بعد استقالة جاستن ترودو... هل تتحسّن العلاقات الهندية الكندية؟

تعيش كندا على مفترق طرق، ولا سيما بعد أن يعود ترامب إلى البيت الأبيض خلال الأسابيع المقبلة إذ تعهّد باستخدام القوة الاقتصادية ضدّ كندا، إلا إذا انضمّت إلى الولايات المتحدة الأميركية لتكون الولاية الأميركية الـ51.

0:00
  • ترامب يريد ضمّ كندا إلى الولايات المتحدة الأميركية.
    ترامب يريد ضمّ كندا إلى الولايات المتحدة الأميركية.

افتتحت كندا عامها الجديد بإعلان رئيس وزرائها جاستن ترودو استقالته من الحزب الليبرالي ورئاسة الوزراء، بعد ضغوط متزايدة عليه من داخل حزبه وخارجه، لينهي فترة تزيد عن 9 سنوات قضاها في منصبه رئيساً للوزراء. 

وأعلن ترودو أنه سيواصل تسيير الأعمال إلى أن يختار حزبه خليفة له، وأقرّ بأنه لا يستطيع أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة التي من المقرّر إجراؤها في تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

تأتي استقالة ترودو بعد تفاقم الأزمة السياسية التي يمرّ بها، وخسارة الدعم داخل حزبه، وتراجع شعبيته إذ تظهر استطلاعات الرأي خسارته في الانتخابات المقرّرة في 20 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، لذلك سعى أعضاء الحزب الليبرالي إلى تغيير القيادة قبيل الانتخابات، فضلاً عن مطالبة أحزاب كندية معارضة الرئيس ترودو بالتنحّي وإجراء انتخابات مبكرة.

 وجاءت تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية على السلع الكندية بنسبة 25% لتكون القشّة التي قصمت ظهر البعير وترفع منسوب الاستياء من الرئيس ترودو بسبب سياساته تجاه مواجهة الرسوم الجمركية المحتملة التي يهدّد بها ترامب، إذ نشبت خلافات بينه وبين نائبته ووزيرة المالية في حكومته كريستيا فريلاند التي استقالت من منصبها.

وفي محاولة من الرئيس ترودو لتخفيف الرسوم الجمركية المحتملة على السلع الكندية، التقى بالرئيس دونالد ترامب في منتجع مارالاجو في ولاية فلوريدا أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بزيارة غير معلنة مسبقاً، وعلى ما يبدو فإن اللقاء لم يسفر عن أيّ نتيجة. 

فترامب يريد ضمّ كندا إلى الولايات المتحدة الأميركية إذ كان يرى أنّ فرض رسوم جمركية على منتجاتها بسبب فشلها في معالجة قضايا الهجرة والتجارة سيدمّر اقتصاد أوتاوا، بينما اعتبر ترودو، الذي وصفه ترامب بأنه حاكم ولاية كندا، عملية الضمّ بأنها أمر مستحيل ولا فرصة لذلك على الإطلاق.

شكّلت استقالة الرئيس ترودو ارتياحاً نسبياً لدى الهند التي كانت على علاقات متوترة مع كندا وصلت إلى أدنى مستوياتها خلال السنوات الماضية، ولا سيما بعد أن ألمح الرئيس ترودو عام 2023، إلى تورّط الهند في مقتل زعيم بارز لطائفة السيخ، هارديب سينغ نيجار، في إحدى ضواحي فانكوفر، والذي يحمل الجنسية الكندية، ويُعدّ من أبرز الداعين إلى إقامة دولة سيخيّة مستقلة في شمال الهند (خاليستان)، ومصنّف إرهابياً من قبل الهند.

 ودعا ترودو السلطات الهندية إلى التعاون في التحقيقات التي تجريها السلطات الكندية حول هذه الحادثة. بينما رفضت الهند هذه المزاعم ووصفتها بأنها "سخيفة ولها دوافع" وطالبت رئيس وزراء كندا بتقديم أدلة على ذلك.

تأزّمت العلاقات بين الهند وكندا منذ أن تولّى ترودو منصب رئاسة الوزراء عام 2015، بعد أن عيّن أربعة وزراء من السيخ في حكومته، الأمر الذي أثار استياء نيودلهي واتهمت أوتاوا بدعم الدعوات الانفصالية. وارتفع منسوب التوتر عام 2018، عندما تمّت دعوة مواطن كندي أدين بمحاولة اغتيال سياسي هندي إلى حفلات استقبال رسمية من قبل كندا في أثناء زيارة الرئيس ترودو للهند. وقد حاول الحزب الليبرالي مغازلة الانفصاليين الخاليستانيين المقيميين في كندا لكسب أصواتهم في الانتخابات والحصول على الدعم السياسي. 

وأدّى التوتر بين البلدين على خلفيّة اتهام الهند بقتل الزعيم السيخي إلى طرد متبادل لمسؤولين دبلوماسيين، واتهمت الحكومة الكندية وزير الداخلية الهندي، أميت شاه، المقرّب من رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، بالتورّط في مؤامرات لاستهداف انفصاليين من السيخ في كندا.

