"أيام العبور والتحرير"

أي منطق يصمد أمام مشهد عشرات آلاف الفلسطينيين المندفعين، سيراً على الأقدام، باتجاه بيوتهم في مدن وسط قطاع غزّة وشماله، فتندحر أمامهم الدبابات الصهيونية من محور "نتساريم" الذي أعلنه الصهاينة خطاً أحمر.

0:00
  •  أهداف المقاومة تحققت بالكامل، في حين فشل العدو في تحقيق أي من الأهداف.
    أهداف المقاومة تحققت بالكامل، في حين فشل العدو في تحقيق أي من الأهداف.

كانت اتفاقات وقف إطلاق النار سواء في لبنان أو قطاع غزّة، مناسبة لمن في نفوسهم مرض ليفرغوا حقدهم تجاه المقاومة من خلال تصريحات وتحليلات تخلص إلى أن المقاومة هزمت على يد عصابات العدو، وأن المدنيين كانوا ضحايا للفعل المقاوم "المغامر". 

في قطاع غزّة، تغلب النغمة الإنسانية على الطريقة التي تناول فيها هؤلاء المعركة. يتكئون على عدد الشهداء والجرحى وحجم الدمار الذي لحق بالبيوت والبنى التحتية في مدن قطاع غزّة كدليل على أن هذه التضحيات ذهبت عبثاً من دون تحقيق النصر المأمول، من دون أن يوضحوا لنا ماهية هذا النصر وشروطه.

أما في لبنان، فيرون أن قبول المقاومة بشروط وقف إطلاق النار، وبشكل خاص انسحاب حزب الله من جنوب نهر الليطاني، وعدم رده على الخروقات الإسرائيلية للاتفاق دليل قاطع على هزيمة المقاومة في لبنان، وعدم جدوى التضحيات التي قدمها الشعب اللبناني في هذه المعركة.

النتيجة النهائية لهذا المنطق المقلوب، أن على الشعوب المحتلة اللجوء إلى المجتمع الدولي، والدول القوية للحصول على حقوقها من خلال قرارات تقسم الحقوق بين الشعوب ومستعمريهم، ويعدّون هذا السلوك تعبيراً عن الحكمة والواقعية، في وجه المغامرين الذين يختارون المقاومة والحرب.

قبل الحديث عن "أيام العبور والتحرير" ودلالاتها، لا بد من العودة إلى لحظة انطلاق المعركة يوم السابع من أكتوبر 2023. في ذلك اليوم المجيد، أعلنت المقاومة عن أهداف المعركة التي أطلقت شرارتها، ويمكن تلخيص هذه الأهداف في النقاط الآتية:

1- إفشال المخططات التصفوية للقضية الفلسطينية 

2- استعادة المقاومة كخيار رئيس في مواجهة الاحتلال

3-  تحرير الأسرى الفلسطينيين

4- كسر الحصار على قطاع غزّة 

إذا تأملنا النتائج نجد أن أهداف المقاومة تحققت بالكامل، في حين فشل العدو في تحقيق أي من الأهداف التي طرحها، ما يضيف إلى مفردات النصر، انتصار إرادة المقاومة على إرادة المحتل، وهو انتصار ذو أهمية كبيرة في أي معركة قادمة.

أما المقاومة اللبنانية فقد أعلنت منذ اليوم الأول لمشاركتها في المعركة، أن هدفها هو دعم المقاومة الفلسطينية، ومساعدتها في تحقيق أهداف المعركة، وهو ما حدث فعلاً. المعركة الرئيسة كانت في فلسطين، وانتصار المقاومة في فلسطين يعني انتصار المقاومة في جميع جبهات الإسناد، وفي مقدمتها الجبهة اللبنانية. 

هل يكفي هذا المنطق لدحض ادعاءات المنبطحين تحت أقدام المستعمرين، المدافعين عن منطق الذل والاستسلام؟

مشهد "أيام العبور والتحرير"يمتلك منطقاً خاصاً يتفوّق على أي منطق يمكن أن نطرحه للرد على هؤلاء. لعلّها المرة الأولى في التاريخ البشري التي يزحف فيها شعب بأكمله ليحرر أجزاء من وطنه، وطرد المحتلين منها. مشهد سيكون درساً للشعوب التي تعاني من بطش القوى الاستعمارية، ودرساً للقوى الاستعمارية نفسها من أن الشعب العربي في لبنان وفلسطين دشّن عصر مقاومة الشعوب لصلف الاستعمار ووحشيته.

أي منطق يصمد أمام منطق سيدة تقف ممدودة الذراعين أمام دبابة تحمل أعتى وسائل القتل، أو أمام 22 شهيداً مدنياً أعزل قدموا أرواحهم على طريق العودة إلى بلداتهم في الجنوب اللبناني، وهم يهتفون على أبواب بلدتي حولا وميس الجبل "هيهات منا الذلة... لبيك نصر الله".

أي منطق يصمد أمام مشهد عشرات آلاف الفلسطينيين المندفعين، سيراً على الأقدام، باتجاه بيوتهم في مدن وسط قطاع غزّة وشماله، فتندحر أمامهم الدبابات الصهيونية من محور "نتساريم" الذي أعلنه الصهاينة خطاً أحمر. يحملون ما تبقى من متاع لديهم، ليصلوا إلى منازلهم المدمرة، متحدين تصريحات نتنياهو وترامب، التي وطأتها أقدامهم العارية.

أي منطق يصمد أمام دموع الأمهات والآباء والعائلات وهم يعانقون الأسرى المحررين، الذين خرجوا إلى شمس الحرية وسط هتافات الآلاف في تحية للمقاومة التي حوّلت حلم تحرير الأسرى إلى حقيقة، وكسرت إرادة العدو الذي قال في عشرات التصريحات إنه لن يقبل بإطلاق سراح هؤلاء الأسرى. 

منطق واحد يفسر هذه المشاهد والمئات غيرها، إنه منطق المقاومة. اليوم، أثبتت المقاومة أنها لم تعدّ أفراداً يحملون البنادق والقاذفات فحسب، بل أعدّت شعباً مقاوماً، ملتحماً بالفعل المقاوم مؤمناً به. وامتدت من ساحاتها إلى الشوارع العربية وشوارع العالم، لتفرض الرواية العربية الفلسطينية على كل من أنكرها.

رايات المقاومة التي يلوّح بها العائدون في جنوب لبنان وفي غزّة هي التعبير الحقيقي عن إرادة الشعوب في مواجهة إرادة العدو المهزومة، والتي عبّر عنها المتطرف الصهيوني بن غفير بوصفه لأيام العبور والتحرير بقوله "إنها ليست أيام النصر المطلق، بل أيام الخزي والخضوع المطلق". هل يكفي اعتراف العدو بالهزيمة ليبدد الأوهام التي يحاول أعداء المقاومة نشرها؟

لم تنته الحرب، ولن تنتهي إلا باندحار العدو عن كامل الأراضي العربية المحتلة. والمواطنون الذين يتقدمون اليوم باتجاه بلداتهم ومدنهم في جنوب لبنان وقطاع غزّة، إنما يخطون خطوات جديدة على طريق التحرير، طريق القدس التي بشرنا شهيد الأمة السيد حسن نصر نصر الله أن نهايتها ستكون النصر.