تركيا.. في عالم السياسة كل شيء مباح
بعد المعلومات التي تحدثت عن احتمال إخلاء سبيل إمام أوغلو في أول جلسة من محاكمته بقضايا الفساد المفتعلة، فوجئ الجميع بتهمة جديدة وهي التجسس لحساب المخابرات الغربية.
- 
  تركيا والحياة السياسية. 
بعد سبعة أشهر من اعتقاله بتهم الفساد، وجدت السلطات القضائية نفسها مضطرة إلى اختلاق تهمة جديدة لضمان بقاء رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو في السجن لفترة أطول، وربما إلى ما بعد الانتخابات.
فبعد المعلومات التي تحدثت عن احتمال إخلاء سبيل إمام أوغلو في أول جلسة من محاكمته بقضايا الفساد المفتعلة، فوجئ الجميع بمن فيهم إمام أوغلو نفسه بتهمة جديدة وجّهت إليه ألا وهي التجسس لحساب المخابرات البريطانية والأميركية والإسرائيلية.
وقال وكيل النيابة في إسطنبول الذي أمر باعتقال إمام أوغلو ومعه مستشاره السابق (وهما في السجن أساساً) ورئيس تحرير قناة Tele1 الإخبارية المعارضة ماردان ينارداغ إن الثلاثة كانوا على تواصل مع شخص قيل إنه يعمل مع أجهزة المخابرات الثلاثة وسلّموه معطيات ومعلومات شخصية عن الناخبين في مدينة إسطنبول.
زعيم حزب "الشعب" الجمهوري أوزكور أوزال و أكرم إمام أوغلو وصفا الاتهامات بأنها "سخيفة إلى درجة الغباء لأن الشخص الذي قيل إن إمام أوغلو كان على تواصل معه وقّع خلال الفترة الماضية على العديد من عقود العمل مع وزارة الاتصالات في ما يتعلق بالسرية السيبرانية.
وقال محامو إمام أوغلو إن الشخص المذكور والشركة البريطانية التي يعمل معها قد حصلا على أدق المعلومات الشخصية عن جميع المواطنين في تركيا، إذ سبق لوزير الاتصالات عبد القادر أورال أوغلو أن اعترف لقناة "خبر تورك" أن مجهولين قد اخترقوا الحاجز الوقائي لموقع الوزارة وسرقوا المعلومات الشخصية لكل المواطنين الأتراك.
إمام أوغلو اتهم النيابة العامة، وبتعليمات السلطات الحكومية التي تسيطر على الأجهزة القضائية بتلفيق الأكاذيب والاعتماد على المعلومات الكاذبة لشهود الزور، وأكد أن لا علاقة مباشرة له أو غير مباشرة بالشخص المذكور، وأضاف أن مثل هذا الافتراء والكذب والتآمر لا يخطر ببال الشيطان. ونحن جميعاً وجهاً لوجه أمام عمل فاضح ومخز و لا يمكن وصفه بالكلمات".
لم يمنع كلام إمام أوغلو هذا ومعه ماردان ينارداغ النيابة من اتخاذ قرارها بمصادرة القناة التلفزيونية، وهي من أهم محطات المعارضة التي سبق للسلطات الأمنية أن اعتقلت رئيس تحريرها أكثر من مرة بتهم مختلفة ومنها إهانة رئيس الجمهورية أو تحريض الشعب على التمرد.
وقال ينارداغ بعد اعتقاله وعبر محاميه "لقد تعودت على التهم الملفقة، ولكن لم أكن أتوقع التهمة الأخيرة وهي التجسس لحساب الموساد، أنا وزملائي في القناة من أكثر المعادين للكيان الصهيوني والمجرم نتنياهو، كما أننا وأكثر من أي قناة أخرى فضحنا باستمرار العلاقات السرية بين أنقرة و تل أبيب منذ طوفان الأقصى، بل وقبل ذلك منذ فترة طويلة".
أوساط المعارضة التي ذكّرت بقرار الحكومة التي سمحت الشهر الماضي لرئيس المخابرات البريطانية ( MI6 ) السابق ريتشارد مور (وكان سفيراً سابقاً لبلاده في أنقرة ويتحدث التركية بطلاقة) بفتح مكتب لتجنيد العملاء وتوظيفهم للعمل ضد روسيا لم تعد تخفي قلقها بل تخوفها من التطورات المحتملة على صعيد السياستين الداخلية والخارجية.
