لماذا لا تخرج تركيا قواعدها من العراق؟

يخشى العراق  من سعي أنقرة لإقامة قواعد عسكرية ثابتة لها في شمال البلاد، بذريعة عدم امتثال مقاتلي حزب العمال الكردستاني لدعوة زعيمه عبد الله أوجلان والخاصة بتفكيك الحزب وتسليم سلاحه.

0:00
  • أنقرة والعراق.. ماذا يحدث؟
    أنقرة والعراق.. ماذا يحدث؟

قرار حزب العمال الكردستاني بالتخلي عن الكفاح المسلح وحلّ نفسه يعني إنهاء حقبة من تاريخ الصراع  العسكري في جبال قنديل، والعنف السياسي الواسع النطاق في تركيا، وهو امتثال لدعوة زعيمه المسجون عبد الله أوجلان بالتخلي عن السلاح وإعلان وقف فوري لإطلاق النار، يؤدي إلى إنهاء النزاع المسلح مع تركيا، المستمر منذ أكثر من 40 عاماً، والذي أودى بحياة عشرات الآلاف. وتفيد بعض التصريحات التركية بأنه سيتم إنشاء ستة مراكز لتسليم الأسلحة في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية في حكومة إقليم كردستان العراق، وستكون تحت إشراف الأمم المتحدة.

لكن، يخشى العراق  من سعي أنقرة للتوغل أكثر وإقامة قواعد عسكرية ثابتة لها في شمال العراق، بذريعة عدم امتثال مقاتلي حزب العمال الكردستاني لدعوة زعيمه عبد الله أوجلان، والخاصة بتفكيك الحزب وتسليم سلاحه.

الرئيس العراقي وملف الوجود التركي في العراق 

في زيارته إلى أنقرة، سعى رئيس الوزراء العراقي السوداني إلى وضع جدول زمني يتضمن انسحاباً قريباً من جانب القوات التركية إلى المسافات المتفق عليها بين الجانبين، خاصة في ظل انتهاء مهمتها بتمشيط منطقة الحزام الآمن في شمالي العراق، وهو ما يعني أن بغداد باتت ترغب في إنهاء مهمة التوغل العسكري التركي في إقليم كردستان واستبداله بنمط جديد من العلاقات الأمنية المشتركة التي تقوم على "ضبط الحدود" بين الجانبين، عبر تفاهمات مشتركة يحافظ من خلالها العراق على سيادته ووحدة أراضيه. 

أتت زيارة السوداني قبيل انعقاد اجتماع القمة العربية في بغداد يوم 17 أيار/مايو 2025، فضلاً عن الوضع في منطقة الشرق الأوسط حيث يحتل ملف الوجود العسكري التركي في شمال العراق مقدمة الملفات التي ناقشها رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى مع الرئيس التركي إردوغان. كانت أنقرة  قد أبرمت "اتفاقاً أمنياً" تعاونياً مع الحكومة العراقية تضمن قيام أنقرة بحملة عسكرية في شمال العراق لملاحقة عناصر حزب العمال في مناطق تمركزهم في منطقة جبال قنديل وقضاء سنجار.

يبدو أن مرونة بغداد منحت التدخل العسكري بعض الشرعية على الأراضي العراقية، إلا أن استمرار الوجود العسكري التركي في شمال العراق والممتد من شمال العراق إلى شمال سوريا، وزيادة عدد القوات التركية بصورة متتالية خلال السنوات الماضية تسبب بانتقادات للسوداني من قبل القوى والأحزاب السياسية في الإطار التنسيقي، وكان الاتفاق  بين بغداد وأنقرة  قد منحها مسافة لا تزيد على 40 كيلومتراً، تنتهي بنهاية العملية، إلا أن تركيا توغلت لمسافة تزيد على 140 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية.

في مطلع أيار/ مايو الجاري، دعا مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي إلى انسحاب حزب «العمال» والقوات التركية من شمال العراق في حال إتمام اتفاق السلام بين الطرفين المتحاربين. وقال في حينها «لا نريد حزب العمال الكردستاني على أراضينا ولا الجيش التركي". 

أنقرة والعلاقة مع إقليم كردستان 

شارك القادة الكرد العراقيون في مبادرة إلقاء السلاح، وهم يرون أن هذه العملية ستخلق أساساً للحوار بين الكرد في سوريا والعراق. إلقاء حزب العمال الكردستاني أسلحته سيسهل علاقات كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وأنقرة والسليمانية.

إلا أن الانقسامات التاريخية ومناطق النفوذ ستظل حاسمة في السياسة الإقليمية، وقد يشهد الإقليم تحوّلاً أمنياً كبيراً في حال تنفيذ عملية السلام مع الحزب، شريطة أن تقترن بخطوات قانونية وسياسية جدية من أنقرة، ويزيل مبررات بقاء القوات التركية داخل الإقليم، ما يفتح الباب أمام إعادة انتشار قوات حرس الحدود العراقية، واستقرار المناطق الحدودية مع تركيا وإيران.

