ما هو المطلوب من حماس الآن؟

ضمن واقع استئناف الحرب على غزة، بعد إنجاز المرحلة الأولى من الصفقة التي تم نكثها أميركياً وإقليمياً، ما هو المطلوب من حماس وكل السكاكين على رقبتها، بين الصمود والاستسلام هل ثمة خيار ثالث؟

0:00
  • المطلوب من حماس أن تدفع المتوحشين إلى اليأس من نزع سلاحها.
    المطلوب من حماس أن تدفع المتوحشين إلى اليأس من نزع سلاحها.

يطلب الكيان الإسرائيلي أن تستسلم حماس، ومعه أميركا والغرب وربما كثير من حكام العرب وحتى بعض الفلسطينيين المنافسين ممن يخشون من انتصار حماس، وربما بعض أهل غزة المظلومين وقد سئموا الموت حرقاً أو تحت جنازير الدبابات، ولكن هل الاستسلام خيار مطروح في عقل حماس؟ وإذا استسلمت بنزع سلاحها وقبول نفي قادتها فهل هذا بالفعل طوق نجاة لمن تبقى في غزة وهو كفيل بمنع ضم الضفة؟

بداية لا يمكن التعقيب على الأصوات التي تخرج من غزة وقد اعتراها الضعف، أو هكذا نفهمه نحن خارج المحرقة، فابن غزة ابتداء يحق له أن يقول ما يشاء، وهو يجد أطفاله في أتون الإبادة يتضاغطون، وما يقوله انعكاس للبحث عن خيارات أخرى بعد سنة ونصف من هذه الحرب التي تدور في حلقة إسرائيلية مفرغة، وهناك في غزة أصوات معاكسة تصرّ على الصمود إلى ما لا نهاية، وقوى المقاومة في حماس والجهاد تحديداً أكثر من يدفع الثمن مع حواضنها الشعبية، وهذا التعدد في الرؤى عند أهلنا في غزة متوقع، وإن كان هناك خارج غزة من يصطاد في المياه العكرة لخدمة أجندته السياسية الرخيصة.

ضمن واقع استئناف الحرب على غزة، بعد إنجاز المرحلة الأولى من الصفقة التي جرى نكثها أميركياً وإقليمياً، ما هو المطلوب من حماس وكل السكاكين على رقبتها، بين الصمود والاستسلام هل ثمة خيار ثالث؟

يعلم الجميع أن العين الإسرائيلية الأميركية على ورقة الأسرى الإسرائيليين، فهي الورقة الرابحة في جعبة المقاومة، وهذه العين باتت صريحة أكثر من ذي قبل، أنها تريد استعادة الأسرى والاستمرار بعدها في الحرب حتى تهجير أهل غزة وليس فقط نزع سلاح حماس أو القضاء على حكمها لغزة، وليس مقترح ويتكوف سوى خطوة متقدمة في هذا السياق، وقد رفضته المقاومة حيث هي تصر على تنفيذ الصفقة وفق ما اتُفق عليه باتجاه المرحلة الثانية، وهو ما بات خلف الظهور الآن خاصة مع المقترح المصري الجديد الذي يتناغم مع خطة ويتكوف، لهذا يبدو وضع المقاومة في حالة لا تحسد عليها، خاصة مع محاولات دفع الواقع الشعبي في غزة للضغط على حماس للتنازل.

يمكن رؤية هؤلاء الذين يطالبون حماس بالتنازل ضمن ثلاث توجهات:

التوجه الأول يشفق على أهل غزة ولا يدقق في الألاعيب السياسية، وهو يظن أن التعاطي مع المقترحات سبيل النجاة الوحيد لتجاوز حالة الحرب.

 والثاني ينافس حماس على السلطة ويريد تنحيتها لمصلحة مشروعه السياسي القديم الجديد، وهو مشروع كسيح إلا حيث يستغله الكيان في تعزيز مشاريعه.

 والأخير متآمر يعمل لمصلحة الكيان الإسرائيلي وينفذ الأوامر الأميركية.

