هل هُدّد نتنياهو أم قايض للموافقة على صفقة الأسرى؟

ترامب، النرجسي الاستعراضي، يريد أن يظهر بمظهر القائد القادر على الوفاء بوعوده أمام العالم، ولذلك ذهب للمفاخرة، وقبل أن يُعلن عن الصفقة بشكل رسمي من قبل الوسطاء، بأنها كانت ثمرة انتخابه وجهده. 

0:00
  • عين نتنياهو الأخرى ترنو إلى استكمال مشروع أبراهام التطبيعي.
    عين نتنياهو الأخرى ترنو إلى استكمال مشروع أبراهام التطبيعي.

لم يعد خافياً أن نقطة التحوّل الفاصلة في مسار الجولة الحالية من مفاوضات صفقة الأسرى كانت اللقاء الذي عُقد نهاية الأسبوع الماضي بين رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو والمبعوث الجديد للشرق الأوسط ستيف ويتكوف.

ما رشح عن هذا اللقاء، الذي قيل إنه كان "متوتراً"، سمح بتحقيق تقدم في المفاوضات الراهنة، إذ بذل كبير مساعدي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب جهداً للتأثير على نتنياهو في جلسة واحدة أكثر مما فعله الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن طوال عامٍ مُنصرم.

خلال الاجتماع، حثّ ويتكوف نتنياهو على قبول التنازلات الرئيسية اللازمة للتوصل إلى اتفاق، وقد فعل رغم ما تُرَتِبُه هذه الصفقة عليه من أحمال ثقيلة مع شركائه الرافضين لها في الائتلاف الحاكم، ومع الداخل الإسرائيلي الساخط الذي يتساءل لماذا يقبل نتنياهو الآن بما رفضه قبل سبعة أشهر مع فارق الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها "إسرائيل" في أسراها و"جيشها" واقتصادها!.

والأهم ما الذي سيفعله نتنياهو للتملّص من أعباء المرحلتين الثانية والثالثة من الصفقة، والتي يُفترض أن تنتهي بانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من القطاع وعودة النازحين إلى شماله وإنهاء الحرب والبحث في ترتيبات الإعمار وحُكم القطاع! 

فهل غابت عن نتنياهو هذه الأثمان "الثقيلة" وهو "ينصاع" لرغبات سيد البيت الأبيض القادم، أم أن طموحه وطمعه في الحصول على جملة من الامتيازات المتعلقة في جزء منها به شخصياً، وفي شقها الأكبر ببقاء ائتلافه الحاكم وتحقيق رغباته وأطماعه التي تتجاوز حدود الجغرافيا الفلسطينية، هو ما أدى به إلى مقايضة الحليف الأميركي على القبول بالصفقة في مقابل الحصول على حزمة من المنافع! 

إذا ما بدأنا بما يمكن أن يحصل عليه نتنياهو على المستوى الشخصي من الإدارة الأميركية، لقلنا إنه بالتأكيد يضع نصب عينيه قضية التخلص من قرار محكمة الجنايات الدولية القاضي باستصدار مذكرة اعتقال بحقه، بما يُمكّنه من أن يجوب العالم بحرية من دون الخشية من الاعتقال، سواءً بقي في رئاسة الوزراء أم غادرها، ولا شك أنه يريد بشدة من الإدارة الأميركية القادمة أن تُمارس ضغطاً على الجنائية الدولية، وهي التي بدأت فعلاً باتخاذ سلسلة من الخطوات العقابية ضدها عبر سن تشريعات في الكونغرس لمعاقبة المحكمة على قرارها بحق نتنياهو ووزير حربه ولدفعها إلى التراجع عنه.

وليس بعيداً من هذا السياق، كان لافتاً تكليف القاضي نواف سلام برئاسة الوزراء في لبنان، وهو ما يُمهد الطريق، بعد استقالته من رئاسة محكمة العدل الدولية، للإتيان بنائبته الأوغندية جوليا سيبوتيندي المساندة جداً لـ "إسرائيل"، والتي كانت القاضية الوحيدة من بين قضاة المحكمة التي صوّتت ضد جميع الإجراءات المؤقتة الصادرة بحق "إسرائيل"، وربما ينعكس تعيينها أيضاً في صدور أحكام نهائية لمصلحة "إسرائيل" في القضايا المرفوعة ضدها من جنوب أفريقيا بشراكة عددٍ من الدول.

