من اللحاق بالركب إلى الريادة: الابتكار التكنولوجي مفتاح التنمية في الصين

كثاني أكبر اقتصاد في العالم، تواصل الصين عجلة الابتكار التكنولوجي، وتسعى جاهدة لتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الغربية، وتعزيز مكانتها الرائدة في هذا المجال، بالرغم من التحديات التي تواجهها.

0:00
  •  تتحوّل الصين بسرعة مذهلة من
    تتحوّل الصين بسرعة مذهلة من "اللاحق" إلى "صانع القواعد". 

على رقعة الشطرنج العالمية للتنافس التكنولوجي، تتحوّل الصين بسرعة مذهلة من "اللاحق" إلى "صانع القواعد". 

من روبوتات بوسطن ديناميكس عالية الحركة، إلى ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي التي أطلقتها شركة OpenAI ، هيمنت الولايات المتحدة الأميركية لفترة طويلة على التكنولوجيا في العالم.

ولكن الآن، مع الصعود السريع لشركات التكنولوجيا الصينية مثل DeepSeek،  تتم إعادة تشكيل خريطة الابتكار العالمية، إذ بدأت مجموعة من الشركات الصينية التي تعمل في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والطاقة الجديدة وغيرها، تتنافس مع عمالقة التكنولوجيا الأميركية، وذلك بفضل الاختراقات التكنولوجية والقدرة على التسويق.

تولي الصين أهمية كبيرة للتكنولوجيا، لاسيما الذكاء الاصطناعي، الذي احتل مكانة كبيرة في مناقشات الدورة الثالثة للمجلس الوطني الـ 14 لنواب الشعب الصيني الذي عقد مؤخراً، إذ وضعت مسألة تطوير الذكاء الاصطناعي أولوية عبر تبني المزيد من السياسات لدعمه، بما في ذلك الاستثمار في الأبحاث وتنمية المواهب، وبذل الجهود لتطوير مركبات الطاقة الجديدة الذكية والمتصلة بالإنترنت وهواتف وحواسيب الذكاء الاصطناعي والروبوتات الذكية وغيرها من الجيل الجديد من المنتجات النهائية الذكية ومعدات التصنيع.

لقد دفعت القيود، التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على صادرات رقائق الذكاء الاصطناعي وتقنياتها والحوسبة السحابية، الصين إلى ابتكار حلول بديلة، وتالياً الاعتماد على ذاتها في تصنيع الشرائح الإلكترونية وتقليل اعتمادها على تقنيات الشركات الغربية، لا سيما الأميركية.

وتركز الصين على تعليم الذكاء الاصطناعي في المدارس بهدف تنمية المهارات، وتعزيز القدرة على الابتكار منذ المراحل الأولى للتعليم. 

وفي هذا الإطار، تعتزم العاصمة بكين إدخال حصص تعليمية حول الذكاء الاصطناعي في المدارس الابتدائية والثانوية اعتباراً من العام الدراسي المقبل، مع تأكيد وزير التعليم الصيني أن الصين ستصدر ورقة بيضاء بشأن تعليم الذكاء الاصطناعي.

 والتركيز على تعليم الذكاء الاصطناعي منذ الصغر،  يهدف إلى تدريب الأطفال وتنمية قدراتهم على الإبداع والتطوير، وهو خير دليل على جهود الصين الحثيثة لتصبح رائدة في مجال التكنولوجيا من أجل تحقيق التنمية عالية الجودة التي تعود بالنفع عليها، والعالم بشكل عام، وبناء دولة قوية في العلوم والتكنولوجيا بحلول عام 2035.

تدعم السلطات الصينية قطاع التكنولوجيا والشركات الناشئة، وتخصص موارد كبيرة لدعم الأبحاث والتطوير والاختراعات، كما تستثمر الصين في البنية التحتية الرقمية.

 ومؤخراً، عززت بكين علاقاتها مع القطاع الخاص من أجل تعزيز التنمية والتكنولوجيا في الاقتصاد. وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ التقى الشهر الماضي بعض رؤساء الشركات الخاصة العملاقة في قطاع التكنولوجيا مثل جاك ما مؤسس شركة علي بابا، والرئيس التنفيذي لشركة "شاومي"، لي جون، ومؤسس شركة DeepSeek ، ليانغ وين فنغ. 

وقد زاد تشجيع السلطات الصينية ودعم التكنولوجيا من المنافسة بين الشركات الصينية، إذ بعد أن أطلقت شركة DeepSeek تطبيق روبوت الدردشة الذي فاجأ عمالقة التكنولوجيا، أطلقت شركة علي بابا تطبيق New Quark، كما أطلقت الشركة الصينية الناشئة "باتر فلاي إيفكت" تطبيق مانوس.

 وعليه، هناك منافسة محتدمة بين شركات التكنولوجيا الصينية بهدف تطوير الذكاء الاصطناعي، ومواصلة الصين تعزيز مكانتها في هذا المجال.

تحاول الولايات المتحدة الأميركية وضع القيود أمام الصين لإعاقة قدرتها على تطوير التكنولوجيا، وهو ما ترفضه بكين لأنها تسعى إلى تحقيق التنمية التي هي حق من حقوقها المشروعة، ولا يمكن لأي قوة وقف وتيرة التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي في الصين. ولدى بكين مقومات كبيرة تمكنها من تجاوز العقبات التي توضع أمامها ومواصلة تقدمها العلمي والتكنولوجي.

تدعو الصين دائماً إلى التعاون في مجال التكنولوجيا بدلاً من وضع القيود والعقبات أمامها. وهي تفتح يديها لأي دولة تريد التعاون في هذا القطاع وسائر القطاعات. وبدلاً من أن تقوم واشنطن بفرض المزيد من القيود على صادرات التكنولوجيا إلى الصين، وتضغط على الدول الأخرى لتحذو حذوها، يمكن لبكين وواشنطن تحقيق المزيد من التعاون في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. 

فقد تمكن البلدان من تحقيق التعاون في بعض القضايا التي تتعلق بالمخاطر الناشئة عن تطور الذكاء الاصطناعي. فمثلاً، اتفق الرئيس الصيني شي جين بينغ مع الرئيس الأميركي السابق جو بايدن على هامش منتدى التعاون الاقنصادي لآسيا والمحيط الهادئ "أبيك"، الذي عقد العام الماضي في ليما عاصمة البيرو،  اتفقا على أن اتخاذ القرارات بشأن استخدام الأسلحة النووية يجب أن يكون بواسطة البشر وليس الذكاء الاصطناعي.

كما ساهم الاتفاق الصيني - الأميركي في اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي قرارين بشأن الذكاء الاصطناعي، القرار الأول اعتمد بالإجماع ويهدف إلى تشجيع حماية البيانات الشخصية وحقوق الإنسان، أما القرار الثاني، الذي قدمته الصين ووافقت عليه الولايات المتحدة، فيتعلق بتعزيز التعاون في بناء قدرات الذكاء الاصطناعي.

كثاني أكبر اقتصاد في العالم، تواصل الصين عجلة الابتكار التكنولوجي، وتسعى جاهدة لتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الغربية، وتعزيز مكانتها الرائدة في هذا المجال، بالرغم من التحديات التي تواجهها، التي لن تزيد الصين إلا إصراراً على مواصلة تحقيق الريادة في قطاع التكنولوجيا.