تداعيات اتفاقية الدفاع المشترك بين باكستان والسعودية على الهند
الهند مهمة للسعودية كما أنّ الأخيرة مهمة للهند في ظلّ التغيّرات الجيوسياسية والضغوط التي يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على كلا البلدين.
-
في العلاقات الدولية لا عداء دائماً، ولا صداقة دائمة.
عندما وقع هجوم باهالغام في إقليم كشمير الخاضع للسيادة الهندية، بتاريخ 22 نيسان/أبريل الماضي، وأدّى إلى اندلاع اشتباكات مسلّحة بين الهند وباكستان، كان رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، يقوم بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية حيث عقد لقاء مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ووقّع الطرفان السعودي والهندي العديد من الاتفاقيات التي تغطي عدة مجالات منها الطاقة، الفضاء، الصحة، الرياضة، ولكن بسبب وقوع التفجير الذي اتهمت الهند باكستان بدعم الجماعات الإرهابية التي نفّذته، قطع مودي زيارته إلى جدّة وعاد إلى نيودلهي.
وفي خطوة مفاجئة وقّع ولي العهد السعودي مؤخّراً مع رئيس وزراء باكستان، محمد شهباز شريف، الذي كان يزور السعودية، اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك التي نصّت على أنّ أيّ اعتداء على أمن البلدين يعدّ اعتداء على كليهما.
ورغم أنّ باكستان والسعودية تربطهما علاقات دفاعية غير رسمية منذ عقود، إلّا أنّ الاتفاقية الدفاعية أعطت الطابع الرسمي للتعاون الأمني بين البلدين.
جاء توقيع الاتفاقية بعد أسبوع تقريباً من الهجمات الإسرائيلية على قطر والتي استهدفت الوفد المفاوض من حركة حماس من دون أن تحرّك الولايات المتحدة الأميركية ساكناً وتمنع هذا الاعتداء على الرغم من معرفتها المسبقة به. وقد أثار سكوت واشنطن استياء دول الخليج، وبدأت الشكوك تتزايد حول مصداقيّة الولايات المتحدة في توفير الغطاء الأمني لهم في حال حصول أيّ اعتداء عليهم.
كما جاء توقيع الاتفاقية في وقت تزداد فيه الأحاديث في "إسرائيل" حول إقامة "إسرائيل الكبرى"، وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه يشعر بأنه في" مهمة تاريخية وروحية"، وأنه مرتبط بشدّة برؤية "إسرائيل الكبرى". وتشمل "إسرائيل الكبرى" وفق المزاعم الإسرائيلية مناطق تضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلة، جزءاً من الأردن ولبنان وسوريا ومصر والسعودية وذلك لتحقيق الحلم الصهيوني من النيل إلى الفرات.
وعلى المقلب الآخر أثار توقيع الاتفاق الأمني بين السعودية وباكستان القلق في الهند، بالنظر إلى العداء مع باكستان والاشتباكات التي حصلت بين البلدين النوويين، آخرها الاشتباك الذي وقع خلال شهر أيار/مايو الماضي، فبموجب اتفاقية الدفاع المشترك على السعودية أن تتدخّل إلى جانب باكستان في حال وقع أيّ اعتداء هندي عليها.
فلنتخيّل أنه إذا وقع اشتباك جديد بين إسلام آباد ونيودلهي، على الرياض أن تتدخّل إلى جانب باكستان تطبيقاً للمعاهدة. وعندما سئل وزير الدفاع الباكستاني، خواجه آصف، حول تدخّل السعودية إلى جانب باكستان ضدّ الهند، أجاب "نعم بالتأكيد لا شكّ في ذلك". ومع ذلك شدّد الوزير الباكستاني على أنّ الاتفاق مع السعودية هو اتفاق دفاعي وليس هجومياً.
جاء ردّ الهند على الاتفاق الدفاعي حذراً ولم تتخذ أيّ إجراءات عدوانية تجاه السعودية، إذ أعلنت أنها ستدرس بعناية آثار الاتفاقية على الأمن القومي والاستقرار الإقليمي، وعبّرت عن أملها في أن تراعي السعودية المصالح والحساسيات المتبادلة بين الهند وباكستان، ولتهدئة مخاوف الهند أشارت السعودية إلى أنّ الاتفاق الدفاعي مع باكستان لا يستهدف أيّ دولة بعينها.
