إثيوبيا افتتحت سد النهضة.. ماذا بعد؟

العالم برمته مقبل على مرحلة صعبة وحساسة بالنسبة إلى حسابات المياه.ويبدو واضحاً أنها كانت في الماضي وستكون في المستقبل سبباً لحروب صغيرة وكبيرة بين دول المنبع والمصب وبغياب التفاهمات الإنسانية التي لم يعد لها أي معنى.

0:00
  •  العالم برمته مقبل على مرحلة صعبة وحساسة.
    العالم برمته مقبل على مرحلة صعبة وحساسة.

بعد 14 عاماً من عملية البناء والتوترات السياسية والدبلوماسية افتتحت إثيوبيا الثلاثاء (9 أيلول/ سبتمبر ) سدَّ النهضة، وهو أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا مع استمرار الخلافَ مع مصر والسودان فيما يتعلق بسد النهضة.

وقال رئيس الوزراء آبي أحمد إنه لا يشكّل تهديداً لدولتيْ المصب أي مصر والسودان. وفي بيان رسمي لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي قالت القاهرة "إن محاولات إضفاء الشرعية الزائفة على السد لا تغير من حقيقته كإجراء أحادي غير قانوني، لا يترتب عليه أي آثار قانونية على نظام حوض النيل الشرقي وفقاً للقانون الدولي".

كما أن التصرفات الإثيوبية تمثل خرقاً جديداً يضاف إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات، بما في ذلك تجاهل البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في 15 أيلول/سبتمبر 2021.

وكانت القاهرة والخرطوم قد فشلتا في منع أديس أبابا من بناء هذا السد الذي سيتحكم في مياه النيل الأزرق وروافده التي بنت وستبني أديس أبابا عليها العديد من السدود بغياب الموقف المصري والسوداني الضعيف والذي يفتقر إلى التضامن العربي.

وهو ما بدأ باتفاقية كامب ديفيد وولاء السادات ومبارك لواشنطن واستمر بتقسيم السودان، وبالتالي جرّه إلى حرب داخلية مستمرة ولن تنتهي إلا بنهاية السودان كدولة، بانعكاسات ذلك على الجارة مصر التي يخطط الصهاينة للانتقام منها دينيا وتاريخياً.

ومع أن الرئيس ترامب كان يدعم الموقف المصري خلال ولايته الأولى للفترة 2016_2020 إلا أن الدعم الإسرائيلي واللوبي اليهودي في أميركا وأوربا كان كافياً بالنسبة إلى أديس أبابا لتجاوز كل العراقيل الدولية والإقليمية والأهم التهديدات المصرية والسودانية التي لم تتجاوز حد "التصريحات النارية".

وأثبتت السنوات الماضية أن هذه التصريحات لم تجبر أديس أبابا على التراجع عن موقفها الحالي المدعوم من الكيان الصهيوني بحساباته الدينية، التي تتحدث عن حق اليهود التاريخي والديني في مياه النيل، وزاد الحديث عنها مؤخراً في الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية واليهودية.

افتتاح سد النهضة ذكًر الأوساط السياسية والإعلامية بافتتاح تركيا عام 1992 لسد أتاتورك على نهر الفرات الذي بنت تركيا عليه قبل وبعد ذلك أربع سدود أخرى، وكان آخر هذه السدود هو سد قرقميش، الذي يبعد حوالى خمسة كم عن الحدود مع سوريا.

وفشلت دمشق آنذاك ومعها بغداد في منع أنقرة من بناء هذه السدود، وتلك التي بنتها وتبنيها على نهر دجلة، وهو كالفرات ضمن حدود "الدولة العبرية الكبرى" التي تحدث عنها نتنياهو الشهر الماضي.

مع التذكير أن تركيا ومعها إثيوبيا ودول أخرى لا تعترف بالاتفاقية الدولية لتقاسم مياه الأنهار المشتركة لعام 1997 ومنها الفرات ودجلة والنيل، والتي تعتبرها أنقرة وأديس أبابا أنهاراً عابرة للحدود وليست مشتركة، ومن حق دول المنبع التصرف بها كما تشاء، مع مراعاة نسبية لحقوق دول المصب ووفق الإمكانيات المتاحة.

