نتنياهو وصراع البقاء في السلطة.. ماذا ينتظر "إسرائيل" في استحقاق 2026؟
انتخابات أكتوبر 2026 لن تكون مجرد استحقاق تنافس طبيعي بين أحزاب سياسية، بل تعد اختباراً حقيقياً ستحدد فيه طبيعة ومستقبل من يحكم "إسرائيل".
-
تذهب "إسرائيل" إلى استحقاق انتخابي في أكتوبر 2026 وهي أكثر انقساماً وضعفاً.
لم تعد الأزمة الداخلية في "إسرائيل" مجرد خلافات عابرة وصراعات على ملفات أمنية هامشية لأقطاب سياسية متعددة، بل أصبحت اختباراً محورياً يكشف اتجاهات استراتيجية مهمة.
تعيش "إسرائيل" واحدة من أكثر المراحل أهمية وحساسية منذ عقود، مرحلة تتداخل فيها مواقف الخارج بالداخل، وتتشابك فيها المواقف والضغوط الأميركية والدولية مع تحوّلات سياسية عميقة داخل التركيبة البنيوية في "إسرائيل".
في قلب هذه المرحلة، يقف نتنياهو بشخصه، يتصرف وكأن بقاءه السياسي مرادف لبقاء "إسرائيل" نفسها، في مواجهة تحديات متعددة اجتماعية وسياسية واقتصادية، وضغوط دولية أميركية غير مسبوقة تزداد عمقاً عشية انتخابات أكتوبر 2026
ما يجري في "إسرائيل" اليوم ليس إدارة أزمة بقدر ما هو محاولة لإعادة صياغة قواعد اللعبة السياسية لمصلحة نتنياهو مجدداً، إذ تختلط مصالحه مع رهانات المعركة الانتخابية القادمة، في الوقت نفسه يواجه ضغطاً متزايداً من الإدارة الأميركية وتراجعاً في الشرعية السياسية الداخلية، وتهديدات انتخابية قضائية قد تحدد مصيره السياسي.
ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية حديثاً يؤكد فعلياً أن الصراع الراهن في "إسرائيل" لم يعد مواجهة أمنية فحسب، بل تحوّل إلى معركة متعددة المستويات، حيث تتقدم مصالح نتنياهو الذي يعيش هوس الاستمرار في السلطة على أي تصور آخر، ومثل هذا الوضع لن يفضي بعد الانتخابات إلا إلى "إسرائيل" أكثر انقساماً وتوتراً داخلياً وخارجياً على الساحة الدولية.
ثمة أدوات وملفات رئيسية واضحة باتت مثار اهتمام مع اقتراب انتخابات أكتوبر المقبل، أهمها البرامج المالية للأحزاب المتطرفة، وكيفية احتواء اليمين الإسرائيلي، وإدارة العلاقات مع واشنطن، فكل قرار يصدر اليوم في "إسرائيل" بات محكوماً بحسابات البقاء السياسي لبنيامين نتنياهو، وحتى ذلك الموعد، وبشكل أدق، أو على الزاوية الأخرى من الصورة، بضمان تأمين تسوية سياسية قضائية تضمن مستقبل نتنياهو السياسي.
بعد تاريخ السابع من أكتوبر 2023 وما تبعه من تحوّلات إقليمية، أصبح نتنياهو محاصراً من اتجاهين: الاتجاه الأول من الخارج محكوماً بمواقف أميركية دولية، وسط مطالبات صريحة بضرورة اتخاذ قرارات ومواقف سياسية واضحة في ملفات ساخنة كالحرب في غزة وباقي الجبهات، وأخرى من الداخل حيث تتراجع الثقة وتتآكل بينه وبين مكونات داخلية أخرى، كما تتعمق الانقسامات بين اليمين الإسرائيلي المتطرف والمؤسسة العسكرية والمعارضة ومعها مجتمع المستوطنين، إلا أن نتنياهو لا يتعامل مع كل هذه الاعتبارات كرئيس لائتلاف حكومي يسعى لصياغة استراتيجية عامة، بل يعمل كلاعب سياسي "مصلحجي" ويبحث في كل خطوة عن كيفية تحويل كل أزمة تواجهه إلى فرصة للبقاء السياسي.
وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المشهد ألقى بظلاله وأضاف شيئاً من التعقيد على العلاقات الأميركية-الإسرائيلية، ولو لاحظنا الرئيس ترامب وإدارته التي ترغب في فرض حل للحرب على قطاع غزة، كيف كان نتنياهو يحاول اللعب على توازنات تضمن مسيرته سياسياً، ولكن من بوابة استرضاء واشنطن بالقدر الذي يضمن استمرار الدعم العسكري والسياسي معاً، من دون تقديم مواقف وتنازلات جوهرية قد تغضب اليمين الإسرائيلي المتطرف أو تؤدي إلى سقوط ائتلافه الهش.
ثمة مؤشرات واضحة تدلل أن نتنياهو مستعد لتغيير مواقفه في ملفات كان سابقاً يرفضها، أو بشكل أدق يرفض النقاش فيها ، لكنه في هذه المرحلة من الملاحظ أنه يفعل ذلك بشيء من المرونة والاضطرارية، لكنها حتى اللحظة لا تعكس تحوّلاً استراتيجياً في المواقف، بل تندرج تحت حسابات محكومة بمنطق النجاة السياسية، أي الهدف منها تقديم تنازلات دقيقة ومحسوبة للإدارة الأميركية، ليس لأن ذلك يخدم رؤية تصب في مصلحة "إسرائيل"، بل لأنه بات يدرك أن خسارة الدعم الأميركي تعني على الفور انهيار وسقوط ائتلافه، وربما فتح الباب مجدداً لملفاته القضائية في وقت يسعى الرئيس ترامب لضمان إصدار عفو عام عن كل القضايا الموجهة إليه، وهذا ما أكدته الرسالة الأخيرة من ترامب إلى الرئيس هرتسوغ.
من يدقق في المشهد الإسرائيلي الداخلي يصل إلى نتيجة آنية واضحة، "إسرائيل" في حالة شد دائمة، وتبدو أكثر انقساماً وفقداناً في البوصلة مما كانت عليه قبل الحرب على غزة، الأزمة القضائية التي فجّرها نتنياهو قبل عامين لم تحل، تجنيد الحريديين ما زال يشكل قنبلة موقوتة بين اليمين الإسرائيلي المتطرف والآخر العلماني، في وقت بات نفوذ اليمين الإسرائيلي المتطرف يزداد ولم يعد قوة هامشية بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من صناعة القرار، والشريكان بن غفير وسمويترتش تحوّلا إلى شريكين أساسيين في الحكومة، مستفيدين من توفر ميزانيات ضخمة ودعم سياسي يسمح لهما اتخاذ قرارات وخطوات عملية في الضفة الغربية لتجسيد السيطرة الأمنية هناك. على الوجه الآخر من المشهد، الاقتصاد الإسرائيلي يعاني ويسجل تراجعاً في قطاعات عدة، والمكانة الدولية لـ"إسرائيل" تضررت بشكل غير مسبوق.
هذا التحالف بين بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف في حقيقته يندرج تحت عنوان الرهان الاضطراري لضمان بقاء ائتلافه قائما حاكماً، حتى في قراره الأخير بإشراك وزراء اليمين في لجنة تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب لوقف إطلاق النار لم تكن قراراً عبثياً، بل هي خطوة مقصودة من نتنياهو ليس لإحراجهم أمام واشنطن فحسب، بل محاولة مقصودة لنقل جزء من المسؤولية إليهم وتوريطهم وتقييدهم من أي محاولة للانشقاق قد تؤدي إلى انهيار الحكومة حتى تاريخ الانتخابات.
