المندوب السامي الأميركي باراك .. العثمانية هي الحل!
تصريحات باراك وحديثه عن "العثمانية الجديدة" حظيت باهتمام وسائل الإعلام الموالية للرئيس إردوغان الذي يتغنى باستمرار بذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية.
-
حديث باراك عن "العثمانية الجديدة" لم يكن الأول في أدبيات الغرب.
في 25 أيار/ مايو كتب السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث الشخصي للرئيس ترامب إلى سوريا ولبنان توماس باراك في حسابه على منصة إكس "منذ قرن من الزمان فرض الغرب خرائط وحدوداً مرسومة ووصايات وحكماً اجنبياً".
فقد قسمت اتفاقية سايكس -بيكو سوريا والمنطقة الأوسع لتحقيق مصالح إمبريالية،, وليس من أجل السلام . وقد كلف هذا الخطأ أجيالاً كاملة ولن نسمح بتكراره مرة أخرى.
لقد انتهى عصر التدخلات الغربية . وكما شدد الرئيس ترامب في خطابه في الرياض 13 أيار/مايو: "ولّت الأيام التي كان فيها التدخليون الغربيون يطيرون إلى الشرق الأوسط لإلقاء المحاضرات عن كيفية العيش وكيفية إدارة شؤونكم. مأساة سوريا وُلدت من الانقسام. أما ولادتها من جديد فلا بد من أن تكون من خلال الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها. ويبدأ ذلك بالحقيقة والمساءلة - وبالعمل مع دول المنطقة، لا بتجاوزها. نحن نقف إلى جانب تركيا والخليج -وليس هذه المرة بجنود أو محاضرات أو حدود وهمية، بل جنباً إلى جنب مع الشعب السوري نفسه. ومع سقوط نظام الأسد، أصبح باب السلام مفتوحاً -ومن خلال رفع العقوبات ، نمكّن الشعب السوري من فتح ذلك الباب أخيراً، و اكتشاف طريق نحو ازدهار و أمن متحدد ".
كلام باراك "الدقيق" هذا لم يحظَ بالاهتمام الكافي من الأوساط السياسية والإعلامية العربية، مع أنه استخفّ بعقول المثقفين العرب والمسلمين ويبدو أن معظمهم لم يتعلم أي شيء من تجارب التاريخ الذي "لو استُخلصت الدروس منه لما كرر نفسه" على حد قول كاتب النشيد الوطني التركي محمد عاكف.
حديث "المندوب السامي" الأميركي باراك اكتسب أهمية إضافية، لا فقط لتوقيته الزمني الذي صادف مساعي الرئيس ترامب لإعادة رسم خارطة المنطقة وفق المزاج الصهيوني وبعد التطبيع الإسرائيلي مع سوريا ولبنان، بل لحديث الرئيس إردوغان عن الموضوع ذاته، حيث قال في اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الإسلامي في اسطنبول 21 حزيران يونيو "أؤكد وبشكل مهم أننا كتركيا لن نسمح برسم حدود المنطقة بالدماء وعلى أساس سايكس بيكو جديدة".
وجاءت المفاجأة الأهم عندما افتخر باراك "بأصوله العثمانية" حيث قال إن "أجداده وفي بدايات القرن العشرين هاجروا إلى أميركا بجواز سفر عثماني" داعياً إلى "عودة تركيا إلى إرثها التاريخيّ العثماني كوسيلة تدعم دورها الإقليمي كما هي الحال الآن في سوريا لأن معظم ما جرى ويجري في سوريا قد تحقق بالدور التركي الريادي"، معبراً عن "أسفه من أن الغرب لم يولِ تركيا الأهمية التي تستحقها".
تصريحات باراك وحديثه عن "العثمانية الجديدة" حظيت باهتمام وسائل الإعلام الموالية للرئيس إردوغان الذي يتغنى باستمرار بذكريات الخلافة والسلطنة العثمانية التي ألغاها مصطفى كمال أتاتورك بعد الإعلان عن الجمهورية التركية الحديثة عام1923.
