لماذا تخشى "إسرائيل" المباحثات المباشرة بين أميركا وحماس؟

تعاملت حركة حماس بإيجابية أثناء المفاوضات المباشرة مع الإدارة الأميركية، ما يدلل على أن المقاومة تفضل مساراً تفاوضياً مباشراً مع الإدارة الأميركية، علماً أن أبجديات الحركة، لا تعارض الحوار مع أي جهة باستثناء "إسرائيل".

0:00
  • تعتمد إدارة ترمب سياسة “الحوار المباشر

أعلنت حركة حماس في بيان لها، الجمعة، موافقتها على الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير عيدان ألكسندر الذي يحمل الجنسية الأميركية مع 4 جثث من مزدوجي الجنسية، بناءً على المباحثات المباشرة التي أجرتها الحركة مع مبعوث الرئيس الأميركي الخاص لشؤون الأسرى آدم بوهلر.

ويبدو أن الخطوة تأتي في إطار المساعي التي بدأها بوهلر واستكملها ستيف ويتكوف، والتي تهدف إلى تمديد وقف إطلاق النار بصيغ مختلفة، بعد رفض "إسرائيل " الانتقال إلى المرحلة الثانية حسب نص الاتفاق الموقّع في 17 كانون الثاني/يناير.

ومرحلياً، يسعى الوسطاء لتجنب انهيار وقف إطلاق النار الذي يمر بمرحلة هشة بعد انتهاء المرحلة الأولى، وقيام الحكومة الإسرائيلية بإغلاق المعابر ووقف إدخال المساعدات الإنسانية وقطع آخر خط كهرباء والتهديد بقطع المياه عن غزة، وتطالب المقاومة بالبدء بالمرحلة الثانية من الصفقة التي يسعى نتنياهو للتهرب من استحقاقاتها، لحسابات ائتلافية داخلية، وتسعى المقاومة للدفع إلى الالتزام بالاتفاق الذي يشمل ثلاث مراحل.

بينما يسعى نتنياهو لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق، وتجنب البدء بمفاوضات المرحلة الثانية التي تتضمن وقف إطلاق نار دائم والانسحاب الكامل من غزة والإعمار، بيد أن المقاومة لم تقبل مخطط نتنياهو المقدم، والذي يقضي بالإفراج عن نصف الأسرى الأحياء في اليوم الأول من تمديد المرحلة الأولى، والإفراج عن البقية في اليوم الأخير(بعد 50 يوماً) في حال تم الاتفاق على وقف إطلاق نار دائم. كما عرض المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف بيتكوف مخططاً أقرب إلى الرؤية الإسرائيلية، بينما ردت المقاومة بتمسكها بالمبادئ التي نص عليها الاتفاق الذي تم توقيعه في كانون الثاني/يناير، والتزمت المقاومة ببنوده كافة في المرحلة الأولى على خلاف الحكومة الإسرائيلية.

تعاملت حركة حماس بإيجابية أثناء المفاوضات المباشرة مع الإدارة الأميركية ومبعوثها بوهلر، ما يدلل على أن المقاومة تفضل مساراً تفاوضياً مباشراً مع الإدارة الأميركية، علماً أن أبجديات الحركة، وفقاً لتصريحات قادتها، لا تعارض الحوار والتفاوض مع أي جهة باستثناء "إسرائيل".

المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة، وحركة حماس، أصابت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والحكومة الإسرائيلية بالصدمة، وقد عدّ بوهلر المحادثات مثمرة جداً، وعلى الرغم من تفهمه لموقف "إسرائيل" المعارض، فقد أكد أن “الولايات المتحدة ليست وكيلة "إسرائيل”.

ترى "إسرائيل" المباحثات انحرافاً كبيراً عن السياسة الأميركية التقليدية التي تفيد بعدم إجراء مفاوضات مباشرة مع "منظمات إرهابية". بيد أن السلوك الأميركي لا يعكس تحوّلاً استراتيجياً كونها تحاورت سابقاً مع جهات عدّتها إرهابية في حينه، مثل م.ت.ف وحركة طالبان، وغيرهما..

بيد أن "إسرائيل" تخشى أن تعطي الخطوة الأميركية شرعية سياسية للمقاومة الفلسطينية، ما سيفتح الباب أمام دول أخرى( أوروبية بالأساس ) لتقليد الموقف الأميركي، وربما في مرحلة لاحقة بحث قضية إدراجها في قوائم الإرهاب. 

