طروحات ويتكوف وموقف المقاومة الفلسطينية

القبول بالاتفاقيات المرحلية لن يخدم إلا أهداف العدو في استرداد أسراه واستمرار القتال، وهذا الطريق يفتح شهية الإسرائيلي على المزيد من القتل والتدمير.

0:00
  •  الورقة التي تلقّاها المفاوض الفلسطيني جاءت خاليةً من أي تعهداتٍ تضمن إيقاف الحرب.
    الورقة التي تلقّاها المفاوض الفلسطيني جاءت خاليةً من أي تعهداتٍ تضمن إيقاف الحرب.

لقد قام الأميركي بمحاولة خداعٍ بائسة بخصوص مقترح ويتكوف الأحدث، إذ كان قد مرّر معلوماتٍ مغلوطةً للمفاوض الفلسطيني عبر طرفٍ ثالثٍ تفيد بأن الرئيس الأميركي بصدد تقديم اقتراحٍ جديدٍ للتهدئة، يضمن في نهاية المطاف الوصول إلى وقفٍ دائمٍ لإطلاق النار وإنهاء الحرب.

لكن الورقة التي تلقّاها المفاوض الفلسطيني جاءت خاليةً من أي تعهداتٍ علنيةٍ أو سريةٍ تضمن إيقاف الحرب بصورةٍ نهائية، ما يعكس محاولة مكشوفة لإعادة صياغة الوقائع وتوجيه النقاش التفاوضي إلى مسارات لا تحقق تطلعات الفلسطينيين ولا تضع حداً للعدوان القائم.

بهذا، حاول الأميركي إعادة المفاوض الفلسطيني إلى مسار الاتفاقيات المرحلية، وذلك على غرار الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 15 كانون الثاني/يناير 2025، والذي انهار بعد أسابيع على دخوله حيّز التنفيذ بسبب عدم جدّية العدو في التوصل إلى وقفٍ دائمٍ للحرب على غزة، واكتفائه باستخدام الاتفاق كفرصة لاستعادة جنوده الأسرى وإعادة تنظيم صفوفه العسكرية. 

لقد كانت النتيجة المستخلصة من الدخول في تجربة مسار الاتفاقيات المرحلية أن الإسرائيلي يسعى لاسترداد أسراه لا لوقف المذبحة المفتوحة في غزة، لذلك يُعدّ قرار المقاومة الفلسطينية الرافض للدخول في هذا المسار مجدّداً قراراً صائباً يُعبّر عن تقديرٍ سليمٍ للموقف الراهن.

إذ إنّ القبول بالاتفاقيات المرحلية لن يخدم إلا أهداف العدو في استرداد أسراه واستمرار القتال، وهذا الطريق يفتح شهية الإسرائيلي على المزيد من القتل والتدمير، وسيضاعف من معاناة الغزيين، بدلًا من أن يؤدي إلى وقف المذبحة، على عكس ما تسعى إليه المقاومة الفلسطينية من خلال شرطها الرئيس بوقف الحرب.

إن الضغوط المتزايدة على كيان الاحتلال لوقف الحرب، التي باتت تصدر حتى من تلك الدول الأوروبية التي تُعد حليفاً تقليدياً للاحتلال كألمانيا وبريطانيا وفرنسا، والتي كانت شريكةً له في الإبادة الجماعية التي يقترفها بحق الفلسطينيين، تُعد ورقةً جديدةً بيد المقاومة الفلسطينية في التفاوض.

إذ إن القتال منقطع النظير الذي تخوضه كتائب القسام وباقي الفصائل المسلَّحة، والذي أفشل حتى اللحظة أهداف العدو العسكرية، سواءً المعلنة منها أو المستترة، قد ولّد قناعةً لدى الدول بأن حرب "جيش" الاحتلال هي حربٌ فاشلةٌ وبلا أفقٍ من الناحية العسكرية، بل إنها قد تحوّلت إلى عملية انتقامٍ وحشيٍ وتنكيلٍ وتجويعٍ للمدنيين الفلسطينيين، تُحرج تلك الدول وتكشف نفاقها أمام شعوبها، من دون مردودٍ ملموسٍ على الأرض سوى قتل الأطفال والنساء وتدمير ما تبقى من مقوّمات الحياة في قطاع غزة.

أما الأميركي، فنجد أن خبرة ترامب الضئيلة سياسياً وإستراتيجياً، قد خيّلت له أن حسم المعركة ميدانياً أمرٌ يسير، وأنه لن يستغرق سوى بضعة أسابيع، لكنه مضطر اليوم لمواجهة حقائق الميدان، فقد فشل في إخضاع اليمن في البداية، واليوم بات مضطراً لمواجهة حقيقة أن "جيش" الاحتلال عاجزٌ عن تحقيق أهدافه العسكرية في غزة، وهذه أوراقٌ أخرى تستطيع المقاومة الفلسطينية الاستناد إليها لإجبار العدو على القبول بشرط إنهاء الحرب وتخفيف معاناة الغزيين.

وعلى الرغم من محاولات الإدارة الأميركية لتسويق مسار الاتفاقيات المرحلية على أنه "طريق واقعي" و"خطوة أولى نحو وقف الحرب"، فإن التجربة العملية والوقائع الميدانية تؤكد أن هذا المسار لا يُنتج سوى إطالة أمد العدوان وإعطاء الاحتلال فرصة جديدة للالتفاف على المطالب الجوهرية للفلسطينيين في وقف النار.

لذا، ينبغي للوسيطين المصري والقطري دعم موقف المفاوض الفلسطيني الرافض لهذا المسار المضلِّل، وإن كان من ثمّة ضغط يوجَّه فالأجدى أن يكون نحو الأميركي إن كان الهدف الوصول إلى إنهاء الإبادة الجماعية الدائرة منذ زهاء العامين.

وعليه، بناءً على التطورات السياسية المحيطة، والوضع الإقليمي والدولي، يُعد تمسّك المقاومة بشرط الحصول على ضماناتٍ جدّيةٍ لإنهاء الحرب في هذه المرحلة قبل الدخول في اتفاق تهدئةٍ مرحلية الخيار الأنجع، لا من زاوية المصلحة الفلسطينية فحسب، بل أيضاً من زاوية إحراج الاحتلال وكشف زيف ادعاءاته أمام العالم.