لماذا توقفت الحرب؟ قراءة خطاب ترامب في الكنيست
كان خطاب ترامب مليئاً بالرسائل التي تشي بأنّ الضغوط التي مارسها لوقف الحرب، كانت نتيجة لتململ القواعد الشعبية في الولايات المتحدة خاصة جمهوره المخلص، ووقوف "العالم" ضدّ "إسرائيل".
-
في خطاب مليء بالمعاني والرسائل والمفردات ذات الدلالات.
في خطاب مليء بالمعاني والرسائل والمفردات ذات الدلالات، وقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام الكنيست الإسرائيلي وألقى خطاباً مطوّلاً، تحدّث فيه عن رؤيته للسلام ولمستقبل "إسرائيل" في المنطقة، وغيرها من الأمور التي تعتبر هامّة في فهم دوافع ترامب للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف الحرب في غزة.
وإذا كانت الأسباب التي دفعت ترامب لممارسة تلك الضغوط ما زالت غير معروفة بالكامل، يمكن أن نستنتج بعض المؤشرات من فحوى الخطاب، الذي نجد فيه رسائل للداخل الأميركي كما لـ "إسرائيل" والعالم.
ماذا يمكن أن نجد في الخطاب:
أولاً: رسائل إلى قاعدته المتديّنة (المسيحية الصهيونية)
احتوى الخطاب على الكثير من الرمزيات الدينية، مثل "الإله القدير- إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب"، و"عصر الإيمان والرجاء والله"، "هذه أرض - العهد، وشعب- العهد"، و"السلام، أعظم عطايا الرب" إلخ...
وهكذا، استخدم ترامب لغة توراتية صريحة ليُصوّر نفسه على أنه يعمل وفقاً للمشيئة الإلهية، وهو بهذا لا يغازل اليهود في "إسرائيل" (خاصة الأثرياء منهم) والعالم فحسب، بل يخاطب قاعدته من الإنجيليين – خاصة الصهيونية المسيحية- مؤكداً أنّ دعمه لـ "إسرائيل" ليس سياسياً فحسب، بل هو أمر روحي وإلهي، وهذا يتوافق مع اللاهوت الصهيوني المسيحي الذي يؤمن أنّ استعادة "إسرائيل" وبقاءها مقدّمة لعودة المسيح مرة أخرى.
ثانياً: رسائل إلى قاعدته (لنجعل أميركا عظيمة مجدداً)
في معظم ثنايا الخطاب، يُخبر ترامب قاعدته أنه "يوقف الحروب بدلاً من تمويلها إلى الأبد"، وأنه قويّ استطاع أن يطلب من نتنياهو وقف الحرب واستعادة الرهائن، وهذا يحاكي تطلّعات جزء كبير من ناخبيه الذين أظهرت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة أنهم باتوا ينحازون أكثر إلى الفلسطينيين بعد صور المجازر، خاصة الأجيال الأصغر سناً.
أما العبارات التي رفض ترامب فيها "الحروب "الأبدية" فهي تلاقي شريحة واسعة من جمهوره الذي يتشكّك في العولمة، والإنفاق على الدفاع في الناتو، والمساعدات الخارجية، ويرى في تمويل الصراعات الخارجية عوامل تسحب الأموال من الداخل الذي يحتاجها بشكل أكبر.
ثالثاً: رسالة واضحة إلى قاعدته من "القوميين" رافضي تعدّد الولاءات
كانت لافتة إشارته إلى اليهودية الثرية ميريام أديلسون وزوجها، وحيث سألها إذا كانت تحبّ "إسرائيل" أكثر أو أميركا، وأنها رفضت الإجابة عن هذا السؤال، ما يعني أنها تحبّ "إسرائيل" أكثر... وبالرغم من ذلك كال لها المديح والثناء.
في هذه الرسالة التي غلّفها بالمزاح، يريد ترامب القول بشكل غير مباشر: قد تُحبّ ميريام أديلسون "إسرائيل" أكثر من أميركا، لكن لا بأس. يُقرّ ترامب هنا، ضمنيّاً، بعدم ارتياح حركة "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" للولاءات المزدوجة أو نفوذ الجهات المانحة في السياسة الأميركية، لكنه يوجّه رسالة واضحة أن "تقبّلوا هذا الواقع، حتى لو كان لا يعجبكم".
وفي هذه رسالة أيضاً إلى المانحين اليهود الأثرياء بأنّ ترامب لا يجبركم على اختيار ولاءاتكم، وبالتالي يمكنكم الاستمرار بالإنفاق من أجل التأثير على السياسة الخارجية (قام بشكرها علناً على التأثير في السياسة الخارجية)، وهكذا يسعى ترامب إلى الحفاظ على شبكات المانحين مع السعي إلى جذب الناخبين القوميّين الحذرين من انقسام الولاءات.
رابعاً- ترامب صانع السلام
في أجزاء كثيرة منه، لم يكن هذا الخطاب مُتعلّقاً بـ "إسرائيل" وحدها، بل تحدّث عن السلام "الإبراهيمي" وعن رغبته بإنهاء حرب أوكرانيا وحدّد شروطاً للتوصّل إلى اتفاق مع إيران، وانتقد الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه (بايدن الأسوأ وبعده أوباما).
في هذه الأجزاء يُصوّر ترامب نفسه على أنه "صانع الصفقات الخارجية" الذي يُنهي الفوضى التي سبّبتها النخب الحاكمة في الولايات المتحدة قبله.
خامساً: تبرير إيقاف الحرب
احتوى الخطاب عبارات واضحة موجّهة إلى الإسرائيليين وجمهور اليمين الإسرائيلي: "أظهرت إسرائيل قوتها؛ والآن أظهروا عظمتها."
وإلى نتنياهو تحديداً: "لقد انتصرت. لا يمكنك هزيمة العالم. حان وقت السلام" إضافة إلى "سيُذكرك الناس بهذا أكثر بكثير مما لو حافظت على هذا الوضع: اقتل، اقتل، اقتل".
تلك العبارات الصريحة تُبرز إصراره على أنّ "النجاح العسكري" يجب أن يُفسح المجال الآن للدبلوماسية، ويربط وساطته بمصير تاريخي "دخول إسرائيل عصراً جديداً"، حيث "السلام الإبراهيمي والتطبيع هو الجائزة الكبرى"، ويصوّر وقف إطلاق النار كفعلٍ غيّر العالم بفضل قيادته.
في النتيجة، كان خطاب ترامب مليئاً بالرسائل التي تشي بأنّ الضغوط التي مارسها لوقف الحرب، كانت نتيجة لتململ القواعد الشعبية في الولايات المتحدة خاصة جمهوره المخلص، ووقوف "العالم" ضدّ "إسرائيل" وبالتالي من الصعب "هزيمة العالم"، وأنّ "إسرائيل" ستخسر قدرتها على تحقيق "اتفاقيات التطبيع" إذا استمرت بالقتل، وأنّ " الانتقام لم يعد يحقّق شيئاً"... واذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ ترامب كان قد دعا نتنياهو مراراً إلى "إنهاء المهمة"، فكما يبدو وصل ترامب إلى قناعة بعجز "إسرائيل" عن "إنهاء المهمة" أي القضاء على حماس وتهجير الفلسطينيين من غزة.