الهند وباكستان.. هل يصمد وقف إطلاق النار؟

إلى أي مدى ستنجح واشنطن في إيجاد حل للأزمة في ظل معارضة نيودلهي تدخل أطراف ثالثة؟ وكيف لها أن تعيد بناء الثقة بين البلدين النووين؟

0:00
  • لم تكن واشنطن هي الوحيدة التي تدخلت في الأزمة بين الهند وباكستان.
    لم تكن واشنطن هي الوحيدة التي تدخلت في الأزمة بين الهند وباكستان.

عندما التقى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2022 في قمة شنغهاي للتعاون المنعقدة في أوزبكستان بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، قال له إن العصر ليس عصر الحروب، ولكن كادت الحرب تدق أبواب الهند وباكستان لولا تدخل الوساطات الدولية، عدا عن رغبة البلدين في عدم توسيع هجماتهما لتتحول الضربات المتبادلة إلى حرب شاملة يمكن أن يُستخدم فيها السلاح النووي أو تنزلق المنطقة إلى حرب إقليمية.

بعد الهجوم المسلّح الذي وقع الشهر الماضي في إقليم كشمير الهندي، والذي راح ضحيته مدنيون هنود، ردّت الهند على هذا الهجوم بضربات صاروخية داخل العمق الباكستاني وفي إقليم كشمير. في المقابل، ردّت باكستان على انتهاك سيادتها، فقصفت 26 منشأة عسكرية هندية، وحلّقت عشرات الطائرات المسيّرة فوق مدن هندية رئيسية، فما كان من الهند إلا أن قصفت قواعد عسكرية باكستانية، فدخل البلدان في دوامة الرد والرد المقابل.

إزاء هذا التوتر المتصاعد الذي كاد أن ينفجر ويتحول إلى حرب بين البلدين النوويين، بدأ الضغط الدولي على إسلام أباد ونيودلهي لوضع حد للاشتباكات الدائرة بينهما، فدخلت الولايات المتحدة الأميركية على الخط بشكل جدي وفعلي بعدما صرّحت قبل يوم واحد من هجوم باكستان بأن الخلافات بين الهند وباكستان "ليست من شأنها"، إلا أنَّ اقتراب الأوضاع من الانفجار دفع واشنطن إلى التدخل، فضغطت على كلا البلدين لخفض التصعيد والجلوس إلى طاولة المفاوضات، وهدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن إدارته لن تتعامل تجارياً معهما، ومن المحتمل أن تكون واشنطن قد أغرت البلدين بزيادة استثماراتها فيهما. 

وأوردت بعض التقارير أن واشنطن وافقت على الإفراج المؤقت عن قرض من صندوق النقد الدولي لباكستان مقابل وقف إطلاق النار. ويمكن أن تكون الولايات المتحدة الأميركية قد خففت بعض مطالبها تجاه الهند خلال المفاوضات التي تجري حالياً بينهما للتفاهم حول الرسوم الجمركية.

ولم تكن واشنطن هي الوحيدة التي تدخلت في الأزمة بين الهند وباكستان، فقد حاول العديد من الدول التوسط بين البلدين النووين، إذ زار وزير خارجية إيران عباس عراقتشي إسلام أباد ونيودلهي، وعقد وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، عادل الجبير، اجتماعات في كلا البلدين، وأجرى وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، اتصالات بالمسؤولين الباكستانيين والهنود. وبحسب وزير الخارجية الباكستاني، إسحاق دار، تحركت 30 دولة لوقف إطلاق النار.

إضافة إلى الضغوط الأميركية والدولية على البلدين لوقف القتال، لم تكن إسلام أأأباد ونيودلهي ترغبان في خوض حرب، إذ إن قنوات الاتصال بينهما بقيت مفتوحة، كما أن تصريحات مسؤولي البلدين كانت تشير إلى عدم الرغبة في التصعيد، ولكن كلاهما كان ملزماً بالرد لحفظ ماء الوجه أمام شعبه في الدرجة الأولى، والعالم في الدرجة الثانية.

إن عدم رد أي منهما على هجمات الدولة الأخرى سيظهرهما بمظهر الضعيف. لذلك، كان الوضع بحاجة إلى دولة ثالثة توقف التصعيد. وبعد تدخل واشنطن، بدا أن كلاهما انتصر في الاشتباكات التي دارت بينهما.

