النموذج العراقي يتكرر في سوريا.. ماذا ستفعل تركيا؟

الرهان اليوم على قوة أوراق المساومة  التي يملكها كلّ طرف في سوريا التي تحوّلت إلى ساحة  مفتوحة لصراع أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية.

0:00
  • المعلومات تتحدث عن اتفاق مبدئي بين الرئيس الشرع وقائد قسد.
    المعلومات تتحدث عن اتفاق مبدئي بين الرئيس الشرع وقائد قسد.

بعد عشرين عاماً من الاستفتاء الذي أجري في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2005  والذي صادق الشعب العراقي خلاله  بأغلبية 78%؜ على الدستور الذي أعدّه وصاغه الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر، يستعدّ المبعوث الأميركي إلى سوريا ولبنان لفرض التجربة العراقية نفسها على الرئيس أحمد الشرع لإقناعه أو إجباره على القبول بنظام فدرالي يعترف بالكيان الكردي المستقل وأياً كانت التسمية.

وتحدّثت المعلومات عن اتفاق مبدئي بين الرئيس الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي على صيغة جديدة ستساهم في دمج قوات قسد كفرق مستقلة داخل الجيش السوري الجديد على أن تبقى في مناطقها الحالية شرق الفرات، كما سيتمّ دمج مجموعات من القوات التابعة لقسد والمختصة في مكافحة الإرهاب ضد "داعش" داخل الوحدات الأمنية السورية والمكلّفة بمحاربة "داعش" والمجموعات الإرهابية الأخرى، ومن دون أن يسمح للقوات السورية العسكرية منها أو الأمنية بدخول مناطق قسد.

كما هو الحال عليه  في العراق حيث لا يستطيع الجيش العراقي دخول إقليم كردستان الفدرالي إلا بإذن مسبق من حكومة أربيل الكردية.

وأزعج دعم ناتشيروان البرزاني لمطالب مظلوم عبدي في الحكم الفيدرالي أنقرة التي استدعت في 12 تشرين الأول/أكتوبر وزيري الخارجية والدفاع السوريين ومعهما رئيس المخابرات وعبّرت لهم عن رفض تركيا لأيّ صيغة قد تساهم في إقامة كيان كردي فدرالي سينعكس دون أدنى شكّ على الأمن القومي التركي طالما أنّ وحدات حماية الشعب الكردية هي امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي بزعامة عبد الله أوجلان.

وكان أوجلان قد أرسل بدوره الأسبوع الماضي برسالة خاصة لناتشيروان برزاني وطلب منه الضغط على أنقرة للموافقة على مطالبه وأهمها خروجه من السجن وهو فيه من 15 شباط/فبراير 1999، وبالتالي الاعتراف بحقوق الكرد الدستورية في تركيا بعد أن أمر قيادات العمال الكردستاني الموجودة شمال العراق بوقف  العمل المسلّح ضدّ تركيا وحلّ الحزب نهائياً.

وجاءت زيارة رئيس المخابرات الأميركية المركزية السابق ديفيد باتريوس إلى أربيل ولقاؤه مع ناتشيروان البرزاني في الـ 13  من تشرين الأول/أكتوبر  لتزيد في الطين بلة بالنسبة لأنقرة التي استنفرت كلّ إمكانياتها لعرقلة ومنع أيّ مشروع أميركي يدعم المطالب الكردية في سوريا.

خاصة وأنّ باتريوس الذي التقى عدداً من القيادات العراقية بمن فيهم رئيس الجمهورية عبد  اللطيف رشيد الذي كان قد التقى قبل أسبوعين الرئيس أحمد الشرع في نيويورك وحاوره خلال منتدى كونكورديا وتحدّث وإياه عن "ذكرياتهما" حيث كان هو قائداً للقوات الأميركية في الموصل وأشرف على إنشاء الصحوات السنية الموالية لواشنطن في الوقت الذي كان الجولاني فيه مسؤولاً عن تنظيم "داعش" في الموصل ويقاتل القوات الأميركية قبل  اعتقاله من قبل الأميركيين.

الأوساط السياسية التي تشير إلى تعثّر مسار المصالحة بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني بسبب تردّد أنقرة للردّ على مطالب عبد الله أوجلان الذي هدّد الدولة التركية بالانسحاب من المسار في حال استمرار التعنّت التركي الرسمي، تتوقّع المزيد من التعقيد في هذه القضية ومفتاحها بيد مظلوم عبدي ولكن قبل ذلك واشنطن التي يبدو أنها تهدف لتكرار تجربة العراق الفدرالية في سوريا وهذه المرة ليس فقط بالنسبة للكرد بل الدروز والعلويين.

ومع  استمرار المديح للرئيس إردوغان من قبل الرئيس ترامب الذي يتحدّث في كلّ مناسبة وآخرها قمة شرم الشيخ عن علاقته المميّزة مع إردوغان وقال عنه "إنه يلبّي كلّ ما يطلب منه" لا تخفي أنقرة انزعاجها من الدعم الأميركي الواضح والعلني لمظلوم عبدي وأحمد الشرع.

