المغرب يدعو الجزائر للحوار هل التصالح ممكن؟
هل تفضي الدعوات المغربية المتكرّرة إلى الحوار مع الجزائر لإذابة الجليد وفتح حوار جادّ بين الجارتين؟ أم ستبقى مجرّد دعوة كسابقاتها؟
-
المبادرة الجديدة تهدف إلى إحياء "المشروع المغاربي المشترك".
جدّد ملك المغرب محمد السادس، دعوته إلى الحوار الصريح والأخوي مع الجزائر بشأن القضايا العالقة بينهما، وجاءت الدعوة في خطاب متلفز وجّهه للشعب المغربي بمناسبة الذكرى الـ 26 لجلوسه على العرش التي توافق 30 تموز/يوليو. وقال ملك المغرب: "موقفي واضح وثابت، وهو أنّ الشعب الجزائري شعب شقيق، وتجمعه بالشعب المغربي علاقات إنسانية وتاريخية عريقة، وتربطهما أواصر اللغة والدين والجغرافيا والمصير المشترك".
موضحاً أنّ الاتحاد المغاربي "لن يكون من دون انخراط المغرب والجزائر مع باقي الدول الشقيقة"، وأكد حرص بلاده على إقامة "علاقات طيبة مع الشعب الجزائري، وإيجاد حلّ توافقي في نزاع الصحراء، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف"؛ وقال: "التزامنا الراسخ باليد الممدودة لأشقائنا في الجزائر نابع من إيماننا بوحدة شعوبنا، وقدرتنا معاً على تجاوز هذا الوضع المؤسف". وأضاف: "لذلك، حرصت دوماً على مد اليد لأشقائنا في الجزائر، وعبّرت عن استعداد المغرب لحوار صريح ومسؤول، حوار أخوي وصادق، حول مختلف القضايا العالقة بين البلدين".
لم تكن هذه الدعوة المغربية الأولى للحوار مع الجزائر، فقد سبق للملك محمد السادس أن دعا الجزائر إلى الحوار منذ 2018 لتجاوز التوتر القائم منذ عقود بسبب النزاع حول الصحراء. وجدّد هذه الدعوة بعد قرار الجزائر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في 2021.
وكان الملك محمد السادس قد خصص خطاب العرش كلّه للعلاقات المغربية الجزائرية في 30 تموز/يوليو 2021، وقال: "إن الشعبين أكثر من شقيقين بل سيامي"، (يعني متلاصقين)، و"إنّ الشرّ لن يأتي من المغرب"، وهي اللازمة التي تتكرّر كذلك في الخطاب الرسمي الجزائري حيال المغرب: الشرّ لن يأتي من الجزائر.
والسؤال هل تفضي هذه الدعوات المغربية المتكرّرة إلى الحوار مع الجزائر لإذابة الجليد وفتح حوار جادّ بين الجارتين؟ أم ستبقى مجرّد دعوة كسابقاتها؟ ما هي دلالات الدعوة المغربية وسياقها المحلي والإقليمي والدولي؟ هل هناك أفق للحوار المباشر وتجاوز الخلافات المزمنة بين الجارتين الجزائر والمغرب؟
من دون العودة إلى تاريخ التوتر وأسبابه ومراحله ومحطاته بين الجزائر والمغرب، تُعدّ العلاقات الجزائرية المغربية من أكثر العلاقات الثنائية توتراً في المنطقة المغاربية، وقد تأثّرت لعقود بعوامل تاريخية وجغرافية وسياسية، أبرزها الخلاف حول الصحراء الغربية، والحدود المغلقة منذ 1994. ورغم محاولات التهدئة في بعض المحطات، فإنّ التوتر ظلّ السمة الغالبة. والسبب غياب الإرادة السياسية.
أثارت دعوة المغرب الجزائر إلى الحوار ردود فعل في بعض وسائل الإعلام الجزائرية، والتي رأت في الدعوة أنها تبنّت لغة مغايرة نسبياً عن الدعوات السابقة ولا سيما لجهة استدعاء الدعوة لعبارات "حلّ يحفظ ماء الوجه ويرضي جميع الأطراف، وإيجاد حلّ توافقي فيما يتعلّق بقضية الصحراء".
فيما رأته بعض الصحف والآراء الجزائرية بأنه يأتي في سياق حراك أميركي يقوده مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى دول المنطقة، ومن بينها المغرب والجزائر، وأنّ هذا الحراك الأميركي يتبنّى ضرورة التقارب بين الجزائر والمغرب.
الملاحظ أنّ الموقف الجزائري الرسمي التزم الصمت حتى اللحظة ولم يردّ على الدعوة الأمر الذي قد يُفسّر بأنه تجاهل للدعوة المغربية إلى الحوار. لكنه تجاهل إيجابي فحتى اللحظة لم تردّ الجزائر بخطوات عملية سلبية على الدعوة. ففي دعوة العام 2021 ردّت الجزائر بعد الدعوة بأقلّ من شهر وتحديداً في 24 آب/أغسطس 2021، وأعلنت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، ليصل التوتر إلى درجة تجميد شبه كامل لأيّ تواصل رسمي.