كما هي الحال بالنسبة إلى الهند التي عاشت توترها الأخير مع إسلام أباد، بسبب مشاكل المياه، إضافة إلى أزمة كشمير التي كادت أن تكون سبباً لمواجهة نووية بين الدولتين.

وبموجب معاهدة مياه نهر السند لعام 1960 التي توسط فيها آنذاك البنك الدولي بين الهند وباكستان يتقاسم البلدان 6 أنهار ومعظم منابعها في الهند.

وتم تخصيص مياه الأنهار الشرقية وهي سوتليج وبيس ورافي للهند، في حين أن مياه الأنهار الغربية الثلاثة وهي السند وغيلوم وتشيناب تذهب إلى باكستان.

ويُعد حوض نهر السند موردًا حيوياً بالنسبة إلى باكستان؛ إذ يُوفر النهر حوالى 90% من إنتاجها الزراعي، كما يسهم بنسبة 25%؜ في ناتجها المحلي الإجمالي.

وأما أفغانستان تحت حكم طالبان فهي أيضاً لا تتردد في استخدام مياه الأنهار كسلاح مساومة مع جاراتها أوزبكستان وتركمنستان وطاجيكستان وإيران وباكستان، التي تعتمد إلى حد كبير على مياه الأنهار التي تنبع في الأراضي الأفغانية، والتي تعاني منذ أكثر من أربعين عاماً حرباً طاحنة بأشكال مختلفة، وانتهت بسيطرة طالبان على الحكم بعد عشرين عاماً من الاحتلال الأميركي، ومن قبله عشر سنوات من الاحتلال الروسي، وهدفهما كان واحداً، ألا وهو التيار الإسلامي المتطرف والمتمثل بطالبان والقاعدة وقبلهما الفصائل الجهادية المختلفة.

وتصادف كل هذه التطورات مع استمرار الكيان الصهيوني في مساعيه المعروفة منذ قيامه للسيطرة على مياه الأنهار والينابيع والأمطار في سوريا ولبنان والأردن، بل وحتى المياه الجوفية في الضفة الغربية وغزة التي يسعى الصهاينة لتدميرها بالكامل وطرد شعبها لتبقى المياه برمتها لهم، خاصة مع الدراسات العلمية التي تتوقع خلال السنوات القليلة أزمة مياه عالمية حتى في أوروبا، بسبب التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة وزيادة معدلات التبخر وشح الأمطار والإسراف في استخدام المياه في الاستهلاك الإنساني او الزراعي. ويدفع ذلك الدول والحكومات إلى وضع خطط ومشاريع واستراتيجيات جدية ومصيرية، ما دامت كل المعطيات تبين بكل وضوح أن العالم برمّته مقبل على مرحلة صعبة وحساسة بالنسبة إلى حسابات المياه.

ويبدو واضحاً أنها كانت في الماضي وستكون في المستقبل، سبباً لحروب صغيرة وكبيرة بين دول المنبع والمصب، وبغياب التفاهمات الإنسانية التي لم يعد لها أي معنى في عالم العداءات والصراعات السياسية والاقتصادية، وبالتالي القومية والتاريخية، كما هي الحال بالنسبة إلى تركيا في علاقاتها مع دول الجوار.

ويبقى العنصر الصهيوني هو الأهم في حسابات المنطقة، ما دام الكيان العبري يتحدث بل ويعمل منذ قيامه من أجل دولته الكبرى، التي لا ولن ترحم، وبأي شكل، أحداً من الشعوب والدول التي تسيطر على مياهها "المقدسة " كالنيل والفرات ودجلة والأردن واليرموك والليطاني والوزاني وطبرية وجبال الشيخ في الجولان، وكل المنابع والمياه الجوفية، ومنها زمزم ومنابعها في مكة المكرمة، وهي ومعها المدينة المنورة ضمن حدود "الدولة العبرية الكبرى" التي لا ولن يستطيع أحد إطفاء ظمئها الديني منه والتاريخي لدماء الشعب الفلسطيني وكل الشعوب العربية والإسلامية بكل مياه العالم!