والعجب أن نتنياهو ومعه حكومة التوحش الأيديولوجي في تل أبيب، يتحدثان صراحة عن توجهاتهما وخططهما لدفع الشعب الفلسطيني إلى الهجرة من غزة، ثم ضم الضفة وخلق بيئة طاردة للحياة في ظل دولة المستوطنين في أرئيل ومعالي أدوميم وغوش عتصيون، وهي صراحة تكفي لفهم المعادلة المطروحة بقبول تصفية القضية الفلسطينية جملة وتفصيلاً، وإلا فما معنى تركيز هؤلاء على ضرورة إصغاء حماس للشارع وللأصدقاء وعدم التعنت والقبول بإعادة اللحمة الوطنية بين غزة والضفة تحت حكم السلطة الفلسطينية، في وقت بات غير مقبول فيه أميركياً حتى أن تتدخل السلطة في شأن غزة.

استعادة الوحدة الوطنية قضية مصيرية في كل الظروف، هذا مبدأ عند كل فلسطيني غيور، ولكن هل هذه الوحدة تتم عبر التضحية بالمقاومة وسحق عظامها؟ وكيف يكون الإصغاء للأصدقاء والكف عن التعنت؟ هل يكون بنزع سلاح المقاومة وترك غزة والضفة للمجهول في أحسن الظروف، وخطط التهجير تنتظر التنفيذ؟

أعلنت حماس صراحة منذ زمن بعيد قبولها بلجنة إسناد مجتمعية برعاية مصرية، تكون على صلة بالسلطة في رام الله، وهي فترة مؤقتة ريثما يتم إعمار غزة، وهو ما كانت ترفضه السلطة حتى قبلت فيه في القمة العربية على مضض وقد أعلنت عن مصالحة في داخل حركة فتح، وهي المصالحة التي توقفت مع توقف تنفيذ الصفقة، إذاً قضية حكم غزة ليست هي العائق، ولكنه سلاح المقاومة والذي سبق أن تم التنازل عنه في حصار بيروت 1982، بعد تهجير مقاتلي منظمة التحرير، وكانت النتيجة مجازر صبرا وشاتيلا، مع السيطرة على المشهد السياسي في لبنان حتى ظهور حزب الله والذي ملأ الفراغ وهزم "إسرائيل" لاحقاً.

المطلوب من حماس في هذا التوقيت الفلسطيني الحساس ليس الصمود فقط، إنما تفعيل خيارات تعزز هذا الصمود وهي مع حركة الجهاد ومحور المقاومة لن تعدم الوسيلة مهما كان حجم الضربات، وليست مفاوضات عُمان بين إيران وأميركا إلا في سياق الرؤية الأميركية لحقائق الواقع التي تحد من الاندفاعة الإسرائيلية نحو تصفية القضية الفلسطينية.

يصعب الفصل بين تصاعد نقد حماس عند رفضها لخطة ويتكوف، وبين فهم ذلك في سياق تشجيع الإسرائيلي ليكثف من جرائمه الوحشية، تحت شعار ما لا يأتي بالقوة يأتي بمزيد من القوة، وهو ما يدركه كثير من منتقدي حماس الذين باتوا يرفعون أصواتهم بتحميل المقاومة مسؤولية الجرائم الإسرائيلية، وهم يرون الإسرائيلي ومعه الأميركي يستغلان ما يقولونه، ليبرّرا للعالم جرائمهما بأن هذه الحرب تؤتي أُكلها، وأن الضغط العسكري الفعال يدفع المزيد من الفئات إلى الضغط على حماس لإبداء المزيد من المرونة.

لذا مطلوب من حماس أكثر من أي وقت مضى، رغم الكلفة الباهظة من دماء قادة المقاومة وحواضنها الشعبية، وهذا الجوع والموت الذي يفتك بأهل غزة جميعاً، وهذا التهجير الذي يطال أهل جنين وطولكرم ويدمر بيوتهم، ويضع الضفة كلها في معازل، أن تدفع هؤلاء المتوحشين إلى اليأس من نزع سلاحها، واليأس من تنازلها إلا على أرضية أن يكون اليوم التالي للحرب فلسطينياً بامتياز، وإلا فتصفية القضية بشكل جذري هو ما ينتظر الجميع، فالخسارة وتصعيد الجرائم عند التنازل مؤكدة بلا شك ولنا في التاريخ عبرة، فيما أن الصمود وتعزيز خياراته يحملان الأمل نحو غد مختلف وإن كان في مواجهة تصاعد هذه الحرب الإجرامية.