وفسّرت الجزائر قطع العلاقات مع المغرب آنذاك بأنه جاء ردّاً على قيام ممثّل رسمي للملكة المغربية بالمطالبة بحقّ تقرير مصير منطقة القبائل في الجزائر، وتهديد وزير الخارجية الإسرائيلي للجزائر من على الأراضي المغربية. وتحدّث الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نهاية سنة 2022 لصحيفة لوفيغار الفرنسية عن أنّ هذا القرار كان "بديلاً لنشوب حرب بين الدولتين".
رغم التوتر المزمن في العلاقة بين الجارتين الجزائر والمغرب وأسبابه؛ إلّا أنّ الحوار ليس مستحيلاً ومن الممكن البدء فيه والذهاب إليه مباشرة؛ إذ إنّ هناك جملة معطيات ومؤشرات وأرضية يمكن البناء عليها لفتح حوار وإذابة الجليد.
قبل شهر تقريباً أطلقت مجموعة من الفاعلين المدنيين الدوليين، بينهم جمال بنعمرو وكيل الأمين العام للأمم المتحدة الأسبق مبادرة تهدف إلى تهيئة أجواء المصالحة بين الجزائر والمغرب، مع التركيز على أهمية إعادة التواصل بين الشعبين وتجاوز الأزمة السياسية الراهنة بين البلدين الجارين.
المبادرة الجديدة هدفت إلى إحياء "المشروع المغاربي المشترك". وأكدت أنّ السنوات الضائعة بسبب الخلافات السياسية بين الجارتين أدّت إلى هدر للموارد وفرص التنمية، لتصبح المنطقة أقلّ مناطق العالم اندماجاً، مقارنةً بتحرّكات التكتلات الإقليمية الأخرى.
وبالنظر إلى سياق ومسار العلاقة بين الجارتين وعطفاً على المعطيات الإيجابية فإنّ الحوار بين المغرب والجزائر بات ممكناً للأسباب والمعطيات الآتية:
- التوتر محصور ومُقتصر على المواقف الرسمية فقط، بينما العلاقة بين الشعبين المغربي والجزائري تشهد تقارباً إيجابياً وتتقاطع المواقف بين الشعبين وتتشابه سواء لجهة القضايا المحلية أو الإقليمية، وهذا متغيّر مهم جداً يمكن البناء عليه.
- الحوار بين الجارتين سيُعيد اتحاد المغرب العربي للواجهة ككتلة إقليمية فاعلة ومؤثّرة تضطلع بقضايا المنطقة وتعبّر عن تطلّعاتها ومصالحها بدلاً من القطيعة والاستفراد بكلّ دولة على حدة؛ وهذه رغبة وحلم لكلّ شعوب المغرب العربي الكبير. ولا سيما في ظلّ التمدّد الروسي التركي في القارة الأفريقية، في ظلّ غياب سياسة خارجية عربية مغاربية فاعلة لمواجهة ذلك.
- التحوّلات التي يشهدها العالم والتحدّيات التي تشهدها المنطقة العربية عموماً ومنطقة الساحل على الخصوص، تقتضي حدوث حوار وتقارب وتقاطع في وجهات النظر لمواجهة التحدّيات، والملاحظ أنّ الخطاب الرسمي لكلّ من الجارتين يؤكّد الوحدة المغاربية وتجاوز الخلافات واحترام السيادة بينهما، وبالتالي فإنّ المصالح المتحقّقة من الحوار أكبر من البقاء في مربّع التوتر الذي لا يخدم مصالح أيّ من الجارتين.
- الحوار بين الجزائر والمغرب لا يحتاج لأكثر من إرادة سياسية حقيقية، فالقضايا العالقة بينهما يمكن حلّها وتسويتها بالحوار المباشر بين الجارتين. هذا ليس تهويناً ولا تقزيماً للمشكلات ولكن لأن لا مصلحة لأيّ من البلدين في استمرار القطيعة، خاصة في ظلّ التحدّيات الإقليمية المتشابكة في دول الجوار لكلا البلدين.
- استمرار التوتر بين الجارتين يُفضي لاستنزاف المقدّرات الاقتصادية في صراع لا منتصر ولا رابح فيه، ويفضي إلى حالة من الابتزاز الذي تتعرّض له كلّ من الدولتين منفردة سواء لجهة التطبيع أو لجهة الابتزاز الأميركي، ويسمح بالتدخّلات الدولية في شؤون كلا البلدين، واضطرارهما لقبول الصفقات والمناورات وتقديم الامتيازات لواشنطن، ويحرم البلدين من مزايا اقتصادية وجغرافية وتنمية اقتصادية شاملة ممكنة ومستحقّة تشمل عموم القارة الأفريقية، فكلا البلدين لديهما مقدّرات وإمكانيات ولا يمكن تحقيقها من دون حوار.
- تجدّد دعوات المغرب إلى الحوار مع الجزائر ومد اليد متغيّر مهم ويمكن البناء عليه، ولكنه غير كافٍ ويقتضي اتخاذ خطوات عملية ومبادرة تقارب تتعدّى مجرّد الخطاب تجاه الجزائر، في المقابل على الجزائر إحسان الظنّ والتعامل بالإيجاب مع الدعوات المغربية والتقاطها والردّ عليها بخطوات عملية ملموسة. فالدعوات والرغبات والأمنيات والخطابات لا تكفي ولن تُنهي الخلافات وتفتح أبواب التصالح والتقارب والحوار إذا لم تكتمل بخطوات عملية جادّة ملموسة على الأرض.