نتنياهو بطريقته المعروفة يعمل باستراتيجية إدارة اللحظة، وهذه الاستراتيجية باتت مكشوفة، إذ يعمل على خطين متوازيين: الأول يشكل تحدياً أمام المجتمع الدولي لكسب دعم اليمين الإسرائيلي المتطرف، وفي الوقت ذاته إرسال رسائل إلى الإدارة الأميركية لتجنب أي صدام مباشر محتمل، وهي سياسة على مدار الفترة الماضية أثبتت فعاليتها في حماية نتنياهو وحياته السياسية تحديداً، لكنها على الزاوية الأخرى، تدخل "إسرائيل" في حالة مستمرة من التوتر الداخلي وانعدام اليقين بالمستقبل.
تشكل الانتخابات القادمة في أكتوبر 2026 معركة حياة أو موت بالنسبة إلى نتنياهو تحديداً، ومع قرب هذا الاستحقاق الانتخابي بات واضحاً أن كل قرار في "إسرائيل" يتخذ محكوم بمعادلة البقاء حتى ذلك الاستحقاق، وكل الأدوات التي ذكرتها سالفاً تشكل أدوات ضمن خطة هدفها الأساسي الحفاظ على الائتلاف حتى استحقاق الانتخابات أو التوصل إلى صفقة قضائية تضمن لنتنياهو إنهاء مسيرته السياسية من دون الذهاب إلى السجن بإصدار عفو محتمل.
المعارضة في "إسرائيل" ليست ببعيدة عن المشهد هذا، لكنها غير مؤثرة جوهرياً، ورغم انتقاداتها الشديدة لسلوك نتنياهو وحكومته، لكنها تبنّت خطاباً أشد تطرفاً في قضايا الاحتلال والصراع مع الفلسطينيين، ما أفقدها القدرة على تقديم بديل حقيقي، فهي في الظاهر تنتقد نتنياهو لكنها لا تختلف جوهرياً عنه في الملفات والقضايا الاستراتيجية، خصوصاً في الحرب على غزة وشكل الصراع مع الشعب الفلسطيني وطبيعته، وهذا يجعل من المعركة الانتخابية القادمة في "إسرائيل" أكثر ضبابية، لكنها ستكون أكثر شراسة وضراوة.
تذهب "إسرائيل" إلى استحقاق انتخابي في أكتوبر 2026 وهي أكثر انقساماً وضعفاً على الصعيد الداخلي، وأكثر عزلة وتوتراً على الصعيد الدولي، ووسط هذه الأزمة يقف نتنياهو لاعباً رئيسياً على كل التناقضات، مستفيداً من الانقسامات، مناوراً بين ضغوط داخلية وأخرى خارجية وحسابات الداخل ليست ببعيدة عن كل هذا، لكنه في هذا الطريق لا يقود "إسرائيل" نحو رؤية استراتيجية أو حلول طويلة المدى بل نحو رؤية لحظية آنية هدفها واحد، ضمان بقاء نتنياهو على رأس الهرم السياسي في "إسرائيل"، ومثل هذه اللحظة تكشف لنا نتيجة جوهرية مفادها، أن "إسرائيل" اليوم ليست في معركة سياسية طبيعية، بل تعيش دوامة معركة تعريف ذاتها التي أنشئت عليه عام 1948، ولعل أهم التساؤلات التي يمكن أن تطرح في هذا الصدد، هل من يحكمها اليوم مؤسسات بالفعل أم دكتاتور العصر في "إسرائيل" متمثلاً بنتنياهو.
في تقديري، انتخابات أكتوبر 2026 لن تكون مجرد استحقاق تنافس طبيعي بين أحزاب سياسية، بل تعد اختباراً حقيقياً ستحدد فيه طبيعة ومستقبل من يحكم "إسرائيل" في ظل مستجدات حاضرة أهمها وصاية أميركية وضغوط دولية متزايدة وعزلة دولية وواقع داخلي بات يتآكل شيئاً فشيئاً.