ولم تكتفِ واشنطن بالتوسط لوقف إطلاق النار، بل ستعمل على المساعدة لإيجاد حل لمسألة كشمير، فقد أعلن ترامب أنه قد يتوسط لحل الأزمة، وكتب في منصة تروث سوشيال: "سأعمل معكما (الهند وباكستان) لمعرفة ما إذا كان من الممكن التوصل إلى حلّ بشأن كشمير".

حاولت الهند وباكستان خلال العقود الماضية السعي لحل مشكلة كشمير، وعُقدت جولات عديدة من المحادثات الثنائية. مثلاً، عام 2001، زار رئيس الوزراء الباكستاني حينها برويز مشرف الهند لحضور قمة أغرا، وقدم مقترحاً لأزمة كشمير، ولكن بعد عدة أيام من المباحثات فشلت القمة في الوصول إلى إيجاد حل بشأن الإقليم.

تعد الهند كشمير جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وترفض أي مفاوضات حولها، ولا سيما من خلال طرف ثالث. لذلك، فإن تدخل الرئيس ترامب في الأزمة لن يعجب رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي وبعض الأطراف السياسية في الهند.

وفي هذا الإطار، طالب حزب المؤتمر بتفسير من الحكومة، وعقد اجتماعاً لجميع الأحزاب السياسية بشأن "إعلانات وقف إطلاق النار الصادرة عن واشنطن".

عملية وقف إطلاق النار ليست عملية دائمة، بل مؤقتة، ويمكن أن تتجدد في أي وقت ما دام السبب الذي يدفع إلى تجدد الاشتباكات لم يعالج بعد؛ فباكستان تطالب بإجراء استفتاء في الإقليم لاستقلاله أو الانضمام إليها، والهند تعتبر أن إقليم كشمير يقع تحت سيادتها، وتتهم باكستان بمساعدة "الإرهابيين" فيه.

 فضلاً عن التصريحات المتبادلة بين الجانبين بالرد على أي اعتداءات قد تحصل في المستقبل، فقد صرّح مودي بأن الهند ستستهدف مخابئ "الإرهابيين" عبر الحدود إذا وقعت هجمات جديدة على الهند من دون أن يثنيها الابتزاز النووي.

وحتى بعد وقف إطلاق النار، طردت الهند دبلوماسياً باكستانياً على خلفية ما وصفته نيودلهي بأنه "تصرفات غير قانونية"، فما كان من إسلام أباد إلا أن طردت أحد الدبلوماسيين الهنديين باعتباره شخصاً غير مرغوب فيه. وهذه الاستفزازات المتبادلة تدل على انعدام الثقة بين الجانبين الهندي والباكستاني التي يجب العمل على بنائها قبل الدخول في أي مفاوضات ومحادثات بين الجانبين.

أيضاً، هناك مسألة لا تقل أهمية عن مسألة كشمير، وهي مسألة المياه، فقد علّقت الهند معاهدة تقاسم مياه نهر السند الموقعة بين الجانبين عام 1960، وذلك بعد الهجوم المسلّح الذي وقع على إقليم كشمير الهندي، وهي المرة الأولى التي تعلّق فيها الهند المعاهدة على الرغم من الحروب التي شُنت بين البلدين، وبالتالي فإن وقف إطلاق النار مهدد في حال لم تُحل مشكلة المياه وتعيد الهند العمل بالاتفاقية، إذ اعتبرت باكستان مراراً على لسان مسؤوليها أن حجز مياه نهر السند أو فشل المفاوضات حولها سيكون بمنزلة عمل حرب. وربما ستضغط باكستان للحصول على ضمانات من الهند لعدم استخدام ورقة مياه السند كوسيلة ضغط عليها في كل مرة يحصل توتر في العلاقات بينهما أو تندلع اشتباكات عسكرية مستقبلاً.

نظراً إلى الأحداث التي مرت خلال السنوات الماضية، من غير المؤكد أن تتوصل الهند وباكستان وحدهما إلى حلّ لأزمة كشمير. وبعد عرض واشنطن وساطتها لحلّ الأزمة الكشميرية، يبقى السؤال: إلى أي مدى ستنجح في إيجاد حل للأزمة في ظل معارضة نيودلهي تدخل أطراف ثالثة؟ وكيف لها أن تعيد بناء الثقة بين البلدين النووين؟