كيف كان مسار العلاقات الصينية العربية في عام 2024؟
ساهم منتدى التعاون الصيني العربي، منذ تأسيسه في عام 2004، في تعزيز الروابط والعلاقات الصينية العربية، عبر إنشائه 19 آلية متنوعة، تتناول مجالات متعددة ،منها السياسة والاقتصاد والطاقة والتجارة.
شهد عام 2024 مزيداً من التعاون بين الصين والدول العربية. ويعود ذلك إلى رغبة الجانبين في ارتقاء علاقاتهما إلى مستويات عالية، وأيضاً إلى الثقة والمنفعة المتبادلة بينهما والمساواة والكسب المشترك، فضلاً عن الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، لبعضهما البعض.
العلاقة بين الصين والدول العربية ليست وليدة اليوم، بل تعود إلى طريق الحرير القديم، بيد أن السنوات الماضية شهدت تعزيزاً للعلاقات بين الجانبين. وساعدت المنتديات والزيارات المتبادلة والقمة الصينية العربية الأولى، التي عُقدت أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر 2022، على تطوير التعاون، لتصل العلاقات بين الصين والدول العربية إلى ما وصلت إليه اليوم.
تنتهج الصين سياسة واضحة تجاه الدول العربية. ففي عام 2016، في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، أصدرت الصين وثيقة خاصة بشأن سياستها تجاه الدول العربية، بحيث شكلت "معادلة 1+2+3"، التي تتخذ مجال الطاقة محوراً رئيساً، ومجال البنية التحتية والتجارة جناحين، وتعتمد ثلاثة مجالات ذات تقنية متقدمة وحديثة، تشمل الطاقة النووية، والفضاء والأقمار الاصطناعية، والطاقة المتجددة، أساساً للعلاقات.
وخلال المؤتمر الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني العربي، والذي عُقد في شهر أيار/ مايو الماضي، حدد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في خطابه، 5 معادلات لمجالات التعاون بين الصين والدول العربية، هي التعاون المدفوع بالابتكار، والتعاون الاستثماري والمالي، والتعاون في مجال الطاقة وضمان أمن الطاقة، والتعاون، اقتصادياً وتجارياً، والتواصل، ثقافاًي وشعبياً.
إضافة إلى المجالات التقليدية، تعمل الصين على توسيع تعاونها مع الدول العربية في المجالات الحديثة والمتقدمة، كالتكنولوجيا والاقتصاد الرقمي والفضاء والطاقة المتجددة، في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، الذي انضمت إليه جميع الدول العربية.
ساهم منتدى التعاون الصيني العربي، منذ تأسيسه في عام 2004، في تعزيز الروابط والعلاقات الصينية العربية، عبر إنشائه 19 آلية متنوعة تتناول مجالات متعددة، منها السياسة والاقتصاد والطاقة والتجارة والفضاء والتواصل الشعبي.
من ناحية أخرى، أدت زيارة عدد من المسؤولين العرب لبكين، العام الماضي، بهدف حضور منتدى التعاون الصيني العربي، إلى توقيع عشرات الاتفاقيات، على نحو ساهم في زيادة التعاون بين الصين ومختلف الدول العربية.
مثلاً، خلال زيارة الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، للصين، التقى الرئيس الصيني، وأكد أن الإمارات على استعداد لانتهاز الذكرى السنوية الـ40 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فرصةً لتعميق التعاون الثنائي وتوسيعه، بشكل أكبر، في مجالات، مثل الاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة والعلوم والتكنولوجيا والتعليم والثقافة.
وأيضاً، تم تأسيس شراكة استراتيجية شاملة بين الصين والبحرين، في أثناء زيارة ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، للصين، وهي علامة فارقة جديدة في العلاقات الثنائية. وتم توقيع عدد من وثائق التعاون الثنائي في مجالات، مثل الاستثمار والتنمية الخضراء ومنخفضة الكربون والتجارة الإلكترونية والاقتصاد الرقمي.
وزار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بكين، بمناسبة الذكرى الـ10 لإقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر. وأوضح الرئيس الصيني أن الصين تدعم مصر في أداء دور أكبر في الشؤون الدولية والإقليمية، خلال لقائه معه.
وجرى توقيع عدد من الاتفاقيات بين الصين وتونس، في أثناء لقاء الرئيس التونسي، قيس سعيد، الرئيسَ الصيني، وتم إعلان إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين.
وتم توقيع خطة بين الصين وموريتانيا بشأن تعزيز التعاون في إطار "الحزام والطريق"، خلال زيارة الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، للصين. وأكدت الصين أنها ستواصل تعميق التعاون في مجالات مصائد الأسماك والزراعة وتربية الحيوانات ومجالات أخرى، وإرسال مزيد من الفِرَق الطبية رفيعة المستوى إلى موريتانيا.
