشك داخل بيئته. مع العلم أن التجربة تفيد بأن قاعدة الحزب تعرف جيدًا الطبيعة العدوانية الإسرائيلية، وحجم التضحيات السابقة، وأن الحزب لا يتهرّب من المواجهة حين تصبح ضرورية. وبالتالي، وبالرغم من الحرب الإعلامية التي تحاول تصوير الوضع في لبنان وكأن هناك تململاً شعبياً من عدم رد الفعل، لكن الواقع هو أن أي تململ من العدوان الإسرائيلي ومن عدم القدرة على الفعل أو ردّ الفعل، هو تململ وطني من استباحة السيادة، وليس تململًا بسبب عدم ردّ حزب الله على الاعتداءات الإسرائيلية.

إن ما سبق، يجعل لبنان أمام معادلة معقّدة مؤلفة من سيناريوهين:

· السيناريو الأول: الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية اليومية، ما يعني إعطاء نتنياهو ما يُعرف باسم "ذريعة الحرب" casus belli اللازمة للذهاب إلى تصعيد كبير يخلط الأوراق، ويعطي "شرعية" للتوحش والقصف في لبنان.

· السيناريو الثاني: عدم الرد والذي يعني السماح لـ"إسرائيل" بمتابعة التصعيد التدريجي، خصوصًا الاعتداءات الميدانية اليومية، واستمرارها في استخدام القضم المتدرج والاستنزاف المكلف، تحت سقف الحرب المكلفة.

بالنتيجة، يتعامل لبنان اليوم مع محاولة إسرائيلية واضحة لجرّه إلى حرب شاملة، وهذه ليست حربًا يمكن للبنان أن يخوضها في ظل غياب توازن القوى، وفقدان الردع، والضوء الأخضر الأميركي الذي تتمتع به "إسرائيل" في حركتها غير المقيدة في كل من سوريا ولبنان وفلسطين، والتي ستؤدي إلى تدمير لبنان، وهو ما يريده الإسرائيليون. من هنا، يصبح ضبط النفس خيارًا استراتيجياً بامتياز.

في هذه الحالة، يمكن الاستناد إلى مقولة صن تزو "يجب أن تعرف متى تقاتل ومتى تتجنب القتال" أي أن لبنان يجب ألا ينزلق إلى المواجهة في توقيت لا يناسبه، خاصة في ظل حديث عن مبادرات عربية قد تؤدي إلى دفع الأميركيين إلى الضغط على "إسرائيل" لوقف الاعتداءات والذهاب إلى مفاوضات مع لبنان لتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع في تشرين الثاني 2024.