مصير تطبيق تيك توك في ظلّ الضغوط الأميركية لشرائه ورفض الصين
هناك عدة سيناريوهات محتملة لمصير "تيك توك" في المرحلة المقبلة. فإذا أصرت بكين على رفض بيعه، فقد يواجه التطبيق خطر الحظر الكامل في السوق الأميركية، مما قد يترتب عليه تداعيات وعواقب وخيمة على واشنطن.
-
مصير تطبيق تيك توك في ظلّ الضغوط الأميركية لشرائه ورفض الصين
شغل تطبيق تيك توك بال الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال فترة ولايته الأولى، بحيث سعى إلى حظره في حال لم توافق شركة بايت دانس الصينية، المالكة للتطبيق، على بيعه إلى شركة أميركية، بحجة أنه يشكّل تهديداً للأمن القومي الأميركي إذ يمكن عبره أن تحصل الصين على بيانات المواطنين الأميركيين، أو أن تستخدم التطبيق للتجسس، أو للتأثير على الرأي العام الأميركي.
استمرت الجهود الأميركية للاستحواذ على تطبيق تيك توك أو حظره على الأراضي الأميركية مع الرئيس السابق جو بايدن الذي وقّع قانون الحظر أو البيع في نيسان/أبريل العام الماضي، بعد أن تمّت الموافقة عليه من قبل الكونغرس الأميركي، كما أيّدته المحكمة العليا بالإجماع.
ومنح القانون المذكور أعلاه شركة بايت دانس حتى 19 كانون الثاني/يناير الماضي للتخلّي عن عملياتها في الولايات المتحدة الأميركية أو مواجهة حظر شامل من متاجر تطبيقات غوغل وآبل.
وبالفعل دخل حظر تطبيق تيك توك حيّز النفاذ في الموعد المحدّد حيث قامت متاجر التطبيقات بسحب التطبيق. إلا أنه بعد مجيء ترامب إلى البيت الأبيض وقّع أمراً تنفيذياً يؤجّل فرض الحظر على التطبيق لمدة 75 يوماً، قابلة للتمديد، وتنقضي هذه المهلة في 5 نيسان/أبريل المقبل.
أبدت شركات كثيرة رغبتها في شراء تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة الأميركية. ففي آذار/ مارس الحالي، قال ترامب إنه يجري مفاوضات مع أربع مجموعات مختلفة لشراء التطبيق من بينها شركة أوراكل التي حاولت سابقاً شراء تطبيق تيك توك لكنّ مساعيها باءت بالفشل.
ومن أبرز مقدّمي العروض أيضاً، الذين تقدّموا بطلب شراء منصة التواصل الاجتماعي، تحالف بقيادة الملياردير فرانك ماكورت وكيفين أوليري وأليكس أوهانيان، المؤسس المشارك لـموقع Reddit.
ومؤخّراً عرض الرئيس الأميركي ترامب صفقة على الصين، إذ أعرب عن استعداده لتخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على الصين أو منحها "شيئاً ما"، بهدف تسهيل صفقة بيع تيك توك للولايات المتحدة الأميركية. إلا أنّ الصين رفضت عرض ترامب وقال الناطق باسم وزارة الخارجية غيو جيا كون إنّ الجانب الصيني أكد موقفه مراراً برفض بيع تيك توك، كما أن بكين ترفض الرسوم الجمركية الإضافية.
دأبت الصين منذ ولاية ترامب الأولى على رفض بيع منصة تيك توك إلى الولايات المتحدة الأميركية. وأما عن سبب ضرورة الحصول على موافقة السلطات الصينية لبيع التطبيق، فيعود إلى قيام السلطات الصينية في العام 2020، بتعديل قائمة التقنيات الخاضعة لقيود التصدير، إذ تمّ بموجبه توسيع قيود التصدير لتشمل تكنولوجيا خدمة المعلومات الشخصية القائمة على تحليل البيانات وتقنية واجهة الذكاء الاصطناعي.
وعلى الرغم من أن بكين تعارض بيع المنصة، إلا أن وكالة بلومبيرغ الأميركية ذكرت خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي، أنّ المسؤولين الصينيين يدرسون إمكانية بيع تيك توك إلى إيلون ماسك، مؤسس شركة تسلا، والذي استحوذ على تطبيق تويتر(X) حالياً، إلا أنّ ماسك أعلن أنه غير مهتم بشراء التطبيق.
