في تونس ... العصا السحرية ليست هي المطلوبة
في تونس الجديدة ممارسات قديمة، ونمطيات اعتقدنا أنها زالت. في قلب العاصمة تحرم فتاة من الانتماء لمدرسة تربية الاطفال، فقط لأنها محجبة، مديرة المدرسة لم تستح من رفضها لها قائلة لها بأسلوب هازىء: "لم يبق لنا إلا أن نأتمنكم على تربية أولادنا"، هذه حال بعض البؤساء في قلب العاصمة، فكيف بمن لا يقدرون حتى على الاقتراب من ضواحيها؟
-
-
المصدر: الميادين نت
- 23 كانون الثاني 2016 14:59
مستفز جداً برود مبضع الطبقة السياسية التونسية في معالجة عمق الجرح التونسي
مستفز جداً برود مبضع الطبقة
السياسية التونسية في معالجة عمق الجرح التونسي، ومضحكة مبكية اتهاماتها للأيادي الخارجية
بتحريك بؤساء القرن الواحد والعشرين.
بعد طول صمت خرج الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي ليقول للمنتفضين في
كامل ربوع تونس الخضراء بأنه "لا يملك حلولاً لهم، وبأن القدرات الخارقة الخارجية
هي التي تدفعهم ليقضوا مضجع حكمه الراشد".
رئيس حكومته لحبيب الصيد يقول إنه "لا يملك عصا سحرية لحل أزمات البلاد
الاقتصادية"، وإن كانت الهبّة الاجتماعية عادت لحكومته بنحو مليار يورو من الخزينة
الفرنسية.
منذ هروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي إلى يومنا هذا، مرّت ست حكومات
على الشعب التونسي، لم تصدر واحدة منها قراراً يلتفت ولو من طرف خفي للمدحورين من شباب
تونس المتقد بالنشاط والمحبة والتسامح.
حكومتان خلال رئاسة الباحي قايد
السبسي، لم يكن للشباب فيهما نصيب من كعكة الصراع بينه وبين حركة النهضة، وانشغاله
بفك الارتباط معها حتى لا يخسر حزبه.
وعمراً أمضاه السبسي متقلباً في المناصب السيادية في البلاد بين عهدي بورقيبة
وبن علي، وصل فيهما لمنصب وزير الدفاع ووزير الخارجية، ليجيب التونسيين اليوم أنه ورث
تركة ثقيلة، نافضاً يديه من أي مسؤلية عليه فيها.
كم هي مؤلمة عبارات الساسة الكريستالية حيال بؤس الحال الواقعي لشباب تونس...
لعل الصيد ومن سبقه من رؤساء حكومة لم يكونوا من أبناء العائلات البرجوازية، لكنهم
في الوقت ذاته صرفوا النظر عن الغبن الذي قدّرته السلطتان البورقيبية والبن علوية على
الشعب في تونس العميقة، في الوسط وبعيداً عن الشمال الساحلي حيث وجه السياحة المشرق
على حساب ردوم بقية المناطق.
رؤساء الحكومة الست الذين تعاقبوا على الفترة الانتقالية، جالوا بلدان
العالم شرقاً وغرباً بحثاً عن دعم لحكوماتهم، وشراكات تحفظ لتونس مكانتها السياسية
والاقتصادية في المنطقة، ومن بين هذه الحكومات لم نجد رئيساً ينزل لشوارع تونس السحيقة
ويقلب ما بات عصيًاً على الاخفاء من حرمان وفقر وعوز.
هم كلهم جاؤوا باسم ثورة لتخرج الشعب من فترة كسرت نصال الفساد على نصال
الحقوق، انتقدوا ممارسات بن علي ووضع حلاقته اليافعة رأس الشعب والدولة تحت مقصّها، لكن لم يثبت لنا أحد عكس ما كان يفعل بن
علي وسابقيه.
لو أن واحداً منهم كلف نفسه فقط النزول إلى شارع الحبيب بورقيبة لرأى من
كانت قبضة بن علي الأمنية تحرمهم من الوصول إلى العاصمة، وتجبرهم على أن يكونوا غرباء
عنها، وهي جزء من وطنهم.
سكان الجنوب من أصحاب البشرة السمراء، كانت العاصمة منطقة محرمة عليهم
وشارع الحبيب بورقيبة تحديداً، حتى لا يرى سياح العالم شيئاً من علامات بؤسهم.
ولو أراد أحد من مسؤولي تونس ما بعد الثورة التعمق أكثر للوصول إلى حلول
لشبابها فليكلّف نفسه عناء الانتقال إلى المناطق الحدودية... كيف باتت معرضاً للسلع
الجزائرية المهربة يغامرون بحياتهم مقابل فرق نقدي بسيط يحفظون به بقاءهم ويمتهنونه
في عناء، بدلاً من انتظار وعود المسؤولين التي لا تصل.
في القرى الحدودية في القصرين والكاف وجندوبة يعرض فقراء الجيب وأغنياء
العزة والكرامة ما لهم من منتجات زراعية بسيطة، من زيت زيتون وزيتون طبيعي وحتى خبز
للمارة عساهم يكونون أكثر سخاء في الدفع من كلفة المنتوج نفسه.
