الدولة والمقاومة في لبنان
تكتسب المقاومة اللبنانية شرعيتها السياسية ومشروعيتها القانونية من وجود التهديد من الجانب الإسرائيلي أولاً، ولكونها تجسيداً لإرادة الشعب في التصدي للعدو الإسرائيلي ثانياً.
ثمة من كان، ولا يزال، يقول ويكتب، من هنا وهناك، أن المقاومة، أو بالأحرى حزب المقاومة، "دولة ضمن الدولة" في لبنان! هذا الكلام فيه الكثير من التضليل للناس والرأي العام والتشويه للواقع والحقيقة والتجني على الحزب والمقاومة.
وهو ليس مقبولاً، ولا معقولاً، ولا يجوز السكوت عنه من قبيل القبول به والموافقة عليه. فهو يقع في خانة التحامل على المقاومة وخطاب الكراهية ضد المقاومة.
السيادة في لبنان
تواجه السيادة الوطنية اللبنانية العديد، بل الكثير من التحديات. وهي تبدو ناقصة ومنقوصة، غير كاملة وغير مكتملة الأركان والشروط والأوصاف. كذلك هي حال الاستقلال الوطني للدولة اللبنانية.
السبب في كل ذلك هو استمرار الاحتلال الإسرائيلي واستمرار العدوان الإسرائيلي، ناهيكم بالتدخلات الخارجية، الدولية والإقليمية، في الشؤون الداخلية، وهيمنة النفوذ الأجنبي على الدولة اللبنانية والسلطة السياسية القائمة فيها، ولا سيما النفوذ الغربي على وجه العموم، والنفوذ الأميركي على وجه الخصوص، كما التبعية الداخلية للهيمنة الخارجية والارتهان الداخلي للإرادات الأجنبية. من هذه الزاوية، تكتسب وتكتسي المقاومة اللبنانية أهمية مضاعفة. والمقصود الإرادة الوطنية بالمقاومة الوطنية في سبيل الاستقلال والسيادة، كما الكرامة الوطنية والمصلحة الوطنية.
الحكومة والجيش والشرعية الرسمية
مما لا شك فيه أن منطق الدولة اللبنانية بجناحيه، في إشارة إلى كل من السيادة والشرعية الوطنيتين، يحيلنا إلى مشهدية المعادلة الوطنية التي تتبع، ومفادها ومؤداها أن الحكومة، على الصعيد السياسي، والجيش، على الصعيد العسكري والأمني، كما القوات المسلحة اللبنانية والقوى الأمنية اللبنانية، المدماك والدعامة للشرعية الرسمية اللبنانية.
والمطلوب من السلطة السياسية في لبنان، وهي صاحبة القرار السياسي فيه، تمكين المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية من ضمن السياسة العامة للدولة والحكومة في البلد على خط الدفاع الوطني والأمن القومي، بمعنى تسليحها وتنمية قدراتها العسكرية، القتالية واللوجستية، بصرف النظر عن ماهية القرار الدولي عموماً، والقرار الغربي خصوصاً بهذا الشأن.
المقاومة والشرعية الشعبية
إن المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال أو العدوان الإسرائيلي تعبير عن الإرادة الشعبية بمواجهة استمرار أو بقاء أو عودة الاحتلال أو العدوان الإسرائيلي.
من هنا، تكتسب المقاومة اللبنانية شرعيتها السياسية ومشروعيتها القانونية من وجود التهديد أو الخطر من الجانب الإسرائيلي أولاً، ولكونها وبوصفها تجسيداً لإرادة الشعب أو جزء من الشعب من الجانب اللبناني في التصدي للعدو الإسرائيلي ثانياً.
هذا منطوق ميثاق الأمم المتحدة بالنسبة إلى الحق الطبيعي في الدفاع عن النفس ووثيقة الوفاق الوطني بالنسبة إلى الحق في اتخاذ الإجراءات والتدابير لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير الأراضي اللبنانية.
وعليه، المقاومة اللبنانية ليست ميليشيا، وسلاحها ليس سلاحاً غير شرعي. المقاومة اللبنانية النواة الصلبة والعمود الفقري للشرعية الشعبية اللبنانية. هي ليست خارجة عن الشرعية الرسمية اللبنانية أو خارج الشرعية الوطنية للدولة اللبنانية. إن الشرعية الرسمية والشرعية الشعبية صنوان لا يفترقان، وهما جناحا الشرعية الوطنية اللبنانية. فالشرعية الرسمية للدولة والحكومة لا يمكن أن تكون مناقضة ولا مخالفة للشرعية الشعبية، بل إن الأولى تقوم على أساس الثانية.
