سلاح "حزب الله" أم رأسه.. مَن المطلوب؟

مسار الأحداث على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة يتجه من التصعيد التدريجي إلى الانتقال النوعي، ربما لاعتقاد "إسرائيل" أن مقاربة التصعيد التدريجي بلغت ذروتها من دون أن تُحقق لها ما تريده.

0:00
  • تراهن
    تراهن "إسرائيل" على التغيير الذي طرأ على سياسة حزب الله القائمة على استخدام القوة.

مَثّلَ اغتيال هيثم طبطبائي رئيس أركان حزب الله، في الضاحية الجنوبية لبيروت، نقطة تحوّل بارزة في حملة الضغط العسكري المتصاعدة التي تشنها "إسرائيل" منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان قبل عام.

يندرج اغتياله في إطار سعي "الجيش" الإسرائيلي لإضعاف الحزب، ومنعه من العودة إلى بناء قوته التي تزعم "إسرائيل" أنها تتعاظم إذ "يُحرز حزب الله تقدماً في جهود إعادة الإعمار، ويُهرِّب الأموال والأسلحة".

ومنذ الاغتيال، بات واضحاً أن مسار الأحداث على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة يتجه من التصعيد التدريجي إلى الانتقال النوعي، ربما لاعتقاد "إسرائيل" أن مقاربة التصعيد التدريجي بلغت ذروتها من دون أن تُحقق لها ما تريده من دفع الدولة اللبنانية إلى فرض نزع السلاح على حزب الله بالقوة.

وفق المؤشرات، تُحضّرُ "إسرائيل" لعملية كبيرة لا تشبه الحرب الماضية، وهذا التحوّل لا يأتي من فراغ، بل من مجموعة عوامل داخلية لبنانية وإقليمية ودولية، تلقي بظلالها على استعجال "إسرائيل" لحسم مسألة سلاح الحزب، وربما رأسه قبل فوات الأوان.

ولعل إدراك ترامب أن نتنياهو بات ينحرف عن الأجندة الإقليمية التي تعمل عليها إدارته، ما دفعه إلى الاتصال به ثم دعوته لزيارة واشنطن في نهاية الشهر الحالي، في محاولة لإعادة ضبط مسار الملفّات الساخنة في غزة وسوريا ولبنان وفق الإيقاع الأميركي.

وفيما تعمل واشنطن لمنع الحرب تبني "إسرائيل" سيناريوهات الهجوم بحيث تبقى الشرارة رهن اللحظة السياسية والعسكرية المناسبة، إذ تشير تقديرات واشنطن أن استمرار الهجمات الإسرائيلية قد يفضي إلى تصعيد واسع في الشمال، في ظل ظروف ميدانية تزداد هشاشة.

ومع هذا القلق الأميركي، ما زالت واشنطن ترى أن الانتهاكات الإسرائيلية في لبنان تُنفَّذ في سياق "العمل على إنفاذ اتفاق وقف إطلاق النار"، فيما تعتبر أن السلطات اللبنانية لا تبذل الجهود الكافية لدفع مسار نزع سلاح حزب الله، مؤكدة أن "سلاح الحزب يجب أن يُنزع".

ومع إقرار مسؤوليها "أن المهمة ستكون صعبة ومعقدة"، وأن التقدم قد يتم "خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف"، لكنها ترى في ذلك "فرصة كبيرة، وإذا استدعى الأمر اتخاذ خطوات صعبة، فيجب القيام بها".

عملياً، تسعى "إسرائيل" إلى رسم استراتيجية تُترجم ما تسمّيها "إنجازات الجيش الإسرائيلي" في الحرب ضد حزب الله، بالتزامن مع ما تسميه أيضاً "تفكك المحور الذي تقوده إيران"، وفشل استراتيجية "حلقة النار حول إسرائيل"، بما في ذلك انهيار نظام الأسد وتداعيات الحرب بين "إسرائيل" وإيران، إلى واقع أمني جديد على طول الحدود مع لبنان، وبناء علاقة أفضل مع القيادة اللبنانية. تضمنت هذه الاستراتيجية، حتى اللحظة مزيجاً من العمل العسكري المستمر لضرب حزب الله ومنع إعادة تأهيله، وتحركات سياسية واقتصادية لإضعافه.

استند اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان إلى قرار مجلس الأمن رقم 1701، ولكنه هذه المرة، منح "إسرائيل" ميزتين واضحتين تستغلهما بشكل جيد: الأولى؛ الحفاظ على حرية العمل العسكري للرد على ما تسميه "انتهاكات، وتحييد التهديدات التي تتطور ضدها في لبنان"، وذلك بالاستناد إلى الرسالة، التي تقول إنها حصلت عليها من الولايات المتحدة الأميركية؛ والثانية، الدور المركزي الممنوح للولايات المتحدة في تنفيذ الاتفاق؛ فالولايات المتحدة، التي تُظهر تفهماً للمخاوف والأطماع الإسرائيلية، تقود اللجنة المكوّنة من خمسة أعضاء للإشراف على تنفيذ الاتفاق.

تراهن "إسرائيل" كذلك على التغيير الذي طرأ على سياسة حزب الله القائمة على استخدام القوة، بعد الحرب الأخيرة، حيث اضطر إلى التخلي مؤقتاً عن استراتيجية "معادلات الردع" التي انتهجها سماحة الشهيد الراحل نصر الله، وتبنيه استراتيجية جديدة قائمة على "الاحتواء"، وتجنب الرد المباشر على عمليات "الجيش" الإسرائيلي ضده. 