بالنسبة لنيودلهي، يُعدّ الاتفاق السعودي الباكستاني تطوّراً لا يمكن تجاهله، وإن كانت تدرك تماماً أنه موجّه نحو "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية، كما أنّ الهند لا تريد توتير علاقاتها مع السعودية وتأخذ بعين الاعتبار شراكاتها المتنامية مع المملكة، والتي ارتقت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية عام 2010، ونمت بشكل سريع خلال السنوات الماضية وساهم التقارب الشخصي بين مودي ومحمد بن سلمان في تعزيز العلاقات بين البلدين إذ دائماً ما يشير مودي إلى ابن سلمان بأنه " أخوه".
وحالياً تعتبر الهند ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما عام 2024 نحو 41.88 مليار دولار، ويبلغ حجم الاستثمارات الهندية في السعودية 3 مليارات دولار، بينما يبلغ إجمالي الاستثمارات السعودية في الهند نحو 10 مليارات دولار. وعلى صعيد الطاقة استحوذت المملكة على 18% من واردات الهند من الطاقة في السنة المالية 2023. كما أنّ السعودية تضمّ عدداً كبيراً من الجالية الهندية التي يقدّر عددها بنحو 2.6 مليون نسمة.
وبالتالي في حال توتر العلاقات بين السعودية والهند، فإنّ ذلك سيؤثّر على اقتصاد كلّ منهما وربما يؤثّر على مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا والذي تمّ إطلاقه خلال قمة العشرين لعام 2023، التي عقدت في نيودلهي، والهند والسعودية أبرز الأعضاء فيه والذي ينافس مشروع طريق الحرير الصيني.
تتمثّل المهمة المقبلة للهند في تعزيز علاقاتها وروابطها الاستراتيجية والاقتصادية مع الرياض، ومراقبة كيفية تطبيق باكستان والسعودية لالتزاماتهما الجديدة. ومن المحتمل أن تعزّز علاقاتها أكثر مع "إسرائيل" نظراً لكونها المستهدف الأول من اتفاقية الدفاع بين السعودية وباكستان، وربما تعمد الهند إلى توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع عدد من دول الخليج مع العلم أنّ باكستان كانت تريد عقد اتفاقية دفاع مشترك جامعة كلّ دول الخليج، إلّا أنّ الرياض رفضت ذلك وفضّلت عقد اتفاقية بمفردها مع إسلام آباد.
ومن ناحية أخرى من شأن هذا الاتفاق الأمني أن يعزّز مكانة الصين في الشرق الأوسط وأن يزيد من الأسلحة الصينية في المنطقة نظراً لأنّ أكثر من 70% من أسلحة باكستان هي صينية الصنع وأثبتت فعّاليتها خلال الاشتباكات الهندية الباكستانية، وبالتالي فإنّ تمدّد النفوذ الصيني في الشرق الأوسط لن يخدم الهند التي تسعى إلى منافسة الصين.
بالمقابل، وبالنظر إلى مكانة الهند لدى السعودية، فمن المحتمل أن تقوم المملكة بتعزيز علاقاتها مع الهند للتخفيف من قلق نيودلهي إزاء اتفاقية الدفاع مع باكستان.
بشكل عامّ، الاتفاق الدفاعي الذي أُعلن عنه هو رمزي أكثر منه عملي على أرض الواقع، أرادت السعودية منه الضغط على واشنطن لكبح تصرّفات وتمادي الكيان الصهيوني الذي يعبث بأمن المنطقة، إضافة إلى مكاسب أخرى تتعلّق بالحصول على أسلحة نووية في حال قامت إيران بإنتاج أسلحة نووية، وتبقى باكستان هي الرابح الأكبر من وراء هذا الاتفاق بهدف الحصول على المساعدات المالية وردع الهند في حال فكرت بإعادة شنّ هجوم عليها.
الهند مهمة للسعودية كما أنّ الأخيرة مهمة للهند في ظلّ التغيّرات الجيوسياسية والضغوط التي يمارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على كلا البلدين، وسياسة تنويع الشراكات التي يتبعها الجانبان، لذلك ستكون المملكة مضطرة إلى موازنة علاقاتها مع كلّ من الهند وباكستان.
في العلاقات الدولية لا عداء دائماً، ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة. وما من شكّ أنّ العالم اليوم ليس هو عالم الأمس، هناك تغيّرات جيوسياسية تحصل وأحلاف وشركات بدأت تتشكّل مع حرص كلّ طرف على تأمين أكبر قدر من المكاسب في عالم يقترب شيئاً فشيئاً من عالم متعدّد الأقطاب.