تركيا في سوريا: الأولوية للمصالح أم للاستقرار؟

المشاريع التي تريد تركيا تنفيذها في سوريا تقتضي قرار رجل واحد وحكومة واحدة وبغطاء دستور مؤقت ويُراد للسوريين بجميع مكوناتهم الانصياع للقرارت التي تتخذ من قبل هذه الحكومة. 

  • تتعامل تركيا مع سوريا وكأنه لا أقليات فيها.
    تتعامل تركيا مع سوريا وكأنه لا أقليات فيها.

لم يهتم الرئيس التركي  رجب طيب إردوغان بتعزيز استقرار سوريا عبر جمع المكونات الاجتماعية السياسية  السورية المتنوعة والوقوف على مطالبها ومشاركتها في صياغة الدستور. فأتت الحكومة المؤقتة في دمشق، بقيادة أحمد الشرع، لتعكس رؤية إردوغان لسوريا المستقبلية وتعبر عن عودة  "الإحياء السني" وهي  فكرة تعود لأحمد داوود أوغلو حول إبعاد إيران عن سوريا. 

فشلت حكومة الشرع في حماية الأقليات. منذ فبراير/شباط وأبريل/نيسان 2025، ما أسفر عن مقتل المئات من العلويين في الساحل السوري. فالشرع لم يستطع كبح جماح الفصائل الجهادية في زيها الرسمي وهي المدفوعة بالتزام إيديولوجي بتطهير الأقليات وهذا ما كان قد حصل للدروز في إدلب الذين أجبروا على اعتناق الدين الإسلامي السني قبل سنوات مضت.

العنف في السويداء والإعدامات التي واجهها الدروز شبيهة بما شهده العلويون وهذا ما جعل كرد سوريا فاقدين للثقة بالاندماج في مشروع دولة الشرع ولا يجدون أن لديه رغبة في بناء سوريا التي تحترم التنوع. في آذار/مارس 2025، قام مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، بتوقيع اتفاق مثير للجدل للاندماج مع الجيش السوري الجديد، ومشروع توحيد سوريا تحت مظلة واحدة.

تتعامل تركيا مع سوريا وكأنه لا أقليات فيها أو كأنها لا تحتاج للديمقراطية التي شكلت الغطاء الثوري سنوات للتخلص من نظام الأسد. أما المشاريع التي تريد تركيا تنفيذها في سوريا فهي تقتضي قرار رجل واحد وحكومة واحدة تُغطَّى بدستور مؤقت ويراد للسوريين بجميع مكوناتهم الانصياع للقرارت التي تتخذ من قبل هذه الحكومة. 

نفذ الشرع تعليمات تركيا بإرسال الرسائل الودية لـ"إسرائيل" والاجتماع بمسؤوليها للاتفاق على عدم الاعتداء وعدم رغبة سوريا بالقتال ضدها وأبدت حكومته استعدادها للوقوف بوجه إيران وعدم السماح بتهريب سلاح أو أموال الى حزب الله.

والتفاوض حول حدود أمنها واستعدادها لعقد اتفاقية سلام. كل ذلك بعد أن قصفت "إسرائيل" الثكنات والأسلحة التي خزنتها سوريا في زمن الأسد والتي جرى التعامل مع قصفها من قبل فصائل الشرع وكأنها ليست جزءاً من الدولة السورية. اعتبرت تركيا أن إغلاق الطريق أمام إيران والسلام مع "إسرائيل" يمكن أن يكونا كافيين لكي تنصرف إلى مشاريعها في سوريا.

كيف تدير تركيا مشاريعها وهل ابتعدت "إسرائيل"؟

عملت أنقرة على رسم خارطة الطاقة في سوريا وهو المشروع الأساسي الذي تعول عليه وهو يعزز دورها كمزود رئيسي للطاقة وقامت بمحاولة تعزيز شراكات استراتيجية واستثمارات واسعة في قطاع الغاز والكهرباء والنفط والمعادن، وهي ترى أن دورها ليس اقتصادياً فقط، إنما ينعكس بشكل مباشر على الاستقرار الجيوسياسي الإقليمي من خلال تعزيز التكامل بين الدول، كذلك تسعى إلى تخفيف أزمة الطاقة في سوريا، من خلال بناء شراكات جيوسياسية واقتصادية واسعة، مع شركاء إقليميين بارزين مثل قطر وأذربيجان.

