موقف الإسلاميين المغاربة من الحرب على إيران

موقف الإسلاميين المغاربة، ممثلاً بحزب العدالة والتنمية وبقية المكونات والتنظيمات الإسلامية، مسانداً لإيران، ويرى أن الوقوف إلى جانب إيران في مواجهة العدوان الصهيوني واجب أخلاقي.

  •  الجدل في المغرب تجاه الموقف من الحرب على إيران لا يقتصر على التيار الإسلامي.
    الجدل في المغرب تجاه الموقف من الحرب على إيران لا يقتصر على التيار الإسلامي.

أعادت الحرب الإسرائيلية على إيران والموقف منها جدلية السياسي والديني كمحددين ضابطين لمواقف الإسلاميين على اختلاف خلفياتهم وتوجهاتهم ومشاربهم في المنطقة عموماً وإسلاميي المغرب على وجه الخصوص؛ وإضافة إلى ذلك المحدد المذهبي كمحدد آخر بدا ذا تأثير ضابط لمواقف الإسلاميين في عموم المنطقة من الحرب الإسرائيلية على إيران؛ والحقيقة أن مواقف الإسلاميين لم تخلُ من الجدل رغم وضوح الحرب وأطرافها وأهدافها، بل إن بعض مواقف الإسلاميين في المنطقة شهدت التباساً، وتشويشاً غير منطقي وغير موضوعي، والملاحظ أن موقف الإسلاميين في المغرب قد نجا من تلك الجدلية وحسم موقفه من الحرب الإسرائيلية على إيران بالانحياز الى إيران.

جاء موقف الإسلاميين المغاربة، ممثلاً بحزب العدالة والتنمية وبقية المكونات والتنظيمات والجمعيات والشخصيات الإسلامية، مسانداً لإيران، ويرى أن الوقوف إلى جانب إيران في مواجهة العدوان الصهيوني واجب أخلاقي وديني، وأن هذه الحرب معركة وجودية ضد الكيان الصهيوني، وقد تميزت شعارات الموقف الإسلامي المغاربي بخطاب الأمة الواحدة الذي يرى في القضية الفلسطينية جوهر الصراع في المنطقة.

وأدانت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المغربي، ما وصفته بـ"العدوان الصهيوني الإرهابي الغادر" الذي استهدف عددًا من المدن الإيرانية مساء الخميس 12 حزيران/ يونيو 2025، وأدى إلى استشهاد عدد من المدنيين والقيادات العسكرية الإيرانية. وعبّر حزب العدالة والتنمية المغربي في بياناً له عن تضامنه الكامل مع الشعب الإيراني، مقدمًا تعازيه بضحايا الهجوم، ومشدّدًا على أن ما حدث يمثل "انتهاكًا صارخًا لكل القوانين والمواثيق الدولية، وسط صمت دولي مريب وتواطؤ أميركي غير مشروط".

وأكد الحزب أن الكيان الصهيوني "أضحى كيانًا مارقًا يتصرف فوق القانون الدولي، ويهدد بسياساته المتطرفة سيادة دول المنطقة وأمنها"، مشيراً إلى أن العدوان الأخير على إيران ليس معزولًا، بل يأتي ضمن سلسلة من الهجمات التي تستهدف لبنان وسوريا واليمن وفلسطين.

ودعا حزب العدالة والتنمية في بيانه مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، وكل "عقلاء العالم"، إلى التحرّك العاجل لإدانة هذه "الحروب المجنونة" التي يشنّها الاحتلال، محذرًا من أن استمرار العدوان قد يقود المنطقة والعالم إلى حالة غير مسبوقة من الفوضى وانعدام الأمن.

ولم يتردد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، في الإشادة بإيران، واصفاً إياها بأنها "الدولة الوحيدة التي تدعم فلسطين فعلياً". وفي تجمع حزبي بمدينة بني ملال مؤتمر حزبي في 14 حزيران /يونيو2025، وفي موقف لافت، أعلن بنكيران دعمه لإيران رغم الخلافات المذهبية والسياسية، قائلاً: "إيران دولة شيعية ولها موقف سلبي من بلادنا، لكن حين هاجمتها "إسرائيل" نحن نساندها، لأنها الوحيدة التي لا تزال تدافع عن فلسطين". ووصف بنكيران "إسرائيل" بأنها "دولة مغتصبة وعدوة للأمة العربية والإسلامية". حتى بدا خطاب الرجل أقرب الى توبيخ بلاده، التي ترأس حكومتها سابقاً. 

