السراج لن يضيء طويلاً في سماء ليبيا
السراج صاحب حكومة "المهجر" الأولى في تاريخ ليبيا الحديث، إختار الظل حتى لا يضلّ، فإذا بالهيئة الدولية ترقب انزواءه وتحسب لرصانته ألف حساب. لما رشحه المؤتمر الوطني لمنصب رئيس حكومة الوفاق زهد فيه، ولعله اشتم روائح الدماء التي تقطر من كل كراسي الساسة في ليبيا وما جاورها في القطر العربي.
-
-
المصدر: الميادين نت
- 19 كانون الثاني 2016 13:54
برقيات التهديد التي وصلته كانت أسرع من برقيات تهنئته بمنصبه
ربما لم يكن مأمولاً كثيراً من الهيئة الدولية أن يبقى فائز السراج طويلاً في
منصبه، لكن في الوقت ذاته لم تكن تتوقع أن تصله برقيات التهديد أسرع من برقيات تهنئته
بمنصبه الذي لم يهنأ به حتى الآن.
السراج صاحب حكومة "المهجر" الأولى في تاريخ ليبيا الحديث، ورقة
سياسية بيضاء ينعكس عليها بياض النذير على مفرقيه، لم يتلون بأي لون من الألوان السياسية
المحدودة في ليبيا، لا قبل القذافي ولا بعده. قادته أقداره لأن يكون نائباً في المؤتمر
الليبي المنتهية ولايته عن مسقط رأسه طرابلس.
إختار الظل حتى لا يضلّ، فإذا بالهئية الدولية ترقب انزواءه وتحسب لرصانته
ألف حساب. لما رشحه المؤتمر الوطني لمنصب رئيس حكومة الوفاق زهد فيه، ولعله اشتم روائح
الدماء التي تقطر من كل كراسي الساسة في ليبيا وما جاورها في القطر العربي.
لكن الرجل لم يستطع صد طلب المبعوث الدولي السابق برناردينو ليون، فكان
أن حظي إسمه بالاجماع في إعلان التوافق الموقع في الصخيرات منتصف ديسمبر كانون الأول
من العام الماضي، ولعله كان أهم نقطة إجماع بين المختلفين بشأن التوافق.
ربما كان يتوقع كل طرف من أطراف الصراع أن تكون له المساحة الأكبر في تلوين
صفحة السراج بلونه السياسي، واستمالته لخدمة مصالحه والدفع برجاله في مرحلة لا تقل
عن سنتين، ليمدد لنفسه ما ترسى من خراب سياسي خلال سنوات القفار الخمس الماضية.
الا أن المهندس المعماري لا يبدو أنه
يقبل أن يتهندس فرصته السياسية بمداد غيره، فمشى بخطواته يحاول شق طريق لوطنه
ولنفسه أيضا.
على أرض الخضراء تونس عقد اجتماعات المجلس الرئاسي لتأليف حكومته، وما
إن داس بعد المقام الجديد أرض ليبيا، حتى تطاير رصاص المترقبين، لم يشفع له تقديمه
واجب العزاء في طلبة أكاديمية زليتن، المرحلة لا تفرد مجالا للعواطف..وللعازفة منها
على وتر الوطنية خصوصا..
قوات فجر ليبيا تريد ولاءه لها فهو ابن طرابلس وقريبه عبد الرحمن السويحلي رئيس تكتل الإتحاد من أجل الوطن واحد من المقربين
من حركة الأخوان المهيمنة على المؤتمر، وفي الشرق لا ينظر اليه رئيس مجلس النواب عقيلة
صالح لا بنظرة رضا ولا بنظرة احترام، لذا فالضغط قليلا على زناد لم يرتح منذ رحيل القذافي
لا يضير شيئا لاستمالة رجل مثل السراج.
الا أن فوهة البارود الحامية في طرابلس على المسؤولين تحديدا لا تنوي أخذ
قسط من الراحة في المرحلة المقبلة، فالسيوف سنّت والتهديد الموارب كسر أبواب الصمت
بإيصال رسالة واضحة من ميليشيات الغرب الليبي، زبدتها: إما الحكومة التي نقر أسماؤها
نحن وإما رأسك.
رسالة وصلت بعنف المداد ذاته الذي كتبت به، فاجتماع تأليف الحكومة في فندق
الريزدينسي في العاصمة تونس، كادت تكسر أبوابه على يدي النائب علي أبو زريبة من مدينة
الزاوية، رفضا فقط لتسمية وزير للمالية، ما بالك ببقية الوزارات السيادية، التي قد
لا تتناغم في تأدية مهامها مع الجهات التي اعتادت حكومة طرابلس التعاطي معها.
الحل الأقرب لأمراء الحرب في مثل هذه المعضلات ليس أبعد من فوهة مسدس،
اللجنة الأمنية المنبثقة عن المجلس الرئاسي، لا يمكنها حتى تأمين نفسها..فكيف لها أن
تخوض المستحيل بتأمين دخول الحكومة الجديدة طرابلس..ولا يبقى أمام السراج الا خياران..إما
أن يخضع لشروط الأقوى أو أن يرتقب أفول سراجه
عند أول فرصة لأعدائه..وإن تاهت عنه الأمثلة فليعد لتاريخ سابقيه...عبد الرحيم الكيب
الذي طرحه المسلحون أرضا حتى يصرف لهم مستحقاتهم، وعلي زيدان الذي اختطف بمنظر مذل
من غرفة فندق، وعبد الله الثني الذي منع أكثر من مرة من مغادرة مطار الأبرق...لكل منهم
تاريخ سياسي وسطوة ودعم سرعانما تواروا بعيدا
أمام صولة السلاح السائدة في الغابة الليبية.