لبنان والحرب مع "إسرائيل"
حالة الحرب بين لبنان و"إسرائيل" ما تزال قائمة بلغة القانون الدولي، بصرف النظر عما إذا كانت الحرب ساخنة أو باردة، حتى في حال العودة إلى وضعية الهدنة القانونية، أو في حال وقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية والأعمال العدائية.
وتبقى الدولة في لبنان حتى تاريخه عاجزة وغير قادرة على تحمّل المسؤولية الوطنية إزاء العدو الإسرائيلي. هي تبدو كذلك، ولا نريد أن نعتقد، ولا أن نصدق، إنها لا تريد ذلك.
هي، مع الأسف، ضعيفة وهشة، تعاني من الوهن السياسي، ولا يمكنها وحدها التصدي بمفردها للتحديات والتهديدات والأخطار الإسرائيلية، إذ تصبح المقاومة، أو لنقل تبقى حتى حينه، مصلحة وطنية وحاجة وطنية، خلف الدولة، تحت سقفها بل من ضمنها، لا على حساب الدولة على الإطلاق.
لبنان والعداء مع "إسرائيل"
أما حالة العداء الدائمة بين لبنان و"إسرائيل"، فهي أكبر وأبعد وأعمق من حالة الحرب القائمة بينهما. هو عداء طويل الأمد وبعيد المدى. كما وأنه متعدد الأبعاد والجوانب. فهو عداء أيديولوجي، تاريخي، سياسي، عسكري واستراتيجي، في غاية الأهمية والخطورة والسوء في ميزان الحسابات والتقديرات للمصالح والمبادئ الوطنية اللبنانية.
هذه الحالة من العداء بين لبنان و"إسرائيل" تجعلنا ننقد وننقض من بين الخيارات والرهانات والاتجاهات والمسارات في الداخل والخارج إمكانية أو احتمالية التطبيع، وكذلك السلام أو حتى الحياد، ذلك إن نموذج وتجربة لبنان نقيض نموذج وتجربة "إسرائيل" في الصميم، على طول الطريق وحتى النهاية. هكذا تغدو المقاومة حاجة وطنية، ماسة وملحة، أكثر فأكثر، حتى انقطاع النفس والرمق الأخير، إذ إن "إسرائيل" لن تدع لبنان وشأنه.
مشروع بناء الدولة في لبنان
عندما ننتقل في اللحظة السياسية والتاريخية الحالية إلى الإحاطة بملامح ومحددات المرحلة السياسية والتاريخية اللاحقة، لاستشراف المستقبل القريب وغير البعيد، بعد مراجعة التجارب السياسية والتاريخية السابقة، بقصد التدقيق فيها والاستفادة منها، يعود الحديث من جديد عن مشروع بناء الدولة والشروع في تنفيذه وتطبيقه، كأولوية وطنية.
فتتعالى الأصوات وتتوالى الدعوات إلى مباشرة عملية إعادة بناء الدولة اللبنانية. وهي ليست المرة الأولى، وقد لا تكون المرة الأخيرة! على أي حال، عند هذا الموضع أو المقام، لا بد من تأكيد ثابتة أن وجود المقاومة اللبنانية وبقاءها واستمرارها ضمانة وطنية لحماية الدولة اللبنانية الوليدة أو الجديدة، من الخروقات والانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية. هكذا يمكن أن تقف المقاومة مع الجيش ضد "إسرائيل" في أي محاولة أو مؤامرة للنيل من الدولة في لبنان أو التعرض لها.
المقاومة اللبنانية جزء لا يتجزأ من الدولة اللبنانية بشعبها وجيشها أيضاً. والمعادلة الثلاثية ليست سريالية، بمعنى منفصلة أو منقطعة عن الواقع في البلد. فالمقاومة تنتمي إلى الشعب، تدافع عنه وتحميه، كما البلد برمته. ودور المقاومة في حماية البلد والشعب يتكامل مع دور الجيش ضد "إسرائيل"، كعدو للبنان. هذه هي الحقيقة للتاريخ والإنصاف. وهي ثابتة وحتمية. هي المصلحة الوطنية العليا.