"جيل زد" إلى أين يأخذ المغرب؟

ما السياق الذي ظهرت فيه حركة "جيل زد 212" كيف تشكّلت وما هي أدواتها ومطالبها؟ هل تتمدّد وتستمر حتى تحقّق مطالبها أم قد يتمّ إجهاضها؟، وإلى أين يأخذ "جيل زد 212" المغرب؟

  • نجحت حركة
    نجحت حركة "جيل زد 212" في التقاط قطاعين مهمّين.

التظاهر في المغرب ليس ظاهرة طارئة على المشهد؛ ويغلب عليها مطالب سياسية تتعلّق بوقف التطبيع ودعم فلسطين ومناصرة قضيتها، الطارئ على المشهد ما حدث في 27 أيلول/سبتمبر 2025، عندما تحوّلت ساحة البرلمان في العاصمة المغربية الرباط، إلى نقطة اشتباك بين الدولة بأدواتها الأمنية ومحدّداتها التقليدية، وبين جيل يمتلك أدوات جديدة غير تقليدية ومطالب إنسانية عابرة للفئة العمرية ومحدّدات وطنية واضحة ومعلنة وموضوعية ومشروعة.

من دون سابق إنذار وربما بإنذار تمّ تجاهله كعادة الدول العربية في التعاطي مع الإنذارات الاجتماعية والسياسية؛ ظهرت في المشهد المغربي حركة "جيل زد 212" التي دعت إلى احتجاجات سلميّة لمحاربة الفساد وإقرار العدالة الاجتماعية. كان الظهور مفاجئاً ولا سيما في مطالبه التي تركّزت على قطاعي الصحة والتعليم، دفع هذا الظهور المفاجئ بالسؤال حول السياق الذي ظهرت فيه حركة "جيل زد 212" كيف تشكّلت وما هي أدواتها ومطالبها؟، هل تتمدّد وتستمر حتى تحقّق مطالبها أم قد يتمّ إجهاضها؟، وإلى أين يأخذ "جيل زد 212" المغرب؟

في دلالات التسمية وسياق الحيثيات يتضح أنّ حركة "جيل زد 212" تعني الفئة العمرية المولودة بين أواخر التسعينيات من القرن الماضي وبداية 2010، وهم تلاميذ وطلبة جامعات، أو شباب في بداية حياتهم المهنية، ويتميّز بوعي رقمي كبير، وانفتاح غير مسبوق على العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومطالبه تنبع من واقع اجتماعي واقتصادي ملموس. أما الرقم 212 فهو مفتاح الاتصال الهاتفي الدولي للمغرب.

البداية كانت من خلال فتح نقاش بين مجموعة شباب مغاربة حول مشكلات الصحة والتعليم في المغرب من خلال موقع "ديسكورد"، وهو منصة تواصل اجتماعي عالمية بدأت عام 2012 وطوّرت عام 2015؛ مخصّصة للتواصل بالصوت والصورة والدردشة بين هواة الألعاب الإلكترونية. توظيفها هنا لا يخلو من دلالات تتجاوز القيود والحدود.

 تطوّر النقاش عقب وفاة ثماني سيدات حوامل في مستشفى الحسن الثاني بمدينة أكادير جنوب المغرب، نتيجة عمليات قيصرية، تعاملت الحكومة المغربية مع حادثة الوفيات بالطريقة التقليدية فتحت تحقيقاً قضائياً وتاهت نتائجه؛ فكانت تلك الحادثة هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير. 

تسبّبت حادثة وفاة السيدات بموجة غضب واسعة بين المغاربة، التقطها "جيل زد 212"، وانتقل النقاش من مئات المشاركين إلى عدة آلاف واستقطبت المنصة نحو 3 آلاف مشترك جديد. لتصبح حركة اجتماعية تُعبّر سلمياً عن مطالب الشباب وتطلّعاتهم.