وقعت اتفاقية التعاون الشاملة مع دمشق في مايو 2025 في مجالات الغاز والكهرباء والنفط والمعادن  وهي تعكس بداية مرحلة جديدة لإعادة تأهيل البنية التحتية.

وجرى إنشاء خط أنابيب بين مدينة كيليس التركية وحلب لتزويد سوريا بـ 2 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، وحصلت شركات تركية على حقوق استثمار في قطاعات النفط والتعدين، بما يشمل استخراج معادن استراتيجية مثل الفوسفات والليثيوم، وتشغيل خطوط التكرير والنقل إضافة الى مشاريع في الطاقة بين قطر وتركيا وأذربيجان والولايات المتحدة في مجال الطاقة والكهرباء  ما يضع تركيا في موقع استراتيجي إقليمي جديد.

 وتشمل المصالح الاقتصادية التركية المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، فتركيا تريد السيطرة على الموارد، وتطوير البنية التحتية، وتسعى تحديدًا إلى الوصول إلى موارد كالمياه والنفط، والمشاركة في جهود إعادة الإعمار، وربما لإعادة توطين اللاجئين السوريين. الذين تركوا هذه المناطق.

ومن المعروف أن المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية تتمتع بموارد طبيعية كبيرة، بما في ذلك النفط والمياه، والتي تسعى تركيا إلى السيطرة عليها، ما قد يؤدي إلى شراكات اقتصادية أو حتى السيطرة على هذه الأصول. إن إعادة بناء سوريا ستوفر فرصاً اقتصادية كبيرة لتركيا، بما في ذلك عقود البناء والتجارة والاستثمار.

قسد والضغوط الأميركية –التركية 

عملية اندماج قسد تدريجياً لا تزال في مراحلها التأسيسية وتتطلب وقتًا وجهودًا تفاوضية مستمرة، هذا ما تسعى إليه الولايات المتحدة من أجل إنجاز عملية الاندماج،  الاتفاق الحالي بين الطرفين لا يتجاوز كونه "إعلان نوايا"، ولم يُحدد له حتى الآن إطار زمني واضح، الحكومة السورية، خصوصًا بعد احتجاجات السويداء،  وبعد ضغوط غربية أصبحت أكثر ميلاً لإشراك مختلف المكونات السورية، في عملية إعادة بناء الدولة، معتبرة أن المرحلة الحالية تتطلب توحيد كافة القوى الوطنية تحت مظلة واحدة تقوم على مبدأ "شعب واحد، أمة واحدة، وترى أن ضمّ "قسد" إلى مؤسسات الدولة يتيح لها استعادة سيادتها على الشمال الشرقي، في حين تراهن "قسد" على تحقيق اعتراف رسمي بوضع خاص للأكراد السوريين ضمن الدولة المركزية.

وفي نفس الوقت تسعى تركيا إلى إبرام اتفاق دفاعي مع سوريا قد يتضمن، إنشاء قواعد عسكرية تركية على الأراضي السورية يُفترض أن تكون في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا التي يقودها الكرد.

إلا أن قسد ترى أنه إذا لم تُمنح الأقليات كالعلويين والمسيحيين والدروز، حقوقاً شاملة  في الدستور، فلن يتنازل الكرد عن أي من مطالبهم المحددة".

وعلى الشرع أن يطلق ورشة كتابة دستور جديد يرتكز على المساواة بين جميع المواطنين على قدم المساواة، حيث  القرارت تشاركية وانتخابات حرة وإلا فلن يكون هناك استقرار.

