هل نحن أمام حرب لم تكتمل بين "إسرائيل" وايران ؟

سياسة ترامب الخارجية لا تقل جنوناً عن سياسة بوش الابن وتثبت مأزق قيادته التي تعتقد أن الصفقات يجب أن تتم إما بالتراضي أو بالقوة. 

0:00
  • يشهد النظام العالمي تحولًا واضطرابات كبيرة.
    يشهد النظام العالمي تحولًا واضطرابات كبيرة.

يشهد النظام العالمي تحولًا واضطرابات كبيرة لا يمكن لدولة واحدة إدارته مع الحرب أو من دونها، حتى لو تفاخرت بقدرتها على إنهاء الحروب، كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية مع الرئيس دونالد ترامب، الذي أكد أن بمقدوره إحلال السلام في غزة وكييف، وأوضحت الضربة الإسرائيلية ضد إيران، أنه استجاب إلى الحرب لا إلى مقولة السلام.

فعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما أقسم أنه لن يفعله، وهو إقحام الولايات المتحدة في حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط، المشتعلة أصلاً بالأزمات.

جاءت الضربات الأميركية بعد فشل محادثات 20 حزيران/يونيو في جنيف، بين مسؤولين أوروبيين وإيرانيين، في تحقيق اختراقات جوهرية تتعلق بتخلّي طهران عن تخصيب اليورانيوم على أراضيها.

وكان التنسيق واضحاً بين الجيشين الأميركي والإسرائيلي، وأول استخدام عملي للقنبلة الخارقة والذخائر الضخمة، هذه العملية هي ثمرة تخطيط طويل الأمد، جرى على مدى سنوات وليس وليد اللحظة، وأظهرت الضربة قدرات الجيش الأميركي الفائقة، لكن رغم الدقة في التنفيذ لم تتبيّن الولايات المتحدة الضرر الذي لحق بعناصر البرنامج النووي .

التغير في  ثوابت الساسية الأميركية  تجاه إيران 

بدا الرئيس الأميركي سريع الانفعال عندما يتعلق الأمر بفشل  المفاوضات، رافضاً الظهور بمظهر الضعيف. القادة ذوو الأنانية المتضخمة، يميلون إلى استبدال المسائل الجوهرية بالعروض التسووية، وإن لم ينجحوا، يذهبون إلى تبني المخططات الخطرة لإثبات قوتهم، وهو يقوم اليوم بانتشال نتنياهو، حليفه، من المحاكمة الداخلية في "إسرائيل"،  والخارجية عبر المحكمة الدولية،  التي يجري يومياً الضغط عليها من أجل إبراء القيادة الإسرائيلية.

تقوم إدارة ترامب  بمحاولة إيجاد مخرج لوقف إطلاق النار وتسليم الرهائن في غزة، وبهذه الخطة تحقق مسألتين: الأولى هي الإيحاء بأن الضربة على إيران حققت مبتغى "إسرائيل"، ونتنياهو الذي كان يعتبر أن إيران هي الأساس في عملية طوفان الأقصى وعداءها لـ"إسرائيل" هي ومحور المقاومة مَن تسبب بـ7 أكتوبر، وكانت تخصّب اليورانيوم لإنتاح سلاح نووي سيقضي على "إسرائيل". هذه الحجة بنظر ترامب تعطي "إسرائيل" الحق في الضربة الاستباقية. 

أما المسألة الثانية فتتمثل في اضطرار أميركا للتجاوب مع نداء حليفها "إسرائيل" وتوجيه ضربة إلى المفاعلات النووية الإيرانية بعد إصرارها على التخصيب بعد المفاوضات، وبذلك يكون ترامب قد أعطى إيران فرصة التفاوض وهي رفضتها،  فكانت الضربة.

تخفي هذه الحجج الاستعدادات والتدريبات الني تدور منذ سنوات بين الحليفين الأميركي والإسرائيلي، حيث إن الإعداد للضربة بدأ منذ أن قررت "إسرائيل" ضرب محور المقاومة وتوّجته بالضربة على دفاعات إيران في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2024.

هل أدخلت واشنطن المنطقة في حرب جديدة؟

وجّه الهجوم الأميركي "صفعة قوية" للدبلوماسية والمفاوضات مع طهران التي وافق ترامب على استكمالها.