وأشارت هذه الأوساط إلى الصداقة الحميمة بين مور وكل من وزير الخارجية ورئيس جهاز المخابرات التركية السابق هاكان فيدان ورئيس المخابرات الحالي إبراهيم كالين، وتوقعت لأنقرة تحركات إقليمية مثيرة، وذلك بالتنسيق والتعاون مع واشنطن ولندن خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء البريطاني ستارمر إلى أنقرة (27 أكتوبر) .
كما توقعت وبعد مصادرة قناة Tele1 مضايقات جدية من قبل المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون على محطات التلفزيون المعارضة مع احتمالات تغريم وإغلاق ما تبقى من المحطات التلفزيونية ( محطتان فقط مقابل العشرات من المحطات الموالية للرئيس إردوغان)، وكذلك حملة اعتقالات مرتقبة ستستهدف الصحفيين المؤثرين في الشارع الشعبي عبر حساباتهم في اليوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي.
في الوقت الذي تتحدث فيه الأوساط المقربة من الرئيس إردوغان عن خطة حكومية تستهدف الحد من تأثير شبكات التواصل الاجتماعي التي تحوّلت إلى المنبر الأخير للتعبير عن آراء الجماهير مع احتمالات ملاحقة كل من يستهدف الرئيس إردوغان، أو يوجّه انتقادات شخصية له ولسياساته الداخلية والخارجية، وهو ما يعده وكلاء النيابة إهانة لرئيس الجمهورية وتستحق الاعتقال فوراً فيما تعترف السلطات بمطلق الحرية لعشرات الآلاف من الذباب الإلكتروني الموالي للحكومة، والذين يشنّون حملات تشويه شرسة ضد جميع المعارضين في شبكات التواصل الاجتماعي.
ويتوقع البعض لمثل هذه الاحتمالات أن تكون جزءاً من خطة الرئيس إردوغان للتخلص من المعارضة كافة، واتخاذ قرار مفاجئ لإجراء الانتخابات المبكرة في الربيع القادم بعد ضمان بقاء إمام أوغلو في السجن ومنعه من المشاركة في هذه الانتخابات.
في الوقت الذي ما زالت فيه استطلاعات الرأي تتوقع لإمام أوغلو أن يفوز على إردوغان بنسبة لا تقل عن 56% مقابل 42-44٪ للرئيس إردوغان.
ومن المتوقع له أن يستنفر كل إمكانياته الشخصية والرسمية لمنع الناخبين الكرد من التصويت لإمام أوغلو، وذلك بتقديم البعض التنازلات لهم بما في ذلك إصدار عفو عام عن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان وكل قيادات الحزب ومسلّحيه. كما يستعد إردوغان لمرحلة جديدة للمصالحة مع أحزاب المعارضة اليمينية خاصة بعد المعلومات التي تحدثت عن اتصالات سرية بينه وبين وزير الاقتصاد السابق علي باباجان، ورئيس الوزراء السابق وزعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو وقال بدوره "إنه مستعد للعمل مع إردوغان" .
في الوقت الذي يراهن فيه زعيم حزب "الشعب الجمهوري" أوزكور أوزال على رد فعل الناخبين وغضبهم على سياسات الرئيس إردوغان الخارجية والداخلية، وبشكل خاص قضايا الفساد الخطيرة التي تورط فيها المقربون من إردوغان. وانعكس ذلك بشكل كبير على الواقع الاقتصادي والمالي للدولة والأمة التركية التي تواجه أخطر أزماتها المالية مع تهرب المؤسسات الغربية من تقديم أي قروض لإنقاذ الاقتصاد التركي، وعلى الرغم من علاقات التحالف الاستراتيجي بين الرئيس إردوغان والزعماء الغربيين وفي مقدمتهم الرئيس ترامب، وأعلن أكثر من مرة عن تأييده ودعمه المطلق للرئيس إردوغان وسياساته الإقليمية وخصوصاً في سوريا.
 
                     
                                 
                                             
                                             
                         
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                     
                    