تعتقد "إسرائيل" أن استمرار اعتماد حزب الله هذا المسار، الذي يهدف أساساً إلى استعادة مكانته وقوته من دون الوقوع في مواجهة مباشرة معها أو مع الجيش اللبناني، مرتبطٌ بتقدم جهود إعادة تسليحه وتأهيله من جهة، وقدرته على مواجهة الضغوط العسكرية والسياسية عليه بنجاح نسبي من جهة أخرى.

لكنه في الوقت نفسه، يُجهّز نفسه لاحتمال نشوب صراع أو مواجهة عسكرية واسعة أخرى معها، ويبدي تصميماً على منع أي تقدم في جهود نزع سلاحه، ويُفضّل المضي قدماً في الحوار حول هذه القضية مع القيادة اللبنانية، ويُبدي استعداده لصياغة "استراتيجية دفاع وطني" مشتركة.

ويبدو أن مبعث قلق "إسرائيل" هو إدراكها أن حزب الله بانتظار التوقيت والطريقة التي يختارها ليُعلن تخليه عن "استراتيجية الاحتواء"، والبدء بالرد على انتهاكات "الجيش" الإسرائيلي ضد لبنان، بل وتخشى "إسرائيل" أن يبادر إلى عمليات هجومية داخل "الأراضي الإسرائيلية" سعياً لتفعيل "استراتيجية معادلات الردع".

صحيح أن الحزب يدرك أن "الجيش" الإسرائيلي سيرد بقوة، لكنه سيكون متسلحاً بالثقة المبنية على تجديد ترسانته من الأسلحة والعناصر العسكرية؛ واعتزازه بفشل "الجيش" الإسرائيلي في منعه من إعادة بناء قوته؛ وربما يستند في قراره حينها إلى تزايد الانتقادات الإقليمية والدولية للانتهاكات الإسرائيلية رغم وقف إطلاق النار؛ وأخيراً، ضعف الدعم الداخلي للقيادة اللبنانية، التي تفشل في حماية اللبنانيين من الاعتداءات الإسرائيلية وتعجز عن دفع "إسرائيل" إلى الانسحاب من الأراضي اللبنانية. 

وانطلاقاً مما سبق، تعتقد "إسرائيل" أن ما تسميه ضعف حزب الله وراعيه الإيراني بعد الحرب، وتبني القيادة اللبنانية رؤية نزع سلاحه، يُتيحان لها فرصةً لتغيير الواقع الأمني ​​على طول "حدودها" الشمالية، ولبناء علاقة جديدة مع الدولة اللبنانية على المدى البعيد.

إلا أن القلق الإسرائيلي مبعثه أن هذه فرصة مؤقتة، ستتضاءل تدريجياً مع تمكن حزب الله من استعادة قدراته ومكانته الداخلية في لبنان، وتقديره قدرته على استئناف المواجهة العسكرية مع "إسرائيل".

كما أنها تأخذ بعين الاعتبار أن وقت الحكومتين محدود، إذ من المقرر أن تجري الانتخابات اللبنانية في مايو/ أيار 2026، والانتخابات الإسرائيلية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2026.

وعليه، تتعزز القناعة الإسرائيلية أن النهج الذي اتبعته تجاه حزب الله، على امتداد العام الماضي، لن يمنع إعادة بناء قدرات الحزب، خصوصاً إذا واجهت "إسرائيل" صعوبة في الحفاظ على تطبيقه مع مرور الوقت، بسبب الضغوط السياسية، فضلاً عن عدم الرضا داخل "إسرائيل" نظراً لانعدام الاستقرار الأمني ​​لمستوطني شمال فلسطين المحتلة.

ومن المرجح أيضاً أن تُضعف هذه الانتهاكات القيادة اللبنانية في ضوء اتهام حزب الله لها بالعجز عن التعامل مع اعتداءات "إسرائيل"، والأخطر، بالنسبة إلى "إسرائيل"، أن هذا النهج لن يمنع مع مرور الوقت احتمال عودة حزب الله إلى العمل ضد "الجيش" الإسرائيلي ومستوطنات الشمال.

وعليه، فإن عملية عسكرية واسعة أخرى لاحتلال جنوب لبنان وبسط السيطرة الإسرائيلية على نهر الليطاني، وتوسيع المنطقة الأمنية تبدو "خياراً إسرائيلياً مُرّاً لا بد منه".

تكمن الميزة الإسرائيلية الرئيسية لهذا الخيار في إمكانية تحسين قدرة "الجيش" الإسرائيلي على منع استعادة الحزب قوته، بل وتعميق الضرر الذي لحق به، إلا أن عيوبه كثيرة، إذ سيُشكل حزب الله وقدراته تحدياً وتهديداً حقيقاً لـ"الجيش" الإسرائيلي؛ وستُغرَق "إسرائيل" مجدداً في حرب استنزاف طويلة ودموية؛ وستتطلب هذه العملية استثمار موارد مالية إضافية لـ"الجيش" الإسرائيلي، ما سيُثقل كاهل "إسرائيل" بعد الحروب الطويلة التي خاضتها خلال العامين الماضيين.

فهل ستستمر "إسرائيل" في مقاربتها الحالية، أملاً في أن تؤدي في نهاية المطاف إلى نزع سلاح الحزب وإضعافه، أم تدفعها فوبيا الخوف الذي يسكنها من حزب الله إلى مغامرة الحرب الواسعة للوصول إلى رأسه؟