"الالتفاف حول العلم": دراسة الظاهرة الإيرانية
صاغ "جون مولر" هذا المصطلح في السبعينات، حين درس كيف أن تأييد الرأي العام الأميركي للرئيس يرتفع عادةً خلال النزاعات والأزمات الدولية، واعتبر أن فكرة "الالتفاف حول العَلَم" تجسّد جانبًا أساسيًا من السلوك الاجتماعي البشري.
-
"الالتفاف حول العلم": دراسة الظاهرة الإيرانية
تصاعدت التوترات الإقليمية ووصلت المواجهة بين "إسرائيل" وإيران إلى ذروتها بعد قيام "إسرائيل" بعدوان استهدف مواقع حيوية داخل الأراضي الإيرانية، واغتيال قيادات وعلماء نوويين، أعاد إلى الأذهان ذكريات الحرب العراقية – الإيرانية، وأثار الخوف والقلق لدى الشعب الإيراني.
وفي خضم هذا التصعيد، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدعوة مباشرة للإيرانيين يحثّهم فيها على الانتفاض ضد حكومتهم وإسقاط النظام، وبدأت الصحف ووسائل الاعلام الغربية تشير إلى إمكانية «تغيير النظام» في إيران والدعوة للعودة إلى الملكية واستقبال المعارضين الإيرانيين.
غير أنّ تلك الدعوات لم تلقَ القبول المتوقع، بل على العكس، فقد أسهمت الهجمات والدعوات الخارجية في إحياء مشاعر الوطنية لدى شريحة واسعة من الإيرانيين، فتجلّى أمام العالم من جديد مفهوم «الالتفاف حول العَلَم» الذي يوحّد الشعوب في وجه التهديد الخارجي مهما كانت خلافاتهم الداخلية عميقة.
ما هي ظاهرة "الالتفاف حول العلم"؟
في جوهرها، تشير عبارة "الالتفاف حول العَلَم" إلى ميل المواطنين للاتحاد وإظهار قدر أكبر من الوطنية والدعم لحكومتهم في أوقات التهديد الخارجي أو الطوارئ الوطنية. يستمد المصطلح رمزيته من الصورة المجازية للمواطنين الذين يتجمعون فعليًا حول عَلَم بلادهم كإشارة إلى الوحدة في مواجهة الشدائد.
صاغ "جون مولر" هذا المصطلح في السبعينات، حين درس كيف أن تأييد الرأي العام الأميركي للرئيس يرتفع عادةً خلال النزاعات والأزمات الدولية، واعتبر أن فكرة "الالتفاف حول العَلَم" تجسّد جانبًا أساسيًا من السلوك الاجتماعي البشري: وهو غريزة الاتحاد في مواجهة التهديد المشترك، ففي أوقات الخوف أو عدم اليقين، يسعى الناس بشكل طبيعي إلى التضامن وإلى قيادة واضحة.
درس العديد من الخبراء أسباب هذه الظاهرة؛ إذ نسبها "تاجفيل" إلى "نظرية الهوية الاجتماعية"، والتي تعني أن الانتماء الوطني يدفع الناس إلى دعم المؤسسات والرموز الوطنية في أوقات الأزمات. وركز بعض الباحثين على التهديد نفسه، معتبرين أن حاجة الناس لتعزيز أمنهم تدفعهم إلى الالتفاف والدعم المتزايد للمؤسسات الوطنية.
وتناول آخرون الظاهرة من منظور عاطفي، موضحين أن الغضب وانعدام الأمان والقلق تؤدي إلى ظهور آثار الالتفاف. وفي دراسة شملت ما يقرب من 200 حرب شارك فيها الجيش الأميركي، توصلت الدراسة إلى أن هذا التأثير لا يمكن أن يحدث من دون رسائل مؤثرة تصوغها النخب، إذ توصّلت إلى أن "مدى قوة تأثير الالتفاف في الولايات المتحدة يعتمد إلى حد كبير على رسائل النخب ذاتها".
في التطبيق، وبالرغم من أن المبدأ يشير إلى ظاهرة وطنية صحية، فإن الحال ليست دائماً كذلك.
في بعض الأحيان، قد يستغل القادة السياسيون هذا الميل، فيندفعون إلى تصدير أزماتهم إلى الخارج والقيام بحروب خارجية، وذلك طمعاً بتعزيز الوحدة الوطنية بتعزيز القلق الوجودي وتصوير المعارضة غير وطنية، وبالتالي تمكّن الحكومة من تجاوز حدودها القانونية، أو تُستخدم كوسيلة لإلهاء الرأي العام عن مشاكل داخلية. هذا بالضبط ما يفعله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يندفع في سياسة الهروب إلى الأمام، كلما تصاعدت الانقسامات الداخلية في "إسرائيل" وكادت تطيحه أو تطيح حكومته اليمينية المتطرفة.
دراسة الحالة الإيرانية
وفي إيران، أدت الحرب إلى حالة من "الالتفاف حول العلم"، حيث رُفِعت الأعلام الإيرانية والرموز الوطنية بكثافة، وأُقيمت تجمعات التضامن مع الدولة، وعبّر متظاهرون خلالها عن غضبهم، واعتبروا أن المقاومة والردّ على "إسرائيل" مسألة كرامة وطنية وبقاء. كما عبّر متظاهرون إيرانيون في مدن أوروبية عن تضامنهم، مستنكرين الأفعال الإسرائيلية ورافعين الأعلام الإيرانية.
وقوبلت دعوة نتنياهو إلى الإيرانيين للانتفاض ضد حكومتهم برفض واسع، إذ رفض كثير من الإيرانيين، بغض النظر عن موقفهم من النظام، خطابه، معتبرين إياه منافقًا، وقال أحد سكان طهران: "إسرائيل" تستهين بحبنا لبلدنا؛ قصفنا لن يدفعنا للخروج إلى الشوارع ضد حكومتنا." وفي وسائل التواصل الاجتماعي، عبّر الكثير من الإيرانيين عن غضبهم، وتحدث معارضون سابقون عن أنهم بالرغم من معارضتهم للحكومة فإن المسألة الآن، هي مسألة وطن وليست مسألة "نظام".
وهكذا، يتّضح أن مفهوم "الالتفاف حول العَلَم" يظلّ حاضرًا وفعّالًا عند تعرّض الدول لتهديد خارجي، كما شهدنا في الحالة الإيرانية عقب الهجمات الإسرائيلية الأخيرة. ورغم الانقسامات الداخلية والآراء المتباينة تجاه النظام، فإن التهديدات الخارجية وحالة الخطر عزّزا مشاعر التضامن والانتماء الوطني لدى شريحة واسعة من الإيرانيين، فتوحّدوا خلف رمز الدولة وسيادتها.