الضربة وُجّهت إلى إيران قبل يومين من الموعد المحدد، لم يؤدِّ الهجوم إلى إسقاط النظام، لكن يمكن أن يقود إلى "تعطيل" البرنامج النووي الإيراني، ومن المرجح أن يتم إصلاحه من أجل الاستمرار، فالمعدات والمرافق النووية المدمرة قابلة لإعادة البناء.

لكن التداعيات السلبية والبالغة الخطورة انعكست على مستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة، لم تلحظ العملية الآثار الاقتصادية أو البيئية، أو حتى إمكانية وجود مواد مشعة من خلال الضربة، هل جرى حسبان معنى الضربة التي يمكن أن تؤدي إلى تضعضع النظام في إيران، إن لم تعمل القيادة على استعادة الردع وحماية أجوائها دعماً لاستقرارها.

بلد بحجم إيران، يقع على طرق تجارية مهمة، الأمر الذي بإمكانه تشكيل عدد من التحديات الأمنية الصعبة أمام دول المنطقة والعالم.

 قرار ترامب شن الهجوم العسكري على منشآت إيران النووية يعتبر مخاطرة، فهو لم يحسب حساب الأمن الإقليمي، وهي "مقامرة متهوّرة" يمكنها إغراق الولايات المتحدة في رمال الشرق الأوسط المتحركة، وكذلك خلق أزمة للسياسة الأميركية التي باتت أكثر تخبطاً.

مثّل التدخل الأميركي باستهداف مواقع المفاعلات النووية الإيرانية، تحولاً استراتيجياً في مسار معالجة السياسة الخارجية الأميركية لتفاعلاتها مع إيران، التي كانت محدداتها تقوم على استبعاد فكرة الانخراط فى مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، وإدارة ملف البرنامج النووي الإيراني وفقاً لمسار دبلوماسي يعتمد المفاوضات كآلية أساسية في هذا الشأن.

هذا يدل على أن سياسة ترامب الخارجية لا تقل جنوناً عن سياسة بوش الابن، وتثبت مأزق قيادته التي تعتقد أن الصفقات يجب أن تتم إما بالتراضي أو بالقوة. 

الموقف الإيراني 

أبدت إيران قدرة لافتة على الصمود أمام الاستهدافات الإسرائيلية، رغم حالة الاختراق الاستخباري الواسعة، ورغم الخسائر المادية والعسكرية والبشرية التي لحقت بها، انتقلت من حالة الصدمة إلى حالة الردع  واستهداف البنية الداخلية في "إسرائيل"، من مراكز عسكرية وموانئ ومحطات للطاقة ومراكز بحثية عسكرية مهمة.

أحدثت صواريخها البالستية صدمة لدى المجتمع الإسرائيلي، ما أدى إلى انكشاف نظام القبة الحديدية على أنواعها، كأداة حماية أمنية عسكرية ضد القدرة الصاروخية والمسيرات الإيرانية، الأمر الذى طرح تساؤلات حول  موضوع الربح والخسارة لكل من إيران و "إسرائيل"،الذي دخل  فيه الإعلام  والاستخبارات في جدل كبير ولا يزال. الردّ الإيراني نابع من إدراك لموازين القوى والمخاطر، الدقيق في أهدافه والحريص على ضبط التصعيد بشكل يظهر صورة قوة لا صورة ضعف، استكملت إيران ضرباتها الصاروخية، ما  قد يجعل الحرب مفتوحة،  فيما تبيّن أن معادلة الردع لم تعد حكرًا على طرف واحد. ثمة تطور يقول بأن إيران استطاعت فرض معادلة ردع التي لم تستطع تحقيق أهداف النصر الذي كانت ترغب في تحقيقه، رغم ادعاءات نتنياهو وترامب القضاء على البرنامج النووي، وهي التي احتفظت بمخزون اليورانيوم المخصب. 

 قرار وقف هذه الحرب، سيمكّن الفريقين من إعادة ترتيب الأوراق والأدوات، ولا سيما حاجة "إسرائيل" إلى مراجعة منظومتها الدفاعية بعد فشلها في التصدي للصواريخ الإيرانية.

كشفت الحرب حدود القوة ومكامن الضعف لدى الطرفين، الفارق هو أن إيران لن تتنازل عن برنامجها النووي رغم الأضرار التي لحقت بمنشآتها، وأن محاولة "إسرائيل" النصر من الضربة الأولى سقطت بفعل الرد الصاروخي الإيراني الاستراتيجي. هل نحن أمام حرب غير مكتملة لم تنتهِ فصولها؟ الأرجح أن نكون كذلك.