تطمح تركيا أن يساهم الاستقرار الأمني في تعزيز حركة التجارة، بما في ذلك خط أنابيب النفط الذي يربط الإقليم بتركيا.

نجاح الخطوة الحالية يمهد الطريق أمام الإقليم لتنفيذ خطط وبرامج لإعمار وتنمية القرى التي لم تشهد مشاريع خدمية وتنموية حقيقية منذ أكثر من 30 عاماً.

وكان التوتر والحذر والشك قد طغى بين أنقرة والسليمانية في إقليم كردستان لأسباب سياسية وأمنية واقتصادية معقدة، منها الاتهام التركي للحزب الوطني الكردستاني ولجهات في السليمانية، بقيادة بافل طالباني، بالتعاون أو التساهل مع نشاطات العمال الكردستاني.

وكانت أنقرة قد أغلقت مجالها الجوي أمام رحلات من مطار السليمانية؛ بسبب ما ادّعت أنه تهديد أمني واستخباري بعد تضييق العمل على استخباراتها في الإقليم على عكس علاقتها مع أربيل وحزب الاتحاد الديمقراطي، وتأمل تركيا في تحسن العلاقات مع كل الأحزاب في الإقليم.

لماذا لا تخرج تركيا من العراق؟ 

يرتبط استمرار الوجود العسكري التركي في شمال العراق، حتى في حال نزع سلاح حزب العمال الكردستاني أو إضعافه بشكل كبير، بمجموعة من العوامل الاستراتيجية والأمنية والسياسية، أولها العمق الاستراتيجي وأمن الحدود، إذ تعدّ تركيا شمال العراق - وخاصةً مناطق مثل جبال قنديل وسنجار - منطقةً حيويةً لأمنها القومي. وحتى مع نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، من المرجح أن ترى تركيا استمرار الوجود ضرورياً ومنع عودة ظهور حزب العمال الكردستاني أو غيره من الجماعات الكردية المسلحة.

لذلك، تريد مراقبة طرق التسلل والتهريب عبر الحدود. ويهمها الحفاظ على منطقة عازلة ضد أي زعزعة استقرار محتملة أو نشاط مسلح.

 يتمتع شمال العراق، وخاصةً إقليم كردستان، بأهمية جيوسياسية تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها على حكومة إقليم كردستان، وموازنة الوجود الإيراني والأميركي في العراق، والحفاظ على نفوذها في المناطق الكردية في سوريا والعراق، حيث تُعدّ حركات الحكم الذاتي الكردية ذات آثار أوسع نطاقاً.

بنت تركيا شبكة من القواعد والمواقع العسكرية في كردستان العراق على مدى العقد الماضي. ويمكن اعتبار تفكيك أو سحب هذه المنشآت بمنزلة خسارة للتفوق العسكري، وإشارة ضعف أمام المنافسين أو الفصائل الكردية.

 تلعب الاعتبارات السياسية الداخلية دوراً، إذ تستخدم الحكومة التركية العمليات والوجود العسكري في العراق كجزء من خطابها السياسي القومي. وقد يكون الانسحاب مكلفاً سياسياً إذا تم تصويره على أنه تنازل للمسلحين الكرد. إضافة إلى عدم يقينها بشأن نزع سلاح حزب العمال الكردستاني، لا تثق تركيا تماماً بالعملية أو استمرارها. 

 لا يرتبط الوجود التركي بحزب العمال الكردستاني فحسب، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تشمل الأمن والنفوذ والموقع الإقليمي الطويل الأمد.
 
وكان حزب العمال الكردستاني قد أعلن حلّ نفسه، ونشرت قيادات الحزب قرارات اجتماعات قيادتها، والتي تمت في الفترة من 5 وحتى 7 أيار/مايو الجاري، وبما أن مجمل القراءات تذهب إلى أن حسم وإغلاق ملف حزب "العمال"، إذا كان ممكناً، فهو يتطلب وقتاً طويلاً وخطوات متعددة، وهذا يعني أنه في المدى المنظور، ستبقي تركيا على وجودها العسكري في العراق كما هو.

بيد أن المطلوب من الحكومة العراقية العمل والتهيئة للمرحلة أو المراحل المقبلة، وترتيب الأوراق بنسق آخر، لوضع مطلب أو خيار إنهاء الوجود التركي في مقدمة المطالب والخيارات، وربطه بالملفات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين بغداد وأنقرة، كمشروع طريق التنمية، والاستثمارات الواسعة لعشرات الشركات التركية في السوق العراقية في مختلف القطاعات، وتنسيق المواقف في بيئة إقليمية مضطربة دوماً، تتداخل وتتشابك فيها المصالح والحسابات والتوجهات.