وقام الرئيس الصيني بزيارة المغرب، خلال توقف تقني في الدار البيضاء، عقب اختتام زيارته الرسمية للبرازيل. وأعرب شي، في أثناء اجتماعه بولي العهد المغربي، الأمير مولاي الحسن، عن استعداد الصين للعمل مع المغرب على تحقيق مزيد من النتائج في التعاون العملي، عبر مختلف المجالات في إطار تعاون "الحزام والطريق".
وخلال أيلول/سبتمبر 2024، قام رئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، بزيارة رسمية لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث التقى ولي العهد ورئيس الوزراء السعودي، محمد بن سلمان آل سعود، وشاركه في رئاسة الاجتماع الرابع للجنة الصينية - السعودية المشتركة رفيعة المستوى، ودعا الجانبين إلى توسيع التجارة الثنائية بصورة أكبر، وتعميق التعاون في المجالات التقليدية، مثل النفط والغاز والبتروكيماويات والبنية التحتية، واستكشاف التعاون في المجالات الناشئة، مثل الطاقة الجديدة والمعلومات والاتصالات والاقتصادات الرقمية والخضراء. وحث الجانبين على تنظيم العام الثقافي الصيني السعودي في عام 2025.
أما في الإمارات، فأعرب لي عن تطلع الصين إلى إجراء تبادلات معمَّقة مع قادة الإمارات وشعبها الملتزمين الصداقة بين البلدين في مختلف القطاعات، واقتناص فرصة الذكرى الـ40 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
فيما يتعلق بالجانبين التنموي والمناخي، تعاونت الصين والدول العربية على مواجهة التغيرات المناخية، من خلال تبادل المعرفة والخبرات في مجالات التحول الأخضر والتنمية المستدامة. وشهدت السنوات الأخيرة ارتفاع مستوى التعاون بين بكين والدول العربية في مجال السيارات الكهربائية. وتطمح السعودية إلى أن تصبح منتِجاً عالمياً للسيارات الكهربائية، بينما تُعَدّ الصين هي دولة رائدة في صناعة السيارات الكهربائية، لذلك يسعى البلدان لتعزيز التعاون في هذا المجال.
وعلى الصعيد الثقافي، تستقبل الصين الآلاف من الطلاب العرب للدراسة في الجامعات الصينية، كما تم فتح في أكثر من 50 جامعة ومعهداً في الصين، قسم اللغة العربية، وجرى إدراج اللغة الصينية في المناهج التعليمية في السعودية، كثانية اللغات الأجنبية الرسمية. وأبرمت أيضاً اتفاقية توأمة بين مدن صينية ومدن عربية، منها مثلاً اتفاقية التوأمة بين مدينة أبو ظبي ومدينة شنتشن الصينية.
وفي إطار الجهود المشتركة للتعاون في مجال الفضاء والأقمار الاصطناعية، وقعت وكالة الفضاء المصرية بروتوكول تشغيل القمر الاصطناعي، مصر سات 2، مع وكالة الفضاء الصينية، كما ساعدت الصين سلطنة عُمان على إطلاق قمر اصطناعي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وبشأن القضية الفلسطينية، تظل الصين داعمةً قوية للقضية العادلة للشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه الوطنية المشروعة. وقدّم الرئيس الصيني شي جين بينغ تهانيه لاجتماع أممي عُقد يوم الـ26 احتفالاً باليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وأطلقت الصين الصوت العادل في اللحظة الأولى منذ اندلاع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعبّرت عن تعاطفها بشأن الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وأدت دوراً إيجابياً عبر القنوات الثنائية ومتعددة الأطراف، وبذلت جهود الوساطة، ودفعت إلى تهدئة الأوضاع ووقف إطلاق النار، وتحملت مسؤوليتها المطلوبة بحزم كدولة كبيرة ومسؤولة.
وظلت الصين تشارك بنشاط في الوساطة الدبلوماسية على المستوى الدولي، وتعزز الحوار والتعاون بين جميع الأطراف، وتدعو إلى التسوية السلمية للنزاعات، وتقترح مبادرة من ثلاث خطوات للمساعدة على الخروج من الصراع والمأزق. إضافة إلى ذلك، قدمت الصين دفعات متعددة من المساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة، منذ بدء الصراع. كما قدمت المساعدات الإنسانية والطبية إلى اللبنانيين، في أثناء الصراع اللبناني الإسرائيلي.
هذه بعض الأمثلة على التعاون الصيني العربي في عام 2024. ومن المتوقع أن يزداد التعاون بين الصين والدول العربية، خلال عام 2025، استناداً إلى لبرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون الصيني العربي بين عامي 2024 و2026، والوصول إلى عقد القمة الصينية العربية الثانية عام 2026، عبر علاقات غير مسبوقة بين الجانبين.