توجّهات حكومة نتنياهو بعد وقف إطلاق النار في غزة (1_3)
حزب الليكود الحاكم بقيادة نتنياهو يسعى لإيجاد حلول توافقيّة ترضي الطرفين، بما يوفّر دعم الحريديم لاستمرار الحكومة، من دون مواجهة مباشرة مع المحكمة العليا أو خسارة ناخبيه الذين يؤيّدون تجنيد الحريديم.
تواجه الحكومة الإسرائيلية برئاسة بيبي نتنياهو معضلات داخلية وتحدّيات خارجية بعد دخول وقف إطلاق النار وصفقة التبادل مع المقاومة الفلسطينية في غزة أسبوعها الثاني، والتساؤلات المطروحة عن مصير الصفقة بعد انتهاء المرحلة الأولى في ضوء تهديدات زعيم الصهيونية الدينية بتسلئيل سموترتش بالانسحاب وتفكيك الحكومة في حال عدم العودة للحرب على غزة، بينما يؤيّد أكثر من ثلثي الإسرائيليين إنهاء الحرب وتنفيذ مراحل الصفقة الثلاث، كما تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للانطلاق نحو مسارات عمل استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، تخدم المصالح الأميركية، تكون نقطة البداية فيها تمرير مراحل وقف إطلاق النار في غزة وإنهاء الحرب، بيد أنّ التناقضات داخل الائتلاف الحكومي والخلافات حول قانون التجنيد وتوزيع الموارد المالية بين التيار الديني الحريدي والتيار الصهيوني القومي، في ضوء التهديدات المتبادلة بين زعيم حزب شاس الحريدي أرييه درعي ورئيس حزب الصهيونية الدينية سموترتش بحلّ الائتلاف البميني الحاكم على خلفيّة الخلاف حول قانون التجنيد، تضع نتنياهو أمام مأزق حقيقي يهدّد حكومته.
تعكس تهديدات وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بتفكيك الحكومة كردّ على تهديدات أرييه درعي، زعيم حزب شاس، التي أكد فيها عزمه الانسحاب من الائتلاف اليميني الحاكم إذا لم تحلّ قضية تجنيد الحريديم خلال شهرين، تعكس توتراً داخلياً في حكومة بنيامين نتنياهو .
وتعكس الأزمة بين سموتريتش ودرعي صراعاً حول الموازنات، والمصالح الحزبية، والتنافس بين التيار القومي والأحزاب الدينية .
يمثّل قانون التجنيد وإعفاء طلاب المدارس الدينية من التجنيد الخلاف الجوهري بين التيارين، ويُعدّ قانون التجنيد قضية معقّدة، إذ يطالب اليمين القومي بفرض التجنيد الإلزامي على طلاب المدارس الدينية الحريدية، بينما ترفض الأحزاب الحريدية مثل "شاس" و"يهدوت هتوراة" ذلك بشدّة. المحكمة العليا الإسرائيلية ألغت سابقاً القوانين التي تمنح إعفاءات تلقائية لطلاب المدارس الدينية، الأمر الذي يجبر الحكومة على صياغة قانون جديد يتوافق مع قرارات المحكمة، بيد أنّ الموعد النهائي لتمرير قانون التجنيد يقترب، في ضوء غياب حلّ سيؤدي لمواجهة قانونية بين الحكومة والمحكمة.
يعتبر حزبا شاس ويهدوت هتوراة الحريديان إقرار إعفاء طلاب المدارس الدينية من التجنيد شرطاً أساسياً لبقائهما في الحكومة، ويرفضان أيّ تنازل يمكن أن يفرض الخدمة العسكرية على أبنائهم.
أمّا حزبا الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش وبن غفير، فإنّ قاعدتهما الانتخابية تشمل قوميّين متديّنين يخدمون في "الجيش"، ما يجعلهم تحت ضغط شعبي لدعم تجنيد الحريديم أو على الأقل عدم منحهم إعفاءً كاملاً.
حزب الليكود الحاكم بقيادة نتنياهو يسعى لإيجاد حلول توافقية ترضي الطرفين، بما يوفّر دعم الحريديم لاستمرار الحكومة، من دون مواجهة مباشرة مع المحكمة العليا أو خسارة ناخبيه الذين يؤيّدون تجنيد الحريديم، خصوصاً بعد الحرب وحاجة "الجيش" للتجنيد وتعويض الخسائر الكبيرة التي فقدها في المعارك .
سيسعى نتنياهو خلال الشهرين المقبلين لإيجاد حلّ للمعضلة الداخلية التي تهدّد بالإطاحة بحكومته من خلال الضغط على شركائه القوميّين لقبول صيغة تضمن إعفاء الحريديم بشكل ما، في مقابل منح سموتريتش وبن غفير امتيازات في ملفات أخرى، وفي حال تعثّرت مساعيه التوفيقيّة داخل الائتلاف، سيلجأ نتنياهو إلى أحد أحزاب المعارضة، ولا سيما حزب بيني غانتس، الذي يسعى درعي لضمّه واستبداله بسموترتش بعد انسحاب بن غفير من الحكومة على خلفيّة صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة.
وقد يجد نتنياهو نفسه أمام خيار آخر وهو الاستعانة بأصوات المعارضة لتمرير بعض التشريعات الأساسية، مثل قانون التجنيد أو ميزانية الدولة، من دون فقدان الأغلبية البرلمانية.
وإذا اختار نتنياهو مسار التعاون مع غانتس في قضايا رئيسية، فقد يمهّد ذلك الطريق لحكومة وحدة وطنية مستقبلية، خاصة إذا انهار الائتلاف الحالي، وقد يكون الخيار المفضّل لإدارة ترامب، وقد تعمل إدارته بشكل غير معلن على انضاجه، ما سيمهّد الطريق للانسجام بشكل أكبر بين الإدارتين الأميركية والإسرائيلية، والتغلّب على ابتزازات شركاء نتنياهو المشتكين .
سيسعى نتنياهو لتمرير قانون التجنيد في الوقت المحدّد، سواء في حال توصّل إلى حلّ وسط يرضي التيارات المتعارضة داخل حكومته أو ضمّ غانتس في اتفاق منفرد أو في إطار حكومة وحدة وطنية تضمّ عدداً من أحزاب المعارضة، أو بالحدّ الأدنى الحصول على شبكة أمان من أحزاب المعارضة تضمن تمرير القوانين والتشريعات ذات البعد الوطني، وتضمن نجاح كلّ مراحل صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، والتفرّغ للقضايا الاستراتيجية في ضوء مساعي الرئيس ترامب للدفع باتجاه التطبيع مع السعودية وتوسيع اتفاقات التطبيع مع مزيد من الدول العربية والإسلامية، وفي حال لم ينجح نتنياهو في إيجاد حلول لأزمته الحكوميّة، فسيتجه الائتلاف إلى مزيد من التفكّك والتوجّه نحو الانتخابات المبكرة.