ولو افترضنا أن نتنياهو حصل على وعد من ويتكوف بحسم أمر قرارات محكمة الجنايات الدولية، فإن هذا لا يشكل دافعاً كافياً لنتنياهو للقبول بالصفقة، وهو الذي يضع على رأس أولوياته الخارجية موضوع الملف النووي الإيراني الذي يطمح فيه إلى مواقف متقدمة من الرئيس ترامب، إمّا بالذهاب إلى ضربة عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني بالشراكة مع "إسرائيل"، أو بتوفير مظلة حامية ومساندة لـ "إسرائيل" في حال ذهبت إلى قرار منفرد بضرب المشروع النووي الإيراني، وفي الحد الأدنى إن لم يحصل هذا ولا ذاك، فعلى الأقل نسف مفاوضات البرنامج النووي مع إيران وتشديد العقوبات الاقتصادية عليها وعلى الدول المتعاونة معها، بما يدفع إيران مُكرهة للتخلي عن هذا البرنامج. 

أما عين نتنياهو الأخرى فهي بالتأكيد ترنو إلى استكمال مشروع أبراهام التطبيعي إذ تضع السعودية على رأس قطار المطبّعين معها، لتصبح "إسرائيل" شريكاً إقليمياً هاماً مندمجاً اقتصادياً وأمنياً في المنطقة، وربما تنصيبها "شرطي" المنطقة، خصوصاً بعد أن وعد نتنياهو ووزراء حكومته أنهم سيعيدون بناء منطقة الشرق الأوسط جيو _ سياسياً بما يخدم "إسرائيل" وتمددها وفرض هيمنتها على المنطقة، ولا بد من أن نتنياهو سمع من ويتكوف كلاماً مطمئناً بهذا الخصوص. 

وبالعودة إلى حدود الجغرافيا الفلسطينية، يدرك نتنياهو أنه ما زال بحاجة مُلحة إلى الرئيس ترامب لاستكمال الحرب على غزة، وهو يراهن أن ترامب، وبعد أن حصل على صورة "الإنجاز" بوقف إطلاق النار والإفراج عن العدد الأكبر من الأسرى الإسرائيليين، سيطلق يد "إسرائيل" مرة أخرى لقتال حماس في غزة، وسيوفر لها مظلة من الدعم العسكري والسياسي واللوجستي من دون أن يضع قيوداً حتى لو شكلية، كتلك التي نادت بها الإدارة السابقة في ما يتعلق بإدخال المعونات الإنسانية والتجويع وطرد السكان.

أما ملف المقايضة الأخير والأهم بالنسبة إلى نتنياهو ولشركائه في اليمين الصهيوني الديني الحاكم في "إسرائيل"، فهو ضم الضفة الغربية، والذي يقال إن نتنياهو وفي إطار محاولته استرضاء شركائه، بن غفير وسوتريتش، ومنعهما من مغادرة الحكومة وتفكيك الائتلاف، وعدهما بإطلاق إيديهما في الضفة الغربية في مقابل قبولهما بالصفقة بصيغتها الحالية. 

ولا شك أن قضية ضم الضفة الغربية تقف على رأس سلم أولويات اليمين الصهيوني أمام الإدارة الأميركية القادمة التي يُعوّلُ عليها إسرائيلياً لتحقيق رغبة اليمين بهذا الشأن، خصوصاً أن لدى "إسرائيل" تجربة سابقة مع الرئيس ترامب الذي منحها صك ملكية في الجولان السوري المحتل "بجرة قلم"، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس الشرقية وغيرها، متجاوزاً ما كان يُعدّ خطوطاً حُمر بالنسبة إلى رؤساء سابقين في الإدارة الأميركية.

زد على ذلك، أن جُزءاً من أركان الإدارة القادمة التي رشحها ترامب يقفون في مواقفهم من القضية الفلسطينية على يمين اليمين الصهيوني الديني، إذ يعدّ بعضهم الضفة الغربية "يهودا والسامرة" ولا يعترفون بوجود شيء اسمه الضفة الغربية، فهل يجد ترامب حرجاً في الاستجابة لمطالب نتنياهو وحكومته بهذا الشأن..!  

خلاصة القول ترامب، النرجسي الاستعراضي، يريد أن يظهر بمظهر القائد القادر على الوفاء بوعوده أمام العالم، ولذلك ذهب للمفاخرة، وقبل أن يُعلن عن الصفقة بشكل رسمي من قبل الوسطاء، بأنها كانت ثمرة انتخابه وجهده. 

وفي المقابل، فإن نتنياهو لا يُقدّم شيئاً مجاناً، وإن كان موقفه من الصفقة أتى استجابة لرغبة ترامب، فإنه يراهن أن بإمكانه الحصول منه على دعم كامل في القضايا التي أشرنا إليها أعلاه في مقابل هدنة غزة، وجني الثمن على جبهات أخرى أمرٌ غير مستبعد بعد أن يمنح اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ترامب، رجل الصفقات، مظهر القائد القوي الحازم بما يخدمه في ملفات أخرى إقليمية ودولية يسعى لمعالجتها، وليعد نتنياهو لقتال غزة.... فمن يبالي!

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.