وفي حوار خاص أجراه موقع مغرب تايمز مع بنكيران، للحديث عن قراءته لما يجري في المنطقة، وموقف حزبه من الحرب على إيران ومساندتها. قال: " هذا موقف فرضته علينا عقيدتنا، لأن "إسرائيل" دولة غاشمة احتلت أرضًا إسلامية يسكنها شعب مسلم وطردته منها. وفي الوقت نفسه، تواصل قتل إخواننا في غزة والضفة الغربية وفي أماكن أخرى".

ونشر الدكتور أحمد الريسوني، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو رابطة علماء المغرب سابقاً؛ تدوينة على صفحته في فيسبوك، قال فيها: "إن مساندة إيران في مواجهتها للعدوان الإسرائيلي واجب على المسلمين". موضحاً أنه منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، بل ومنذ قيامِ دولة الاغتصاب والعدوان "إسرائيل"، لم نرَ دولة لها من شدة الوفاء، ومن جسيم التضحية والبلاء، في نصرة القضية الفلسطينية، مثل ما رأيناه ونراه من الدولة الإيرانية الحالية، مبرزاً أنه "لا الدول العربية، منفردة ومجتمعة، ولا الدول الإسلامية، منفردة ومجتمعة، قدمت مثل ما قدمته إيران للقضية الفلسطينية، وللشعب الفلسطيني، وللمسجد الأقصى".

ويرى الرئيس السابق لاتحاد علماء المسلمين، أن "إيران الثورة واصلت دعمها للقضية الفلسطينية ولفصائل المقاومة الفلسطينية، وتجاوزت في ذلك المواقف الدبلوماسية والمساعدات الإنسانية، ودخلت طور التسليح والتدريب العسكري للمقاومة الفلسطينية، وهو ما لم تجرؤ عليه أي دولة عربية أو إسلامية أخرى"، وأضاف "كل ما تواجهه إيران من حروب عسكرية وسياسية واقتصادية واستخبارية، تشنها "إسرائيل" وأميركا، بدعم من الدول الاستعمارية، وبتأييد من بعض الأنظمة العربية، إنما هو بسبب مواقفها الصلبة مع فلسطين والمقاومة الفلسطينية".

وختم تدوينته بالتأكيد أن "الواجب على المسلمين مساندة إيران في مواجهتها للعدوان... و(هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)". وللموضوعية، فإن مقارنة موقف إسلاميي المغرب كجماعة أولاً وكأشخاص ثانياً بدا متقدماً جداً وموضوعياً وأممياً ووحدوياً مقارنة بمواقف إسلامية أخرى، بدت مؤسفة وغير موضوعية كموقف رابطة علماء المسلمين التي وضعت إيران وكيان الاحتلال في كفة واحدة محذرة مما سمّته بالاصطفاف.

إن تناول واختصاص موقف الإسلاميين المغاربة من الحرب الإسرائيلية على إيران مردّه إلى عدة اعتبارات يمكن إيجازها في التالي:

- خصوصية إسلاميي المغرب في قضية التطبيع على اعتبار أن التطبيع بين المغرب وكيان الاحتلال جرى في عهد حكومة إسلامية كان يقودها بن كيران، وقد اتُهم إسلاميو المغرب بأنهم مع التطبيع، ولكن موقفهم من الحرب على إيران بدا أكثر تقدماً ومساندة وفهماً ودراية.

وهذه مفارقة لأن الموقف من الحرب على إيران شهد جدلاً كبيراً داخل المغرب، وبينما انحاز الإسلاميون واليسار الراديكالي ممثلاً في حزب النهج الديمقراطي العمالي إلى إيران، بدت مواقف أخرى بين محددين: الأول رافض لدعم إيران ويصمت عن الموقف من كيان الاحتلال كالحركة الأمازيغية مثلاً، والثاني موقف رافض لدعم إيران ومدافع عن موقف كيان الاحتلال وأطلق على نفسه "كلنا إسرائيل". ويعبّر عنه أحمد الشرعي.