ربما كانت الصين تفضّل بيع التطبيق إلى ماسك كون أنّ الأخير لديه علاقة مميّزة مع المسؤولين الصينيين، ولديه فرع لشركة تسلا في شنغهاي، والصين هي ثاني أكبر سوق لسيارات تسلا، كما أنّ بكين منحت استثناءات لاستثمارات ماسك على أراضيها. مثلاً سمحت بكين لشركة تسلا أن تمتلك مصنعها بمفردها، وهي المرة الأولى التي تمنح فيها الصين هذا الامتياز بعد عقود ألزمت فيها شركات صناعة السيارات الأجنبية بإدخال شركات محلية في مشاريع مشتركة.
في ظلّ الإصرار الأميركي على شراء تطبيق تيك توك أو حظره على الأراضي الأميركية، ورفض الصين لبيعه، يكتنف الغموض مستقبل التطبيق.
وهناك عدة سيناريوهات محتملة لمصير المنصة في المرحلة المقبلة، ففي حال إصرار بكين على رفض بيع تيك توك قد يواجه التطبيق احتمال حظره بالكامل في السوق الأميركية، وستكون لذلك تداعيات وعواقب وخيمة على الولايات المتحدة الأميركية نظراً لأنّ التطبيق يستخدمه أكثر من 170 مليون أميركي أي ما يقرب نصف عدد سكان البلاد، وعلى الشركة نفسها، وعلى العلاقات الصينية الأميركية في حال فرض ترامب رسوماً جمركية إضافية على الواردات الصينية، وقيام بكين بالردّ عبر فرض رسوم جمركية إضافية على السلع الأميركية، إذ سبق لها أن فرضت رسوماً جمركية على بعض الواردات الأميركية رداً على فرض ترامب رسوماً جمركية عليها. كما يمكن أن تدفع خطوة ترامب بحظر التطبيق إلى اتخاذ بكين إجراءات انتقامية ضدّ الشركات الأميركية العاملة على أراضيها.
وهناك احتمال آخر يتمثّل بأن يمدّد ترامب مهلة الـ 75 يوماً لحظر التطبيق، بهدف إجراء المزيد من المباحثات مع بكين لشراء التطبيق عبر تقديمه تنازلات مغرية جداً للصين أكبر من تخفيف الرسوم الجمركية، بحيث يمكن معها أن تسمح الصين ببيع التطبيق لكن مع بقاء خوارزمياته بيد شركة بايت دانس.
ولكنّ هذا الاحتمال يتوقّف على أيّ مشروع ستتنازل عنه واشنطن إلى بكين ويكون ذا مكاسب كبيرة لها. ويذكر في هذا الإطار أنه قد تمّ عقد صفقة بين الصين وأميركا بهدف إطلاق سراح ابنة رئيس شركة هواوي الصينية والمسؤولة المالية للشركة، منغ وان تشو، في العام 2021، والتي كانت محتجزة في كندا منذ العام 2018.
أما الاحتمال الثالث فيكمن في أن تلغي إدارة ترامب الحظر من خلال إجراء تشريعي من دون اضطرار شركة بايت دانس إلى بيع التطبيق، إلا أن هذا السيناريو أقل احتمالاً بالنظر إلى موقف الحزبين الجمهوري والديمقراطي الرافض لبقاء تطبيق تيك توك بيد الصين. ومع ذلك إذا طبّق فهذا يشير إلى إبرام بكين صفقة مع الرئيس ترامب تحقّق له مكاسب كبيرة، ولكن من ناحية أخرى، قد ينظر إليه محلياً على أنه استسلام من قبل إدارة ترامب.
هذه بعض السيناريوهات الممكنة لمصير تطبيق تيك توك، ومن المحتمل أن تكون هناك سيناريوهات أخرى نظراً لأنّ تصرّفات الرئيس ترامب غير متوقّعة فضلاً عن حبّه لإبرام الصفقات.
في ظلّ التنافس التكنولوجي بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، حيث يدخل تطبيق تيك توك ضمن نطاقه، بعد تحوّل التطبيق من منصة ترفيهية إلى بؤرة خلاف بين البلدين، هناك ارتباط وثيق بين مصالح الشركات والصراعات الجيوسياسية، وقضية تيك توك ستكون اختباراً حول ما إذا كانت بكين وواشنطن قادرتين على التعاون والتفاهم وإبرام الصفقات، أو أن تبقى التوترات تسيطر على علاقاتهما.