ويشير بعض التقارير إلى أن بعض العناصر المنضوية تحت راية القوات الحكومية قد فاقمت الهجمات الأخيرة على الأقليات وهي غير موافقة على إعطاء حقوق للأقليات.

أنقرة  التي راهنت على المشاريع الاقتصادية ترى الآن ضرورة الاستقرار تصرح أن أي محاولة لتقسيم سوريا هي تهديد مباشر لأمنها،  يتعين الانتظار لمعرفة مدى قدرة كرد سوريا على الحفاظ على حكمهم الذاتي في شمال شرق سوريا في إطار اتفاق السلام مع دمشق. فيما دعا زعماء الأقليات الحكومة السورية إلى تعزيز حقوقهم كأقليات في البلاد.

"إسرائيل" لا تتهاون مع أنقرة    

تخوض تركيا و "إسرائيل" صراع نفوذ معقداً في سوريا، مدفوعًا بمصالح متضاربة وحسابات استراتيجية، ما يؤثر على الاستقرار.

"إسرائيل" تطالب بإخلاء كافة الأراضي السورية جنوب دمشق من السلاح، بما في ذلك محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، وأنها لن تتسامح مع التهديدات الموجهة ضد الدروز في جنوب سوريا.  

تسعى "إسرائيل" إلى إنشاء مناطق عازلة ومناطق نفوذ في جنوب سوريا لمنع الهجمات على أراضيها والحد من وجود المسلحين المناهضين لـ "إسرائيل".

وتشعر "إسرائيل" بقلق خاص إزاء وجود الفصائل الإسلامية. حاولت التدخل وما زالت لحماية الأقليات المهددة، وخاصة الدروز، من أجل تثبيت وجودها في الجنوب وهي تسعى إلى إنشاء مناطق عازلة ومناطق نفوذ في جنوب سوريا لمنع الهجمات على أراضيها والحد من وجود المسلحين المناهضين لـ "إسرائيل".

وهي تتصرف على أن احتلالها في مرتفعات الجولان طويل الأمد، بما في ذلك بناء البؤر الاستيطانية والشراكة المزعومة مع شركات خاصة، بينما التقى ممثلون من حكومة الشرع في باريس بعد أحداث السويداء مع ممثلين للحكومة الإسرائيلية في25 يوليو/تموز 2025 بوساطة فرنسية وأميركية في محاولات احتواء التصعيد  الذي حصل في الجنوب السوري"، وإمكانية إعادة  تفعيل الاتفاقية التي عقدت عام 1974 لكن يبدو أنها أقل بكثير مما تريده.

 الحكام الجدد في دمشق، زاروا روسيا ، اتخذوا نهجاً عملياً في العلاقات مع موسكو،  وكان بوتين، قد أجرى مكالمة هاتفية مع الشرع  في شهر كانون الثاني وصفها الكرملين بأنها "بناءة وعملية".

شكره على بقاء بعض القوات الروسية في الساحل السوري، وكانت روسيا في الوقت عينه قد أرسلت شحنات نفط إلى سوريا.  تأتي هذه الزيارة بعد مكالمة بوتين مع نتنياهو حول سوريا بعد مكالمة مع الرئيس إردوغان، حيث تمنى بوتين على نتنياهو عدم العبث في استقرار ووحدة سوريا. أتت الزيارة كبداية لفتح صفحة في العلاقة ولا سيما أن لروسيا علاقات  مميزة مع "إسرائيل" ونتنياهو بالتحديد وهي حريصة على وحدة الأراضي السورية.

شكر الشرع روسيا على "موقفها القوي في رفض الضربات الإسرائيلية والانتهاكات المتكررة للسيادة السورية". وكان إردوغان قد تحادث مع الرئيس الروسي بشأن الضغط على "إسرائيل" بعد القصف الذي طال المراكز الحكومية السورية. 

لا يمكن التعويل على المشاريع الاقتصادية من دون استقرار ولا سيما أن "إسرائيل" تعتبر نفسها هي أيضاً شريكة في صناعة العهد الجديد في سوريا ولها حصة في المشاريع المقبلة.