وقد تحوّلا معاً  إلى حليف استراتيجي لواشنطن وباريس ولندن وبرلين لتدخّل موسكو ولو بشيء من التأخير على خط التطورات المثيرة في سوريا وعبر الزيارة المفاجئة والمثيرة التي قام بها الشرع إلى موسكو  في الـ 15 من تشرين الأول/أكتوبر.

وأعلن في الكرملين عن التزامه بكلّ ما وقّع عليه بشار  الأسد وربما تعبيراً عن شكره للرئيس بوتين "الذي ساهم في إيصاله إلى السلطة في دمشق في الـ 8 من كانون الأول/ديسمبر الماضي وعبر الوسيط التركي" وعلى حدّ قول الشرع بنفسه. وتضع كلّ هذه التناقضات أنقرة وجهاً لوجه مع الرئيس الشرع الذي كان وما زال محسوباً على تركيا وعلى حدّ قول الرئيس ترامب حيث يوجد الأتراك بمختلف تخصصاتهم في جميع أجهزة ومؤسسات الدولة السورية، إضافة إلى وجود الجيش التركي في نحو 10% من مساحة سوريا وذلك بالتنسيق والتعاون مع ما يسمّى بالجيش الوطني السوري الذي تأسس في أنقرة صيف 2019 ولم ينضمّ للجيش السوري الجديد. 

فيما لا تخفي بعض الأوساط قلقها من احتمالات المواجهة المسلحة بين أتباع تركيا وفصائل الرئيس الشرع الذي يواجه انتقادات عنيفة من العديد من الفصائل الموالية له خاصة الشيشانية والتركستانية والتي تعترض بشدة على زيارته  إلى موسكو كما تعترض على نهجه "المعتدل" في معالجة الأزمات الداخلية وخاصة  "التسامح مع العلويين" .

وترشّح كلّ هذه المعطيات المرحلة القريبة في سوريا لسلسلة من الأحداث الساخنة التي ستضع الرئيس الشرع  ومن معه بين مطرقة القوى الإقليمية والدولية والسندان التركي الذي إن فشل في فرض أجندته الكردية على دمشق ومن معها إقليمياً ودولياً فحينها لا ولن تتردّد أنقرة  في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع هذا المسار ومهما كلّفها، بما في ذلك التدخّل العسكري المباشر أو غير المباشر  في سوريا. وقال ترامب "إنّ الأتراك كانوا يحلمون بالسيطرة عليها منذ ألفي عام".

وهو الاحتمال الذي سيجرّ سوريا إلى دوامة من الأحداث الساخنة والخطيرة بأبعادها الإقليمية والدولية، بما في ذلك الحديث عن مخططات إسرائيلية جديدة للتصعيد ضدّ لبنان ولاحقاً إيران وعبر سوريا ولكن بعد  التأكّد من أنّ معطيات سوريا المستقبل ستكون لصالحها.

وربما لهذا السبب تحدّث زعيم حزب الحركة القومية دولت باخشالي والذي أطلق مسار المصالحة مع عبّد الله أوجلان في 22 تشرين الأول/أكتوبر الماضي عن مسار جديد وهذه المرة  للمصالحة مع  العلويين وعددهم نحو 12 مليوناً في تركيا ونحو مليون منهم أقرباء للعلويين في سوريا.

ويراهن الكثيرون على الواقع  السياسي للعلويين واستخدامهم كورقة تساوم بها العواصم الإقليمية والدولية بعضها البعض، مع المعلومات التي تتحدّث عن مساعي أنقرة لكسبهم إلى جانبها باعتبار أنّ الساحل السوري امتداد جغرافي واجتماعي لولاية هاتاي (اسكندرون) وغني جداً بموارد الغاز والبترول، كما هو الحال بالنسبة لشرق الفرات حيث يسيطر الكرد على هذه الموارد وغيرها من الموارد الزراعية في الوقت الذي تسيطر فيه تركيا على نهري الفرات ودجلة ومن دونهما لا حياة في المنطقة وفي العراق أيضاً. 

ويبقى الرهان في نهاية المطاف على قوة أوراق المساومة التي يملكها كلّ طرف في سوريا التي تحوّلت  إلى ساحة  مفتوحة لصراع أجهزة المخابرات الإقليمية والدولية التي لا ولن تتردّد في التضحية بسوريا برمّتها فقط لتحقيق أهدافها التي تصبّ  في نهاية المطاف في المصلحة الصهيونية.

 وهو الحال منذ ما يسمّى بـ "الربيع العربي" الذي تآمر الجميع خلاله على سوريا التي كانت بمثابة الخندق الأمامي للدفاع عن قضايا الأمة وفي مقدّمتها فلسطين ومن وقف إلى جانبها من شرفاء المنطقة والعالم وفي مقدّمتهم رجال المقاومة الإسلامية في لبنان واليمن والعراق.

ويبدو واضحاً أنهم جميعاً ومعهم إيران التي وقفت إلى جانبهم كانوا وما زالوا الهدف الحقيقي لكلّ ما جرى وسيجري في سوريا على المدى القريب والمتوسط والبعيد وبغياب الموقف العربي الموحّد وسببه معروف للجميع ألا وهو التواطؤ الجيني لدى البعض من الأنظمة، ولولاها لما كانت سوريا ومعها المنطقة عموماً على ما هي عليه الآن.