الحرب المقبلة مع "إسرائيل"

التلويح بالحرب الأهلية لم يكن شعوراً تعبق به سماء الحياة السياسية اللبنانية، بل كان اصطفافاً للقوى الانعزالية نفسها على الأرض، مدعوماً بجهد أميركي مثّله المبعوث توم برّاك.

0:00
  • لن تستطيع كلّ قوى الأرض إزالة صورة ما حدث خلال الأشهر العشرين الأخيرة.
    لن تستطيع كلّ قوى الأرض إزالة صورة ما حدث خلال الأشهر العشرين الأخيرة.

أشاع قرار مجلس الوزراء اللبناني بسحب سلاح حزب الله، والأجواء التي رافقته بما حملته من تحريض طائفي وسياسي، جواً من القلق لدى قطاع واسع من اللبنانيين الذين لم تغب عن ذاكرتهم بعد أجواء مشابهة سادت البلاد عام 1975، انتهت بتفجير بوسطة عين الرمانة وجرّ البلاد إلى حرب أهلية استمرّت سنوات.

التلويح بالحرب الأهلية لم يكن شعوراً تعبق به سماء الحياة السياسية اللبنانية، بل كان اصطفافاً للقوى الانعزالية نفسها على الأرض، مدعوماً بجهد أميركي مثّله المبعوث توم برّاك، يرى في الظروف التي تسود المنطقة فرصة سانحة لتصفية جميع القوى المقاومة من لبنان إلى غزّة، وترى الرجعيات العربية في الأحداث التي أعقبت حرب الـ66 يوماً في لبنان، والتي ترافق الهجوم البربري الوحشي الذي يشنّه العدو، فرصة لا بدّ من اغتنامها لتصفية المعارضة الوطنية المؤيّدة للمقاومة، ولتأدية أدوار في خدمة المشروع الأميركي ـــــ الصهيوني تضمن للكثير من الحكّام الاحتفاظ بعروشهم. 

حتى سلطة رام الله التي بالكاد "يمون" قادتها على مغادرة منازلهم من دون تنسيق مع العدو، أعلنت عن تنظيم انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني بشرط القبول بشروط أوسلو المذلّة، لتبقى قوى المقاومة بعيدة عن المجلس العتيد الذي سيكون دمية عربية ـــــ إسرائيلية تشرّع كلّ اتفاقيات تصفية ما تبقّى من القضية الفلسطينية.

يعتقد العدو الاستعماري أنه وضع المقاومة أمام خيارين يصبّان في مصلحته: الاستسلام وتسليم السلاح، أو الحرب باجتياح قطاع غزّة وتوسيع نطاق المجزرة، أو الحرب الأهلية في لبنان وتحميل المقاومة مسؤوليتها. الصفقة كما يتخيّلها التحالف الاستعماري ـــــ الرجعي العربي لا تقدّم مكافآت أو وعوداً للمقاومة إن هي ذهبت إلى الخيار الأول. المطلوب استسلام غير مشروط، حتى إعلان بعض الدول الغربية نيّتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية "الوهمية"، مقدّم إلى سلطة عباس، والنظام الرسمي العربي، فهي دولة بلا حدود، ولا سلطات، ولا سلاح، مجرّد مقعد في الأمم المتحدة، وفكرة رومانسية تداعب من انقطع نفسهم الثوري فصنعوا في غياب الثورة صنماً اسمه الدولة.

المشكلة لدى دعاة السلام على الطرفين أنهم يدركون أنّ هذه الدولة "المسخ" والتي طبّلوا وزمّروا لها في مؤتمر دولي في نيويورك، لم تكن لتجد طريقها إلى سياسات المستعمرين لولا ما فعلته المقاومة في عمليتها البطولية يوم السابع من أكتوبر 2023. بل هم يعلمون أيضاً أنّ أيّ مكسب سياسي أو اجتماعي يحقّقه الشعب الفلسطيني على مدى العقود المقبلة مرتبط بشكل لا يمكن فصمه بما قامت به المقاومة على جميع الجبهات على مدى الشهور العشرين الماضية.

لقد تمكّنت المقاومة من إكراه التحالف الاستعماري ـــــ الرجعي العربي على المضي في المواجهة حتى النهاية، كاشفاً عن فصول جديدة من المؤامرة التي تحاك للمنطقة داخل كواليس هذا التحالف، حتى أصبح دوره في المجزرة التي ترتكب في غزّة واضحاً للعيان في كلّ مكان من هذا العالم، ودفع الشعوب إلى إدراك أنّ الرواية الفلسطينية، هي الرواية الحقيقية الوحيدة التي تحكي ما فعلته الإمبريالية في هذا الجزء من العالم. كما خالف العدو كلّ التوقّعات وذهب إلى حرب طويلة الأمد كان الجميع يروّج لعدم قدرته على خوضها، فإنّ المقاومة وبإمكانيات شبه معدومة إذا ما قورنت بإمكانيات العدو، ذهبت إلى الحرب نفسها وها هي تخوضها حتى النهاية، ذاهبة باتجاه النصر والتحرير.

لن تستطيع كلّ قوى الأرض إزالة صورة ما حدث خلال الأشهر العشرين الأخيرة من عقول وقلوب البشر. مهما كان دافع الاحتفاظ بالصورة؛ دينياً، أم وطنياً، أم إنسانياً، أم سياسياً. يمكن تلخيص هذه الصورة بكلمات بسيطة: "إسرائيل دولة ضعيفة" وكلّ ما يروّج حول قوتها هو أساطير تشبه قصص الجدّات التي تروى للأحفاد لتخويفهم ودفعهم للنوم. هذا الكيان قابل للهزيمة لولا الدعم الاستعماري الخارجي والتآمر الرسمي العربي، ثبت ذلك في معارك طوفان الأقصى، وأولي البأس، والوعد الصادق 3. ولولا هذا الدعم وذلك التآمر لكانت لهذه المعارك نتائج مختلفة تماماً.

حتى لو استطاع العدو تحقيق نصر مؤقت كما يروّج البعض، فإنّ ذلك لا يعني عدم صحة فكرة المقاومة أو وسائلها. يجب ألا يتزعزع إيماننا بقضيتنا ومقاومتنا حتى لو خارت قوى السياسيين الليبراليين، والمثقّفين البرجوازيين. هي مجرّد وقفة لالتقاط الأنفاس نعيد خلالها رصّ صفوفنا وإعداد كوادرنا، وتعديل خططنا، وتذخير مدافعنا والذهاب إلى الحرب مرّة تلو أخرى مستمرّين على درب المقاومة حتى النصر والتحرير.

في كلّ مرة يستعرض فيها العدو وحلفاؤه صور نصرهم المزعوم في محاولة لإدخال اليأس إلى قلوبنا، لنتذكّر أنّ نضالنا ومقاومتنا حوّلت ألوف المهمّشين والمضطهدين إلى مقاتلين أشداء يحتاجون إلى تحالف عالمي لهزيمتهم، وأنّ من فعل ذلك مرّة قادر على فعله مرات حتى يتحقّق هدفه، ويستعيد حقّه.