كما تخشى الحكومة الإسرائيلية من تراجع السردية التي عملت على تثبيتها بعد السابع من أكتوبر، و التي سعت فيها لشيطنة المقاومة الفلسطينية باعتبارها داعشية تارة ونازية تارة أخرى ولا تستحق إلا الموت.

لكن التخوف الإسرائيلي الأكبر نابع من أن تصبح القناة التفاوضية الرئيسية خارج سيطرة نتنياهو وفريقه الجديد الموالي له برئاسة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، بعد استبعاد رئيسَي الموساد والشاباك من فريق التفاوض، وتتحوّل القناة الرئيسية بين الولايات المتحدة وحماس، وأن تفرض نتائجها على الحكومة الإسرائيلية، في ضوء التقدير الأميركي بأن نتنياهو لن يجرؤ على الرفض أو قول لا لترمب، وبالتالي تتحوّل الحكومة الإسرائيلية إلى مجرد شاهد وعامل غير مؤثر في المسار التفاوضي، وفي الصورة الأكبر ستعكس الخطوة حقيقة النظرة الترامبية إلى " إسرائيل " كونها أقرب إلى دولة تحت الوصاية الأميركية، وهي القاعدة نفسها التي يتعامل بها ترمب مع الحلفاء (السيد والتابع) وليس الشريك.

ما يهم ترمب في المقام الأول مصالحه، وهو يعتقد أن المفاوضات المباشرة تدفع قدماً للإفراج عن الأسرى، وتؤدي إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة ويمهد الطريق لتفاهمات واسعة في المنطقة، لا سيما مع المملكة السعودية(التي تعتزم استثمار نحو 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، واختارها ترمب لاستضافة المباحثات لإنهاء الحرب بين روسيا و أوكرانيا، وربما سيعتمد عليها لتمويل إعادة الإعمار في لبنان وسوريا و قطاع غزة) الأمر الذي يجعل السعودية جزءاً لا يتجزأ من الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، والذي سيساهم مسار التطبيع مع "إسرائيل" في تعزيزها. 

وقد أشار مبعوث ترمب، بوهلر عن سبب لقائه حماس، ففي مقابلة مع “فوكس نيوز”، قال: “الحوار يعني أن تسمع ما يريده أحد ما، وبعد ذلك تشخص إذا كان هذا مناسباً لما نريده. ثم، فحص كيفية تحقيق شيء ما في الوسط *من دون إشعال حرب*”.

تعتمد إدارة ترمب سياسة “الحوار المباشر" بحيث يصبح الطرف الأميركي جزءاً من الاتفاق وملتزماً بتنفيذه وليس مجرد وسيط وضامن، ما يسمح بإلزام الطرفين الفلسطيني والإسرلئيلي بالتقيّد بمخرجاته، وعدم التنصل من الاستحقاقات التي يفرضها الاتفاق. أدركت الولايات المتحدة بقيادة ترمب أن المرحلة الأولى كادت أن تنفجر لسبب أو لآخر، وهي لن تكرر المسار الذي يهدد الاتفاق لخطر الانهيار، كما أن الوسطاء بمن فيهم الأميركيون يدركون أن "إسرائيل" هي التي خرقت الاتفاق الذي وقعت عليه، والذي تم التوصل إليه في مفاوضات غير مباشرة بضمانة أميركية،مصرية، قطرية. وبهذا، تحوّلت الولايات المتحدة إلى دولة لا تحترم نفسها كضامن رئيسي للاتفاق، الأمر الذي دفعها لتكون طرفاً مفاوضاً بشكل مباشر في المفاوضات. 

الأخطر بالنسبة إلى " إسرائيل "أنها قد تتحوّل إلى عبء يعرقل مسار ترامب في استكمال رؤيته في المنطقة، بل وربما في العالم، لمجرد أن "بيبي" يغلب مصلحته في الحكم والحفاظ على الائتلاف اليميني الحاكم، على مصالح "إسرائيل" و أميركا معاً، الأمر الذي لن يسمح به الرئيس "غير المتوقع" ترمب، وهو ما يدركه نتنياهو الذي رأى الركلة التي تعرض لها فلوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض على الهواء مباشرة، ولا يريد أن يتكرر المشهد معه.