 وعلى عكس الحركات الاحتجاجية السابقة التي شهدها المغرب في سنوات 1981، و1984، و1990 في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، و20 شباط/فبراير 2011 في عهد الملك الحالي محمد السادس بن الحسن، لم تظهر أيّ رموز قيادية بارزة، داخل حركة "جيل زد 212"، لا يكشف مؤسسو الحركة ولا منتسبوها عن هوياتهم، ويشاركون كلّ ليلة في حلقات نقاش يديرها أحد منشّطي صفحتها على موقع "ديسكورد"، حول مطالب الحركة وكيفيّة التعبير عنها، تختم بالتصويت.

 وعندما دعت الحركة نهاية أيلول/سبتمبر الماضي إلى التظاهر السلمي لم تؤخذ دعواتها على محمل الجدّ، لكنها فاجأت الجميع بخروجها في تظاهرات منعتها السلطات على أساس أنها غير مرخّصة ومجهولة المصدر. فأفضى المنع والتعامل الأمني التقليدي الى نتائج عكسية وازداد عدد منتسبي الحركة خلال بضعة أيام إلى أكثر من 170 ألفاً ولا يزال العدد في تزايد.

وانتقل الأمر من مجرّد نقاش إلى دقّ على الخزّان وتحريك للمياه الراكدة فعمّت الاحتجاجات المدن المغربية، وباتت هناك مطالب مُعلنة مدفوعة بإصرار على ضرورة تلبيتها، فما هي مطالب حركة "جيل زد 212"؟، وهل تستجيب لها الحكومة؟، أم أنّ السقف ارتفع وبات رأس الحكومة مطلوباً؟ 

قبل الانتقال للمطالب؛ فإنّ احتجاجات حركة "جيل زد 212" تعكس حراكاً غير تقليدي وغير مسبوق، بل ومتفوّق على محاولات الامتصاص والإجهاض والتسويف، ونقل مطالبه ورفع صوته وتجاوز الحوار مع الحكومة ونقل رسائله ومطالبه مباشرة للملك، ويعكس هذا الحراك وعياً سياسياً واجتماعياً قادراً على الحضور وفاعلاً في التأثير من خلال وسائط رقمية يجيد التعامل معها وتوظيفها.

 وبالتالي لا يمكن التحايل عليه بالخطابات السياسية الاستهلاكية والوعود والترويض أو حتى القمع والاعتقال الذي بدأ يؤتي نتائج عكسية، ذلك أنّ هذا الجيل يتبنّى مطالب مجتمعة تحظى بصدى اجتماعي كبير في الشارع المغربي ولا سيما الصحة والتعليم، وتتجاوز مكوّناته الأحزاب السياسية التي وضعت هي الأخرى في دائرة الاتهام.

 ويتبنّى هذا الجيل مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة ويرفض التهميش والإقصاء ويتفوّق على الأحزاب والنقابات؛ والأهم أنه حراك من دون رأس يمكن الإحاطة به أو مساومته، ويدرك ما الذي يريده ويعلم كيف يمكن تحقيقه؛ وقد بدأ من سقف مرتفع لن يتراجع عنه وهذا السقف هو إسقاط الحكومة.

بعد ستة أيام من الاحتجاجات التي شهدتها مختلف المدن المغربية نشرت وسائل الإعلام المغربية في 3 تشرين الأول/أكتوبر 2025، الرسالة التي وجّهتها حركة "جيل زد 212" مباشرة إلى الملك محمد السادس، وتضمّنت الرسالة، ثمانية مطالب أساسية، هي إقالة الحكومة الحالية برئاسة عزيز أخنوش، ومحاسبة الفاسدين، وحلّ الأحزاب المتورّطة في الفساد، وتفعيل مبدأ المساواة، وتعزيز حرية التعبير، والإفراج عن جميع المعتقلين المرتبطين بالاحتجاجات والحركات الطلابية، وعقد جلسة وطنية علنية برئاسة الملك لمساءلة الحكومة.

