استراتيجية ترامب في أوكرانيا: إنهاء الحرب… وإطالتها؟

العواصم الأوروبية تتخوف من أن يلجأ ترامب إلى تقديم تنازلات استراتيجية لروسيا بهدف إغلاق الملف الأوكراني بسرعة.

0:00
  •  الاستراتيجية الأميركية في موضوع أوكرانيا تسير على خطين متناقضين.
    الاستراتيجية الأميركية في موضوع أوكرانيا تسير على خطين متناقضين.

تُشكّل القمة المرتقبة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا في 15 آب/أغسطس الجاري لحظة محورية في الصراع الدائر في أوكرانيا. هذا الاجتماع، الذي يهدف إلى التوصّل إلى اتفاق سلام، يسلّط الضوء على تباين كبير في الاستراتيجية الأميركية التي تتراوح بين دعم استمرار الحرب، والسعي إلى السلام في آن واحد.

من وجهة النظر الأوروبية، الخطر الأكبر لا يكمن في الحوار الأميركي ـــــ الروسي نفسه، بل في الثمن الذي قد يُدفع للوصول إلى اتفاق. تتخوّف العواصم الأوروبية من أن يلجأ ترامب إلى تقديم تنازلات استراتيجية لروسيا بهدف إغلاق الملف الأوكراني بسرعة، ومن أبرز هذه التنازلات المحتملة:

أ‌- التنازلات الإقليمية: عرض ترامب في وقت سابق أنّ السلام قد يتضمّن "تبادلاً للأراضي"، حيث تتنازل أوكرانيا عن مناطق معيّنة لروسيا. تطالب روسيا بالاعتراف القانوني الدولي بضمّها لشبه جزيرة القرم، وكذلك الأقاليم الأربعة التي أعلنت ضمّها في عام 2022 (دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، وزابوروجيا). 

ورغم أنّ روسيا لا تسيطر بالكامل على جميع هذه المناطق، فهناك احتمال أن يوافق ترامب على منحها السيطرة الكاملة على منطقة دونباس والتي تتشكّل بشكل أساسي من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا، والتي تعرف بأهمية مواردها من الفحم.

ب‌- حياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى الناتو: من المطالب الروسية الجوهرية أن تتبنّى أوكرانيا وضع الحياد وتتخلّى عن مسعاها للانضمام إلى الناتو. قد يكون عدم الموافقة على انضمام أوكرانيا إلى الناتو من الأمور الأسهل بالنسبة لدونالد ترامب وسيكون انتصاراً دبلوماسياً كبيراً لروسيا.

ج‌- رفع بعض العقوبات: قد يكون هذا من الحوافز المهمة، على الرغم من أنّ الاقتصاد الروسي قد تكيّف إلى حدّ ما مع العقوبات، وفتح الروس أسواقاً جديدة بديلة. وفي مجالات معيّنة ساهمت العقوبات بتحفيز إعادة التصنيع الداخلي، واستفادت الشركات المحلية من غياب الشركات الأجنبية فحلّت محلّها. كما ساهمت العقوبات على الأوليغارشية الروسية بعدم تهريب الأموال من روسيا.

د- تجميد خطوط القتال: يمكن أن تتضمّن الصفقة وقف إطلاق نار يجمّد خطوط القتال الحالية. ورغم أنّ هذا لن يكون حلاً دائماً لأوكرانيا، فإنه سيسمح لروسيا بترسيخ مكاسبها الإقليمية وتجنّب حرب استنزاف طويلة ومكلفة.

المشكلة التي ستواجه ترامب هي المواقف الأوكرانية والأوروبية. يرفض الرئيس الأوكراني التنازل عن الأرض ويقول إنّ هذا يتعارض مع الدستور الأوكراني.

وكذلك، يأتي الموقف الأوروبي بدرجة كبرى من الأهمية، خاصة وأنّ الأميركيين اتفقوا مع الأوروبيين على الاستمرار بتمويل المجهود الحربي الأوكراني كما أعلن نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في 10 آب/أغسطس. أكد فانس في مقابلة مع فوكس نيوز أنّ الولايات المتحدة لن تموّل بعد الآن المجهود العسكري الأوكراني بشكل مباشر، ولكن بإمكان أوروبا مواصلة شراء الأسلحة من الشركات المصنّعة الأميركية لتلبية احتياجات أوكرانيا الدفاعية.

وبالفعل، وفي مقابلة صحافية في نهاية الأسبوع، أكد الأمين العامّ لحلف الناتو، مارك روته، أنّ الحلفاء الأوروبيين وكندا سيموّلون من الآن فصاعداً المساعدات العسكرية والأمنية لأوكرانيا، في خطوة تتماشى مع مطالب إدارة ترامب بزيادة تقاسم الأعباء. 

أما العنصر الرئيسي في هذه الخطة الأوروبية فهو بنك الدفاع والأمن والمرونة (DSRB) المقترح إنشاؤه بدعم من الناتو والبرلمان الأوروبي والبنوك الكبرى عبر الأطلسي، وذلك لتوفير تمويل طويل الأجل ومنخفض التكلفة للمشتريات الدفاعية للدول الحليفة. ولهذا البنك هدفان: تمكين الدول الأوروبية من تحقيق أهدافها المتعلّقة بالإنفاق الدفاعي، وتعزيز قاعدة صناعية دفاعية أوروبية قوية ومعتمدة على الذات. 

وهكذا يبدو أنّ الاستراتيجية الأميركية في موضوع أوكرانيا تسير على خطين متناقضين: الدفع نحو السلام ووقف الحرب عبر لقاء ترامب بوتين واقتراح صفقة سلام، بينما تقوم في الوقت نفسه بتوفير آليات لاستمرار الحرب، وذلك بدفع حلفائها الأوروبيين لتحمّل العبء التمويلي والاستمرار بإمداد أوكرانيا بما تحتاجه من أدوات عسكرية وسياسية للاستمرار بها.