حديث باراك عن "العثمانية الجديدة" لم يكن الأول في أدبيات الغرب حيث أوصى الكاتب والمؤرخ الأميركي صموئيل هنتينجتون صاحب نظرية "صراع الحضارات" ومن بعده الفيلسوف الأميركي فرانسيس فوكوياما الذي اشتهر بكتاب "نهاية التاريخ والإنسان" الأتراك بإعادة النظر في تاريخهم العثماني، وهو ما أشار إليه غاراهام فوللر الرئيس الأسبق لمكتب الاستخبارات الأميركية في أنقرة، والذي كتب العديد من الكتب التي قارن فيها بين الجمهورية التركية والدولة العثمانية، وقال عنها إنها 'الأكثر شمولية بسبب عقيدتها الإسلامية المعتدلة".
وروًج الغرب هذه العقيدة منذ بدايات الإعلان عن مشروع الشرق الأوسط الكبير عام 2004 أي بعد أشهر من استلام العدالة والتنمية للسلطة في تركيا.
وأوصت العواصم الغربية وأوساطها الفكرية حركات الإسلام السياسي في العالم العربي للاستفادة من تجربة هذا الحزب الذي "وصل إلى السلطة في انتخابات ديمقراطية في بلد مسلم علماني".
واكتسب هذا التسويق أهمية إضافية مع سنوات |الربيع العربي" الذي لعبت تركيا فيه الدور الرئيسي وما زالت، كذلك بعد إطاحة نظام الأسد وسيطرة النصرة وحليفاتها على دمشق بدعم مباشر من الرئيس إردوغان، وعلى حد قول الرئيس ترامب الذي بارك هذا التغيير باحتضانه لأحمد الشرع في الرياض، ناسياً أنه هو الذي وضع مكافأة بقيمة مليون دولار لمن يدلي بأي معلومة عنه بعد أن صنّفه كإرهابي خطير.
وكانت كل هذه المعطيات مؤشراً كافياً على مساعي واشنطن مع المتواطئين معها لإقامة نظام إقليمي جديد بعد التخلص من إرث سايكس بيكو ولكن بتحقيق أهداف وعد بلفور الذي جرى الإعلان عنه بعد عام من معاهدة سايكس بيكو.
وبات واضحاً أن الرئيس ترامب سيحقق كل أهدافه، وأياً كانت التسمية، من شرق أوسط جديد أو نظام إقليمي جديد، على أن يكون كل ذلك في خدمة المشروع الصهيوني الأكبر.
في الوقت الذي لا يغيب فيه عن الأنظار أن تركيا بنكهتها القومية العثمانية وبغياب التوافق العربي واستمرار العداء لإيران وحلفائها، ستكون محور هذا النظام الجديد، وهو ما أشار إليه "المندوب السامي" الأميركي باراك الذي دغدغ بأحاديثه الأخيرة مشاعر الأوساط القومية والدينية التركية، التي تعيش "نشوة الانتصار" في سوريا، ومن قبلها في ليبيا والصومال والعراق، ودول ومناطق أخرى في الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز وآسيا الوسطى.
وكانت جميعاً في الماضي ولايات تابعة للحاكم العثماني في قصور جراغان ودولمبخشة ويلدز، ويستقبل فيها الرئيس إردوغان الآن ضيوفه الأجانب، عندما يكون في اسطنبول أي القسطنطينية التي فتحها محمد الفاتح عام1453.
وفي نهاية المطاف وأياً كانت التطورات المحتملة في المنطقة فقد بات واضحاً أن التطبيع بين "تل أبيب" وكل من دمشق وبيروت بات وشيكاً بمعانيه العقائدية.
كي يكتب التاريخ "أن الجولاني قد تخلى عن الجولان" وأن "الإسلاميين المتطرفين بمختلف مزاجاتهم وحساباتهم المعقدة في عاصمة الأمويين، قد أعلنوا ولاءهم للمتطرفين اليهود الذين فعلوا كل ما فعلوه حتى الآن، وفق عقيدتهم التوراتية والأسطورية التي يتحدثون بها وعنها باستمرار . ليكون الهدف النهائي لكل ذلك هو أرض الميعاد وخريطتها التي تمتد حتى مكة والمدينة، باتت أكثر تداولاً، إقليمياً ودولياً، وبفضل المندوب السامي الأميركي باراك وأصدقائه في المنطقة، وهم كثر وفي كل مكان يرى فيه الرئيس إردوغان جزءاً من الذكريات العثمانية السلبية منها والإيجابية ويقول عنها باراك إنها "ستحتضن الجميع من اليهود والمسلمين والمسيحيين من العرب والأتراك والفرس والكرد وغيرهم"!