بعد استقالة الرئيس ترودو، يتوقّف مستقبل العلاقات بين الهند وكندا على من سيتولّى منصب رئيس الوزراء خلفاً للرئيس المستقيل، وحول ما إذا كان سيرث سياسة ترودو أو يعمد إلى اتباع نهج تصالحيّ أكثر تجاه الهند عبر معالجة القضايا الخلافية بين البلدين، والتي تتعلّق بالانفصاليين السيخ الموجودين في كندا التي  يوجد فيها أكبر جالية سيخيّة في العالم تقدّر بنحو 800 ألف نسمة.

من غير الواضح لغاية الآن من سُيرشّح الحزب الليبرالي ليكون خليفة الرئيس ترودو، مع أنّ هناك العديد من الأسماء التي بدأت تظهر إلى العلن، ومنها شخصيات تتولّى مناصب في الحكومة الحالية، منها مثلاً أنيتا أناند، وهي من أصول هندية، تتولّى حالياً منصب وزيرة النقل في حكومة ترودو، وكانت قد شغلت منصب وزيرة الدفاع سابقاً.

ويبرز أيضاً اسم وزيرة المال المستقيلة كريستيا فريلاند التي أدّت، خلال فترة تولّيها منصبها، دوراً محورياً في التفاوض على اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا والتي تتضمّن إنشاء منطقة تجارية حرّة بين الدول الثلاث، ووصفها الرئيس ترامب بأنها "سامّة تماماً" وغير مؤاتية إطلاقاً لإبرام الصفقات.

ومن الأسماء المتداولة أيضاً اسم وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، التي أدانت تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب حول استخدام القوة الاقتصادية ضدّ كندا. وجميع هؤلاء الشخصيات كانوا مؤيّدين لسياسة الرئيس ترودو تجاه الهند. 

وبالتالي من المحتمل في حال تعيين أيّ منهم الاستمرار في اتباع سياسة ترودو تجاه الهند لحين إجراء الانتخابات الفيدرالية في شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، أو في حال إجراء انتخابات مبكرة في حال لم يمنح البرلمان حكومة الليبراليين الجديدة الثقة.

ولكن قد يؤدّي استخدام الرئيس ترامب القوة الاقتصادية ضدّ كندا إلى تغيير الحزب الليبرالي نهجه في التعامل مع الهند لتخفيف الضغوطات الاقتصادية التي من المحتمل فرضها على أوتاوا.

وعلى المقلب الآخر، يسعى حزب المحافظين المعارض الذي يتزعّمه بيير بوليفير، إلى الفوز بالرئاسة، حيث أظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة نانوس للأبحاث تقدّم حزب المحافظين بنحو 26 نقطة على الليبراليين.

من المتوقّع في حال فوز بيير بوليفير أن يتبع نهجاً أكثر توازناً مع الهند خاصة أنّ حزبه متقدّم في استطلاعات الرأي ولا يحتاج إلى أصوات الجالية السيخيّة. وقد انتقد بوليفير علناً طريقة تعامل ترودو مع النزاعات بين كندا والهند وطلب من الرئيس ترودو كشف المزيد من المعلومات بشأن مزاعم تورّط عملاء للحكومة الهندية في مقتل الزعيم السيخي هارديب نيجار على الأراضي الكندية، وأوضح أنه إذا أصبح رئيساً للوزراء سوف يسعى إلى إقامة علاقات "مهنية " مع الهند التي وصفها بأنها أكبر ديمقراطية على وجه الأرض. 

بشكل عامّ كانت الأزمة بين كندا والهند من الأسباب التي زادت النقمة داخلياً على الرئيس ترودو الذي حاول كسب أصوات الجالية السيخيّة في الهند من دون أن يحاول معالجة الخلافات مع الهند.

تعيش اليوم كندا على مفترق طرق، ولا سيما بعد أن يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض خلال الأسابيع القليلة المقبلة إذ تعهّد باستخدام القوة الاقتصادية ضدّ كندا، إلا إذا انضمّت إلى الولايات المتحدة الأميركية لتكون الولاية الأميركية الـ 51 وهو ما رفضته أوتاوا رفضاً قاطعاً وأكدت أنها لن تنحني أمام ترامب.

 وفي محاولة منه لاستفزاز الحكومة الكندية نشر ترامب صورتين تظهران خريطة للولايات المتحدة وقد ضمّت إليها كندا قائلاً "أوه كندا".

على ما يبدو فإنّ كندا ستواجه ضغوطاً أميركية لذلك قد تجد أنّ تخفيف التوترات مع الهند، أو حتى مع الصين، التي شهدت أيضاً علاقاتهما تدهوراً كبيراً خلال رئاسة ترودو، طوق نجاة لها لمنع تدهور اقتصادها في ظلّ تهديد ترامب باستخدام القوة الاقتصادية، ومن المحتمل أن تزيد التبادلات التجارية بين كندا والهند وترتفع نسبة الاستثمارات الهندية على الأراضي الكندية.

من هنا، فإنّ أولوية رئيس وزراء كندا الجديد، سواء كان من الحزب الليبرالي أو من حزب المحافظين أو أيّ حزب آخر، هي كيفيّة التعامل مع الرئيس دونالد ترامب وليس إثارة التوترات مع الهند.