نصرة حركة الشباب الصومالية لغزة السياق والدلالات

لماذا تبنّت حركة الشباب الصومالية نصرة غزة في هذا التوقيت؟ ولماذا استهدفت الحركة قاعدة أميركية مع العلم بأن هناك مصالح إسرائيلية في القارة الأفريقية كان من الممكن استهدافها؟

  •  العملية رسالة للولايات المتحدة الأميركية أكثر وأكبر منها نصرة لغزة.
    العملية رسالة للولايات المتحدة الأميركية أكثر وأكبر منها نصرة لغزة.

بعد ما يزيد على 700 يوم متواصلة من حرب الإبادة الإسرائيلية المدعومة بإسناد وتأييد الولايات المتحدة الأميركية على قطاع غزة، أعلنت حركة الشباب الصومالية، المرتبطة بتنظيم القاعدة، مسؤوليتها عن هجوم استهدف قاعدة أميركية في "كيسمايو" بالصومال في 6 أيلول/ سبتمبر 2025، مؤكدة أن الهجوم جاء "نصرة لغزة" في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع.

ورغم إعلان حركة الشباب الصومالية مسؤوليتها عن الهجوم، وبحسب بيان الحركة، فإن العملية استهدفت "المعسكر الأميركي" ردًا على الحرب في غزة، وأسفرت - وفق قولها- عن "خسائر فادحة في صفوف الجنود الأميركيين وتدمير مركبات عسكرية". 

إلا أن القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) نفت وقوع إصابات أو أضرار في القاعدة، موضحة أن القاعدة المستهدفة تُستخدم في تنسيق عمليات جوية مشتركة ضد مسلحي الحركة في إقليم جوبالاند، ما يشير إلى أن الهجوم كان رمزيًا أكثر منه عمليًا. ومع ذلك، فإن مجرد تنفيذ الهجوم يُظهر أن التنظيم لا يزال يحتفظ بقدرة هجومية، وهو تحذير للولايات المتحدة من استمرار تدخلها العسكري في الصومال. وتُعد هذه العملية تطورًا لافتًا في نشاط التنظيم، ويستدعي تحليلًا معمقًا لفهم أبعاده. فما هو السياق والدلالات التي تقع فيها عملية استهداف حركة الشباب للقاعدة الأميركية في الصومال تحت توصيف نصرة لغزة؟.

في السياق العام والقراءة الموضوعية لتنفيذ حركة الشباب الصومالية العملية ضد القاعدة الأميركية، فإنه يمكن تسجيل عدة دلالات من بينها أن الحركة تأخرت كثيراً في نصرتها لغزة بعد ما يزيد على 700 يوم من حرب الإبادة التي يتعرض لها قطاع غزة، والملاحظ أن حركة الشباب الصومالية نفذت عدة عمليات ضد القوات الأميركية في الصومال ودول أفريقية أخرى منذ العام 2007؛ ويُذكر أنه في عام 2020 استهدفت الحركة قاعدة "ماندا باي" في كينيا واسفرت العملية عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين؛ ولم تعلن فيما سبق بأن هذه العمليات نصرة لغزة ومقاومتها؛ وبالتالي هذا السياق العام يطرح تساؤلاً مهماً: لماذا تبنّت حركة الشباب الصومالية نصرة غزة في هذا التوقيت؟ ولماذا استهدفت الحركة قاعدة أميركية مع العلم بأن هناك مصالح إسرائيلية في القارة الأفريقية كان من الممكن استهدافها؟ ولماذا لم تؤدي العملية إلى خسائر بشرية أو خسائر كبيرة؟ ولماذا هذا التبني المعلن والصريح الذي لا يخلو من دلالات توظيف البعد المركزي للقضية الفلسطينية أفريقياً وعربياً وإسلامياً وعالمياً؟ 

وبالتالي، إحدى دلالات تبني حركة الشباب الصومالية لاستهداف القاعدة الأميركية نصرة لغزة، هي الإعلان عن وجود وحضور وفاعلية وتمدد الحركة وتبنيها لقضايا خارج الجغرافيا الصومالية والأفريقية، والاستفادة من التعاطف الحاصل مع القضية الفلسطينية، ولا سيما في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.

 والملاحظ أنه منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، اتسمت البيانات الصادرة عن تنظيم القاعدة وفروعه، بكثافة التعاطي مع غزة، إعلامياً فقط؛ في محاولة منها لتوظيف الوضع في فلسطين عموماً وغزة على وجه الخصوص، لمصلحة إعادة تنظيم صفوفها واستقطاب عناصر جديدة وتجنيدها. وهذا التوظيف ليس وليد اللحظة، بدأ منذ انتفاضة الأقصى عام 2000 وعقب أحداث سبتمبر في 11 أيلول/ سبتمبر 2001. الجديد أن التوظيف هذه المرة يحدث في القارة الأفريقية وتحديداً الصومال؛ وبالتالي، فإن توقيت العملية لا يخلو أيضاً من دلالة التذكير بأحداث سبتمبر 2001. وبأن تنظيم القاعدة وفروعه ما زالوا حاضرين.

وفي السياق ودلالاته، نجد أن تبني حركة الشباب الصومالية لاستهداف القاعدة الأميركية يأتي بعد يومين من لقاء الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في مقديشو، يوم 4 أيلول/ سبتمبر 2025؛ بالقائد الجديد للقيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال داجفين آندرسون، برفقة سفير الولايات المتحدة لدى الصومال ريتشارد رايلي. وخُصص اللقاء لبحث سبل تعزيز التعاون في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب ودعم الاستقرار.