- أهمية الإحاطة باستقلالية موقف إسلاميي المغرب عن الموقف الرسمي من القضايا السياسية والإقليمية والدولية، ولا سيما في ظل انقطاع العلاقات المغربية الإيرانية منذ مطلع أيار/ مايو 2018. فرغم القطيعة بين المغرب وإيران، ورغم وجود تيار في المغرب يتقاطع مع المواقف الإسرائيلية، ورغم التطبيع المتدرج والمتدحرج، نجح إسلاميو المغرب في بلورة موقف متقدم مساند ومؤيد وداعم لإيران، ونجحوا من فخ وقع فيه كثير من التيارات والحركات والشخصيات.

- إن الحرب الإسرائيلية على إيران ليست مجرد حرب بين دولتين كروسيا وأوكرانيا مثلاً؛ بل هي حرب صهيونية على الأمة الإسلامية تستهدف مقدراتها ومكوناتها، وبالتالي من المهم جداً سياسياً وتاريخياً وفكرياً معرفة موقف الإسلاميين عموماً وإسلاميي المغرب على وجه الخصوص والإحاطة به وبقدرتهم على بلورة مواقف مستقلة وموضوعية، وتغلّب العام على الخاص، وتحلل من عقدة الديني والسياسي وايديولوجيا المواقف المُعدّة سلفاً.

خلاصة القول إنه على الرغم من أن موقف إسلاميي المغرب من الحرب على إيران قد بدا متقدماً وموضوعياً ومسانداً لإيران، إلا أنه لا يعني أن كل المكونات الإسلامية المغربية متفقة على ذلك وفي ذلك، وأن الاختلاف والخلاف في القضايا والمواقف لا يقتصران على المواقف السياسية الداخلية فقط، ولكنهما يمتدان إلى القضايا الخارجية والأممية رغم وضوحها. 

إن الجدل السياسي في المغرب تجاه الموقف من الحرب على إيران لا يقتصر على التيار الإسلامي فقط ولكنه يمتد إلى تيارات ومكونات فكرية وسياسية مغربية أيضاً وصلت حد القول "إن من يرفع راية إيران يسقط في امتحان الوطنية"، وهذا يعكس مزايدة سياسية داخلية أكبر وأكثر ممّا يعبّر عن مواقف سياسية من قضايا الأمة والاعتداء عليها.

لم يُخالف السلفيون المغاربة التوقعات، واحتكم موقفهم من الحرب على إيران على محددات مذهبية وأحكام مسبقة، بل واختلفوا وانتقدوا الإسلاميين المغاربة الذي ساندوا إيران في الحرب الصهيو_أميركية عليها، وقد خرج الداعية المعروف عبد الله نهاري في فيديو عبر قناته على "يوتيوب" ليرد على الإسلاميين الذين عبّروا عن موقفهم الداعم والمؤيد لإيران في مواجهتها مع "إسرائيل"، معتبراً أن كلا البلدين يعاديان الأمة.

والمفارقة أن النهاري سكت وصمت مثله مثل باقي التيارات السلفية عن حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على مدار أكثر من 620 يوماً متواصلة، بل إن بعض التيارات السلفية هاجم المقاومة الفلسطينية.

وإن كانت المواقف من الحرب على غزة قد كشفت بعض الأقنعة، فإن الحرب على إيران قد كشفت جميع الأقنعة. وفضحت المواقف العالقة بين جدلية السياسي والديني الأممي والقطري الجهوي والإسلامي. 

 

"إسرائيل" تشن عدواناً على الجمهورية الإسلامية في إيران فجر الجمعة 13 حزيران/يونيو يستهدف منشآت نووية وقادة عسكريين، إيران ترد بإطلاق مئات المسيرات والصواريخ التي تستهدف مطارات الاحتلال ومنشآته العسكرية.