قدر ليبيا بين الطغاة

من قال إن القذافي مات؟ ها هو اليوم يعمّر ليبيا الجديدة ببزة عسكرية، ويحشد لجيش يريده قاهراً للارهاب الداخلي، وحام لحمى الوطن. من تاه عن هذا الرجل نقول، إنه خليفة حفتر القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية، الاتهامات الأخيرة لساعده الأيمن والناطق الرسمي باسم الجيش الليبي محمد حجازي، تصف لنا بالضبط ما كان يفعله القذافي في مملكته التي اغتصبها من الملك محمد ادريس السنوسي في خريف عام 1969.

استولى حفتر في عامين على أموال الجيش الليبي
من قال إن القذافي مات؟ ها هو اليوم يعمّر ليبيا الجديدة ببزة عسكرية، ويحشد لجيش يريده قاهراً للارهاب الداخلي، وحام لحمى الوطن.

من تاه عن هذا الرجل نقول، إنه خليفة حفتر القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية، الاتهامات الأخيرة لساعده الأيمن والناطق الرسمي باسم الجيش الليبي محمد حجازي، تصف لنا بالضبط ما كان يفعله القذافي في مملكته التي اغتصبها من الملك محمد ادريس السنوسي في خريف عام 1969.

حجازي في إعلانه المطول على قناة الكرامة الليبية فضح ممارسات حفتر وممارساته منذ نحو سنتين، بعملية أهانت ما تبقى من كرامة الليبيين.

القذافي الذي كسر أركان الدولة الليبية وأوهنها وطواها تحت عمود خيمته الشهيرة، مكّن لأبنائه وجعل لكل منهم كتائبه المسلحة التي تحمي مصالحه ثم مصالح ليبيا، ونهب خيراتها وحرمها من أن تكون إمارات المغرب العربي.

وكذلك فعل حفتر، لكن بشكل مصغر نظراً لضيق الوقت المتاح له، ففي عامين استولى على أموال الجيش الليبي، التي كان ينتزعها من موازنة حكومة البيضاء الفقيرة، ومكّن لأبنائه بتولي صفقات السلاح والثقة بهم كما لو أنهم جزء لا يتجزأ من الجيش الليبي، وصفّى أعداءه إما في رحى المعارك أو بإبعادهم من المؤسسة العسكرية، كما هي الحال مع آمر الكتيبة 204 العقيد المهدي البرغثي، والذي سمي في حكومة السراج الأخيرة وزيراً للدفاع.

فهل بعد هذا نتساءل عما يختلف فيه حفتر عن قائده السابق معمر القذافي؟ ربما هو التاريخ يأتي ليهزأ من الليبين في إعادة سريعة للأحداث.

ما كشف عنه محمد حجازي من  اتهامات ضد قائده، من تمديد عمر المعارك في مدينة بنغازي شرق البلاد، وقطع الامدادات عن المقاتلين هناك وجعله بلا ذخيرة أمام "مجاهدي" درنة ومجلس ثوار بنغازي، وتجنيد تكفيريين في صفوف الجيش، يصور جشع الرجل في الوصول إلى السلطة على جسر يبنيه تكدّس الجثث في بنغازي منذ سنتين.

المئات من الضحايا الذين سقطوا وما يعادلهم ممّن هجّروا ليسوا الا أرقاماً يستجدي بها حفتر الجهات الدولية لتزيد من التمويل في حربه ضد "الإرهاب".

في المشهد الثاني من صفحات الإرهاب الدولية يهرب حفتر أموالاً طائلة الى الأردن ومصر، وفق فضح حجازي له، الرجل حط رحاله بالقاهرة وعمان وحظي باستقبال على أعلى المستويات، لم تحمل الزيارات أي عنوان حينها سوى الدعم للجيش الليبي ضد الارهاب، وها هي ملامح الارهاب الحقيقية ترتسم بريشة محمد حجازي.

حجازي المتستر على قائده طيلة هذه الفترة شريك له في الجرم، وشهاداته ثابتة، لأن قائد القوات الجوية صقر الجروشي لم ينفها بل قال إن حجازي كشف أسرار المؤسسة العسكرية ولم يقل إنه افترى على قائدها، بل وأغرق حفتر بالقول إنه شاهد على أنه قدم المال لأبنائه لجلب السلاح من الخارج، في حين أن الجيش محظور عليه التسليح، وإن كان متاحاً فالأكيد ليس على يد مدني لا صلة له بالمؤسسة العسكرية.

وللأمانة فإن الجروشي قال أيضاً إن حجازي نطق بكل هذا بعدما أقاله حفتر من منصبه، وربما لو لم يكن فعل لما كان نطق.

في كل الحالات رأس حجازي بات أقرب الى مقصلة التصفيات منه إلى رقبته، واحتماؤه بالمهدي البرغثي في بنغازي قد لا ينجح، وإن كانت قبيلة الدرسة التي ينتمي إليها لن تترك دمه للغربان، الا أنها لن تمضي العمر في الثأر له وقد دخل دوامة التهلكة طواعيىة.

الغريب في الأمر انه ما إن انتشر كلام حجازي، أمر عقيلة صالح رئيس مجلس النواب في طبرق بفتح تحقيق ومتابعة حفتر، ولم تمض 24 ساعة حتى سارع صالح إلى مقر قيادة الجيش في المرج للقاء حفتر، بدلاً من أن يستدعيه للمثول أمام مجلس النواب في طبرق.

ليس هذا وحسب، صالح رافق حفتر إلى برقة، وكان بجانبه وهو يلقي  كلمة أمام قبائل برقة طلباً لوقوفها صفاً أبكماً وراءه، حتى وإن صدقت الاتهامات ضده، رداً على مطالبات القادة الميدانيين من مجلس ثوار بنغازي بالخروج عنه، ما جعله يسارع لخطب ولاء القبائل له، فبرقة القريبة من مسقط رأسه اجدابيا تعني له الكثير وسقوط ولاءاته في الشرق يعنى سقوطه إلى الابد، ولن ينفعه مجد قبيلته الفرجان الكبير في سرت وغيرها.

حتى الآن لم يرد أي تحقيق بشأن اتهامات حجازي لحفتر، لا بل إنه بات يتشدق بضرورة تغيير المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات التي تحرم جيشه من التسليح، وتحرمه من المنصب الذي آثرته به أطراف دولية يهمها رجوع بعض سطوة القذافي إلى ليبيا.

المجتمع الدولي الصامت حتى الآن هدد بمعاقبة مشاغبان يشوشان على اتفاق الصخيرات، على أن يلحق بهما ثالث، الأول نوري بوسهمين رئيس المؤتمر الليبي العام في طرابلس ورئيس حكومته خليفة الغويل، والثالث هو عقيلة صالح إن استمر في كسر عصا التوافق، خليفة حفتر وإن طال الصمت حوله فلن ينجو من العقاب فقد سبق وأن هدد الاتحاد الأوروبي بحظره عن السفر، وإن كان هذا أهون عليه من حظر أمواله التي يهربها تباعاً إلى دول التواطؤ.

ولا نقول إن على الضفة المقابلة في الغرب هناك ملائكة يسبحون برغد العيش للشعب الليبي، ويقومون على خدمة مصالحه وحمايته من كل مستبد، في طربلس أيضاً أمراء للحرب يحملون تيجاناً نصبتها دول إقليمية على رؤوسهم يدعمون حبهم للمال والسلطة معاً في ليبيا الباكية على آخر أيام الاستبداد فيها.

فليبيا كغالبية أقطارنا العربية كبلها الغرب إلى عمود أقدارها وأدخلوا الطغاة إلى قصور رئاستها.