 وأكد الرئيس الصومالي خلال اللقاء الدور المحوري الذي تضطلع به "أفريكوم" في دعم جهود الإصلاح الأمني بالصومال؛ في المقابل جدد الجنرال آندرسون التزام الولايات المتحدة دعم الصومال في مواجهة الإرهاب، وتعزيز الاستقرار المستدام في منطقة القرن الأفريقي. وبالتالي، لا يُمكن الاستبعاد أو الإسقاط أن عملية استهداف القاعدة الأميركية في "كيسمايو" تقع خارج سياق إيصال رسالة على هذا اللقاء.

عطفاً على ما سبق فإن تبني حركة الشباب الصومالية للعملية العسكرية التي استهدفت القاعدة الأميركية في "كيسمايو" تحت ادعاء نصرة غزة؛ علماً بأن تنظيم القاعدة "الأم" لم ينفذ ولم يتبنَّ أي عملية معروفة ومعلنة تتعلق بنصرة غزة منذ بدء حرب طوفان الأقصى في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، لا يخلو من عملية توظيف تتعلق بالحركة ذاتها وهو توظيف يقع ضمن السياق والدلالات التالية:

- تسعى حركة الشباب الصومالية من العملية اليتيمة وتبني نصرة غزة إلى ربط نشاطها المحلي بالقضايا الإقليمية والدولية، من أجل تعزيز شرعيتها وتمدد حضورها، ولكن الملاحظ أن قدرتها على ذلك محدودة، يتضح ذلك من خلال مخرجات العملية العسكرية المُعلن عنها واختصارها واقتصارها على استهداف القاعدة الأميركية. 

- العملية رسالة للولايات المتحدة الأميركية أكثر وأكبر منها نصرة لغزة، وتقع ضمن سياق رد الحركة على الضربات الجوية الأميركية؛ والهدف منها القول بأن التنظيم ما زال حاضراً وقادراً على تنفيذ عمليات تستهدف المصالح والقوات الأميركية، حتى وإن كان هذا الاستهداف محدوداً ولم يفضِ إلى خسائر بشرية، وهنا يقع سياق غير مفهوم، وهو أن العملية قد تفضي إلى نتائج عكسية يصبح بموجبها التغلغل الأميركي مشروعاً ومطلوباً تحت بند وذريعة مكافحة الإرهاب. وبالتالي، فإن هذه العملية قد تعزز الوجود العسكري الأميركي في الصومال ودول الجوار.

- اتسمت العملية بزخم إعلامي مقصود تبنّته ونشرته منصات تنظيم القاعدة، وهو تبنٍّ لا يخلو من استعراض القوة في سياق توصيف استهداف قاعدة أميركية نصرة لغزة من أجل لفت الأنظار وإعادة التنظيم إلى الواجهة. لكنه زخم محدود ووقع في شرك التدليس، فبعدما تناقلت عدة حسابات مقطع فيديو بزعم ارتباطه بهجوم لحركة الشباب الصومالية ضد قاعدة أميركية، على خلفية الحرب في قطاع غزة، وقد حصد الفيديو مئات الآلاف من المشاهدات في منصة إكس وحدها، مصحوبًا بوصف يقول: "حركة الشباب في الصومال تعلن رسميًا مسؤوليتها عن هجوم نوعي على القاعدة الأميركية ردًا على حرب غزة، وقالت الحركة في بيان رسمي إن هذا الهجوم هو الأول والقادم أعظم". تبين بأن الفيديو قديم، ويعود إلى هجوم شنته حركة الشباب الصومالية على قاعدة "ماندا باي" الأميركية في مطلع كانون الثاني/ يناير عام 2020.

- استهداف حركة الشاب الصومالية للقاعدة الأميركية تحت عنوان نصرة غزة من أجل تحقيق مكاسب سياسية داخلية، ولا سيما أن نصرة غزة واستهداف القواعد الأميركية عملان يحظيان بشعبية كبيرة. ويعززان مكانة الحركة في العالم الإسلامي لكسب مزيد من التعاطف والتأييد. وبالتالي تسعى الحركة إلى أن تبدو كنصير للقضية الفلسطينية وتقديم نفسها كجزء من محور معارض ورافض للحرب الإسرائيلية على غزة وللوجود الأميركي في أفريقيا.

- تبنّي الحركة للعملية وربطها بنصرة غزة محاولة تقديم الحركة لنفسها كمكون من مكونات الأمة الإسلامية المتضامنة مع غزة؛ ولا يخلو الأمر من تحول فكري وبعد تعبوي مفاده أن الحركة تسعى لتجاوز الجغرافيا الصومالية والأفريقية لتصل إلى فلسطين، ما يوفر لها مخاطبة جمهور أكبر وشرعية أوسع، ولا سيما أن خطاب حركة الشباب لا يحظى بدعم جماهيري محلي أو إقليمي، فاستحضرت نصرة غزة كنوع من تغيير الخطاب لا تجديده، وذلك أن قضية فلسطين تحظى بإجماع ودعم شعبي ممتد.

 إن إعلان حركة الشباب الصومالية تبنّي تنفيذ عملية عسكرية ضد القاعدة الأميركية في "كيسمايو" هو رسالة متعددة الأهداف والأطراف، وأهمها أن الحركة ما زال لديها قدرة هجومية تستهدف القواعد الأميركية وأن تبنّيها لنصرة غزة هو محاولة توظيف لحالة التعاطف مع القضية الفلسطينية من أجل تعزيز نشاطها وحضورها ومناصريها فقط لا غير.

إذ يلاحظ أنه لا يوجد أي تنسيق ميداني أو حتى رسائل وبيانات ومواقف وعلاقات تنظيمية أو تحالف حقيقي بين الحركة وفصائل المقاومة الفلسطينية، وبالتالي فإن تبني الحركة للعملية نصرة لغزة، لا يعدو كونه توظيفاً إعلامياً أكثر مما هو دعم فعلي لغزة ومقاومتها.