واختتمت الرسالة بمخاطبة الملك مباشرة، قائلة: "إننا نتوجّه إليكم بهذه الوثيقة الشعبية مباشرة لأننا فقدنا الثقة في كلّ الوسائط السياسية القائمة: الحكومة، البرلمان والأحزاب، لقد أثبتت التجربة أنّ هذه المؤسسات بدل أن تكون رافعة للتنمية والديمقراطية، تحوّلت إلى سبب رئيسي في تفاقم الأزمة".

وأضافت الحركة: "إنّ رسالتنا إليكم هي تعبير عن إرادة جيل جديد يرفض الاستمرار في دوامة الفساد والفشل، ويؤمن بأنّ مستقبل المغرب يمرّ عبر تجاوز هذه المؤسسات العاجزة، وإعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة على أساس المحاسبة، العدالة الاجتماعية وضمان الحقوق والحريات".

نجحت حركة "جيل زد 212" في التقاط قطاعين مهمّين وتبنّتهما في مطالبها هما قطاعا التعليم والصحة، إذ تؤكّد المؤشرات والتقارير المحلية المغربية والأممية العجز الكبير في القطاعين الصحي والتعليمي، فالتقديرات تشير إلى أنّ المغرب بحاجة إلى أكثر من 32 ألف طبيب إضافي، إلى جانب 65 ألف مهني صحي آخر، لسدّ النقص الحالي وفق معايير منظّمة الصحة العالمية، وأنّ أكثر من 10 آلاف طبيب مغربي يعملون حالياً في الخارج، أغلبهم في أوروبا.

أما في التعليم فتشير إحصاءات وزارة التربية الوطنية المغربية إلى أنّ العدد الإجمالي للتلاميذ بلغ نحو 8 ملايين و212 ألفاً في مختلف المستويات، مقابل نحو 306 آلاف أستاذ وأستاذة فقط، وهو ما يعني أنّ هناك في المتوسط 38 أستاذاً لكلّ ألف تلميذ. 

وكشف تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) العام الماضي، أنّ ضعف الأجور ونظام التقاعد في المغرب من أبرز الأسباب التي تدفع الأساتذة إلى مغادرة المهنة. وأوضح التقرير أنّ 73 في المئة من الأساتذة الذين استَطلع آراءَهم أكدوا أنّ تدنّي الرواتب وصعوبة شروط التقاعد كانت وراء استقالتهم أو تفكيرهم في ترك التعليم نهائياً.

عطفاً على الحراك الذي بدأته حركة "جيل زد 212" وما زال متواصلاً ومستمراً، وعطفاً على المطالب السالفة؛ فإنّ المغرب أمام جيل جديد واعٍ ومُلمّ بأزمات البلاد ولديه سقف مطالب مرتفع بل ربما غير مسبوق؛ وفي توصيفه للواقع المغربي من خلال مطالبه فإنه يعبّر عن فقدان ثقته في جميع المكوّنات السياسية بما فيها الحكومة، وقد وضع الكرة في ملعب الملك محمد السادس بن الحسن.

 وبالتالي فإما أن يُستجاب لمطالبه السالفة فيأخذ المغرب إلى تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية وتنموية شاملة وحقيقية وموضوعية وملموسة؛ وتلبية تلك المطالب يأخذ المغرب خطوة إلى الأمام لا يمكن بعدها الانتكاسة للخلف؛ وإما أن يتدحرج المشهد في المغرب إلى مزيد من الاحتجاجات وينزلق الجميع إلى تبعات وتداعيات كبيرة وخطيرة لا يمكن السيطرة عليها والإحاطة بها، وقد تتجاوز تلك التداعيات والتبعات جغرافيا المغرب ولا سيما أنّ ظاهرة "جيل زد" حاضرة في دول الجوار العربية والأفريقية.