أولئك البسطاء حرموا أنفسهم العيش نفسه -لأننا لا نحسبهم يعرفون ملذاته-
لتمكين من تأتي لهم من أبناء للتعلم ونيل الشهادات العليا، اليوم وهم يحضرونهم لحصد
بيدر العمر من تضحيات، تأتي الحكومات الصورية لتحرمهم من أبسط المناصب، لأنها لم تحسب
حسابهم ربما في إعدادها للمناصب الشاغرة الجديدة وظلت العين على تونس وما جاورها ولتذهب
بقية المحافظات إلى الهاوية.
قد نكون مخطئين في التقدير، وقد يكون من مسؤولي تونس ما بعد الثورة من
يتحسر على المنسيين خلف حواجز الطبقية الاجتماعية، لكن العتب عليهم أكثر فلو علا لهم
صوت لسمع، ولو خرقت كلماتهم حجاب التعميم لبرزت.. لكن غوغائية الاصطفاف في المشهد السياسي
الجديد استحكمت وأنست كلاً منهم واجبه تجاه أصحاب الحق، حتى لا نقول الضعفاء.
في تونس الجديدة ممارسات قديمة، ونمطيات اعتقدنا أنها زالت.. في قلب العاصمة
تحرم فتاة من الانتماء لمدرسة تربية الأطفال، فقط لأن على رأسها خرقة تسميها محجبة،
مديرة المدرسة لم تستح من رفضها لها قائلة هزؤا "لم يبق لنا إلا أن نأتمنكم على
تربية أولادنا..." هذا حال بعض البؤساء في قلب العاصمة فكيف بمن لا يقدرون حتى
على الاقتراب إلى ضواحيها.
نسمح لأنفسنا بمخاطبة ساسة التغيير فنقول "إن لم تكونوا تملكون عصا
سحرية للتغيير فأنت تملكون أقداماً لتزلوا بها وتعاينوا الواقع، ومديريات تأتمر بأمركم
لتدرس مقدرات الدولة، وكيفية حلّ جزء من المشاكل، فما لا يحل كله لا يترك جلّه".
سكان الجنوب من أصحاب البشرة السمراء، كانت العاصمة
منطقة محرمة عليهم وشارع الحبيب بورقيبة تحديداً، حتى لا يرى سياح العالم شيئاً من
علامات بؤسهم.
ولو أراد أحد من مسؤولي تونس ما بعد الثورة التعمق
أكثر للوصول الى حلول لشبابها، فليكلّف نفسه عناء الانتقال الى المناطق الحدودية. كيف
باتت معرضاً للسلع الجزائرية المهربة يغامرون بحياتهم مقابل فرق نقدي بسيط يحفظون
به بقاءهم ويمتهنونه في عناء، بدلاً من انتظار وعود المسؤولين التي لا تصل.
في القرى الحدودية في القصرين والكاف وجندوبة يعرض
فقراء الجيب وأغنياء العزة والكرامة ما لهم من منتجات زراعية بسيطة، من زيت زيتون
وزيتون طبيعي وحتى خبز للمارة عساهم يكونون أكثر سخاء في الدفع من كلفة المنتوج
نفسه.
أولئك البسطاء حرموا أنفسهم العيش نفسه -لأننا لا
نحسبهم يعرفون ملذاته- لتمكين من تأتي لهم من ابناء للتعلم ونيل الشهادات العليا،
اليوم وهم يحضرونهم لحصد بيدر العمر من تضحيات، تأتي الحكومات الصورية لتحرمهم من
أبسط المناصب، لأنها لم تحسب حسابهم ربما في إعدادها للمناصب الشاغرة الجديدة وظلت
العين على تونس وما جاورها ولتذهب بقية المحافظات إلى الهاوية.
قد نكون مخطئين في التقدير، وقد يكون من مسؤولي تونس
ما بعد الثورة من يتحسر على المنسيين خلف حواجز الطبقية الاجتماعية، لكن العتب
عليهم أكثر فلو علا لهم صوت لسمع، ولو خرقت كلماتهم حجاب التعميم لبرزت. لكن
غوغائية الاصطفاف في المشهد السياسي الجديد، استحكمت وأنست كلاً منهم واجبه تجاه
أصحاب الحق، حتى لا نقول الضعفاء.
في تونس الجديدة ممارسات قديمة،
ونمطيات اعتقدنا أنها زالت. في قلب العاصمة تحرم فتاة من الانتماء لمدرسة
تربية الاطفال، فقط لأنها محجبة، مديرة المدرسة لم تستح من رفضها لها قائلة لها
بأسلوب هازىء: "لم يبق لنا إلا أن نأتمنكم على تربية أولادنا"، هذه حال
بعض البؤساء في قلب العاصمة، فكيف بمن لا يقدرون حتى على الاقتراب من ضواحيها؟
نسمح لأنفسنا بمخاطبة ساسة التغيير فنقول: إن لم
تكونوا تملكون عصا سحرية للتغيير فأنتم تملكون أقداماً لتزلوا بها وتعاينوا
الواقع، ومديريات تأتمر بأمركم لتدرس مقدرات الدولة وكيفية حل جزء من المشاكل، فما
لا يحل كله لا يترك جله.
سكان الجنوب كانت العاصمة محرمة عليهم حتى لا يرى السياح شيئاً من علامات بؤسهم